وزير الطاقة الجزائري لـ"حفريات: لا نبيع نفطنا بالمجان

الجزائر

وزير الطاقة الجزائري لـ"حفريات: لا نبيع نفطنا بالمجان


17/11/2019

تشهد الجزائر حالة جدل متفاقم حول قانون المحروقات الجديد الذي يعتبره الشارع المحلي "بيعاً لأهم ثروة في البلاد"، فيما تدافع الحكومة بشراسة عما تعتبره نصاً مشجّعاً للاستثمار في المنظومة النفطية المتآكلة.

وفي تصريحات خاصة بـ"حفريات"، دافع وزير الطاقة الجزائري وأحد مساعديه إضافة إلى فريق من الخبراء عن القانون، خلافاً لفعاليات أخرى تراه "لاغياً" و"استفزازياً". وأكد الوزير: لا نبيع نفطنا بالمجان.

يرى الإعلامي رفيق بحري أنّ قانون المحروقات أتى ليضع حداً لممارسات "العصابة" في إحالته على الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة

 
من وجهة نظر الحكومة، يشدّد وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، على أنّ "قانون النفط الجديد لا يمثّل مصدراً لأي مخاوف"، ونبّه إلى أنّ القانون المثير للجدل أتى ليواجه "صدمات" عجز هيكلي محتمل بين العرض والطلب المحليين اعتباراً من 2025، كما نوّه عرقاب إلى أنّ المشروع "ثمرة إرادات وخبرات وطنية مخلصة"، على حد تعبيره.

ورداً عن سؤال لمراسل "حفريات"، أكّد المسؤول الجزائري على أنّ بلاده حريصة على تأمين ثروات البلاد وتعزيزها، وتابع: "في صياغتنا لقانون المحروقات، ركّزنا على حماية مصلحة الجزائر والجزائريين، وتكريس قاعدة 51 ـ 49 وحق الشفعة اللذين يضمنان مصالح الجزائر في سائر مشروعاتها التشاركية مع الأجانب".

 وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب

وشرح الوزير الجزائري: "قانون المحروقات يتطلع إلى تجديد المخزون الوطني من النفط الذي تلاشى بنسبة 60 من المئة، لذا كان من اللازم استحداث نص تشريعي يراجع عدة تفاصيل تعاقدية ويقرّ تحفيزات جبائية، تبعاً لمتغيرات الداخل والخارج، ويتيح تجسيد شراكات وتفعيل استثمارات".

واستغرب عرقاب حديث قوى المعارضة وقطاع واسع من مواطنيه عن "بيع السلطات للثروة النفطية بالمجان". وتساءل "إن كان من انتقدوا، قرأوا فعلياً نص القانون الذي يؤكد احتكار مجمع سوناطراك لنشاط نقل المحروقات بواسطة الأنابيب، ويوسّع استغلال المحروقات إلى أعماق الساحل".

اقرأ أيضاً: الأمن الجزائري يقمع إضراب القضاة المفتوح

وتابع وزير الطاقة الجزائري: "حدّدنا 4 أهداف من وراء قانون المحروقات، هي: استرجاع جاذبية المجال المنجمي الوطني في ظل وضع دولي تطبعه المنافسة الشرسة، استقطاب الشركات الأجنبية التي تحوز على التكنولوجيات الحديثة والتمويلات اللازمة لتطوير الموارد الوطنية من المحروقات، تقاسم المخاطر الناجمة عن عمليات الاستكشاف التي يتحملها مجمع سوناطراك المملوك للحكومة، فضلاً عن إعادة تجديد احتياطات بلادنا وإعادة بعث عمليات الإنتاج".

وطمأن وزير الطاقة الجزائري مواطنيه بأنّ القانون الجديد أبقى حق الامتياز لصالح بلاده؛ حيث نصت المادة 92 من القانون، على أنّ عقود المساهمة لمجمع سوناطراك الجزائري لا ينبغي أن تقل عن نسبة 51 من المئة، فيما لا ينبغي أن يتجاوز الشريك الأجنبي حصة 49 من المئة.

اقرأ أيضاً: انقسامات جبهة الإنقاذ تنهي أسطورة الأحزاب الإسلامية في الجزائر

وتحدّد المادة 56 من النص ذاته، مدة العقود بـ 30 سنة بداية من دخولها حيز التنفيذ، وتشمل هذه المدة، فترة البحث والاستكشاف وكذلك فترة الاستغلال، كما يمكن للعقد أن يكون عبر عدة حقول مكتشفة، وفي هذه الحالة يمكن تمديد العقد لمدة عشر سنوات أخرى فقط، ولا ينبغي لفترة البحث والاستكشاف أن تتجاوز سبع سنوات، مع إمكانية منح صفقات بالتراضي البسيط.

أفضلية تتصدى للاستنزاف
من جهته، ركّز المدير العام للمحروقات بوزارة النفط الجزائرية، مصطفى حنيفي، على أنّ القانون يمنح الأفضلية للمجموعات المحلية في سائر أنشطة المناولة المرتبطة بمشاريع النفط والغاز التي يجري تنفيذها بالشراكة بين سوناطراك والأجانب، إضافة إلى منح الأولوية لتوظيف الكوادر الجزائرية.

اقرأ أيضاً: هاجس الأزمة وضغط الشعب يشعلان الصراع على الرئاسة في الجزائر

وفي تصريح لـ "حفريات"، ذكر حنيفي أنّ "القانون يتيح اكتشافات نفطية وغازية جديدة، بما يضمن الأمن الطاقوي للبلد ومداخيله بواسطة الشراكة الأجنبية، ويضمن أيضاً التوصل إلى اكتشافات بترولية وغازية جديدة".

وأبرز مصطفى حنيفي "خلفية القانون في تصديه لخطر نفاذ الوعاء الطاقوي، ولا بدّ أن يعلم الناس أنّ الجزائر فقدت 60 % من مخزونها الغازي، لذا أنتجنا نصاً هو عصارة أبحاث واستشارات واسعة منذ سنتين".

وأعطى حنيفي ومسؤولين جزائريين آخرين انطباعاً قوياً بأنّ قانون المحروقات الجديد أتى ليمسح آثار نص سابق تبناه نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وترتّبت عنه انعكاسات وخيمة تفسّر الأرقام المرعبة لآلة النهب التي استنزفت الاقتصاد المحلي.

بدوره، شدّد الخبير الطاقوي الجزائري بوزيان مهماه على أنّ قانون المحروقات الجديد أتى ليستبق دخول بلاده المنطقة الحمراء، وشرح لـ"حفريات": "لو انتظرنا إلى العام 2021، كان سيتم ابتزازنا وهدر القدرات الوطنية، وقد يتم تقديم تنازلات خطيرة على حساب السيادة الوطنية، لذا كان من الضروري إقرار تعديلات تمكّن الدولة من التفاوض مع الأجانب من موقع قوة".

وتقاطع أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، عماد تزير، مع الخبير مخماه عند حتمية "عدم جعل قانون المحروقات موضع مزايدات"، واعتبرا أنّ الأمر يتعلق بـ"إنقاذ مصير كل الأمة الجزائرية"، كما طالبا مواطنيهما بالكفّ عن ممارسة ثقافة "التخوين" و"اتهام المسؤولين بالبيع والشراء".

اقرأ أيضاً: إسلاميو الجزائر يناورون في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية

وفي بلد يشكو من تراجعات مقلقة تبعاً لهبوط احتياطي العملة الصعبة إلى 58 مليار دولار واحتمال تدحرجها إلى 49 ملياراً بحلول حزيران (يونيو) 2020، أفادت الخبيرة أمينة مسايد قادري بأنّ "الجزائر تحتاج إلى إنعاش مصادر التمويل، وذلك غير مفصول عن استحداث مكامن جديدة للموارد الطاقوية".

وأردفت: "القانون الحالي أتى بعدة متغيرات إيجابية، أهمها صفة الامتياز التي كانت تسمى عقد الامتياز، وتعني أحقية الدولة الجزائرية والشعب الجزائري في كل ما يتم استكشافه من ثروات سواء تلك التي تم التنقيب عنها من طرف شركات محلية أو أجنبية".

وأضافت قادري: "حصة أي شريك أجنبي ستتراوح بين 18 و25 من المئة، بينما ستستفيد الجزائر من أي عملية تتعلق بمشروع المحروقات بنسبة 51 بالمائة صافية دون احتساب أي رسوم".

إسقاط "إجبارية" الغاز الصخري
يؤكد الخبير محمد حميدوش أنّ القانون الجديد للمحروقات لا يجبر الجزائر على الذهاب الى استغلال الموارد غير التقليدية في القريب العاجل، وبشكل خاص الغاز الصخري المثير للجدل الذي لا يزال يفجّر لغطاً عارماً بفعل ارتياب السكان المحليين من تداعياته الصحية.

يرى حميدوش أنّ القانون إيجابي من حيث تحديد مدة عقود الاستغلال بثلاثين سنة

ويرى حميدوش أنّ القانون إيجابي من حيث تحديد مدة عقود الاستغلال بثلاثين سنة، بعدما كانت محدّدة بـ32 عاماً، أما الموارد غير التقليدية فكانت 50 سنة وتم تقليص مدة استغلالها إلى 30 سنة، مشيراً إلى إدراج  سنوات الاستكشاف والتنقيب السبع ضمن الـ30 عاماً المُتاحة ضمن العقود.

وأشار حميدوش إلى أنّ الجزائر تتواجد ضمن 23 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، تفرض أعلى نسبة ضريبة على المنتجات، فالأمر يتعلق بـ85 بالمئة من ناتج العملية الاستثمارية التي تذهب إلى الخزانة العامة، فيما يتقاسم مجمع سوناطراك وشركاؤها 15 بالمئة.

معارض جزائري: نتيجة عدم اكتسابه للشرعية من شعبه يحاول النظام الحصول عليها من القوى الغربية عبر بيع الثروات الباطنية

ويوضح الخبير السابق في البنك الدولي أنّ "الاستكشافات في المواد الطاقوية وصعود قوى جديدة، يجبر على الاختيار بين جفاف الوعاء الضريبي أو  توسعته، وما تمّ القيام به في قانون المحروقات الجديد هو تخفيض نسبة الضريبة إلى أعلى مستوى عالمي لها إلى حد الآن، وهو ما يقارب 65 بالمئة لضمان استقطاب الشركات الأجنبية".

ويلاحظ الخبير الطاقوي الجزائري، بوزيان مهماه، أنّ قانون المحروقات الجديد هو أفضل ما يمكن أن نقوم به في الوقت الحالي بالنسبة لقطاع الطاقة، بناءً على المعطيات الاقتصادية والطاقوية والفنية المتعلقة بالتكنولوجيات".

من جانبه، يرى الإعلامي المتخصص، رفيق بحري، أنّ قانون المحروقات أتى ليضع حداً لممارسات "العصابة" في إحالته على الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة.

ويشير بحري إلى شبهات متصلة بقطاع النفط، كان بطلها وزير الطاقة الهارب شكيب خليل، والرئيس المدير العام الأسبق لمجمع سوناطراك، المُدان سابقاً بالجوسسة، عبد المؤمن ولد قدور، وصفقة "أكسون موبيل" الأمريكية التي لم يُكشف عن كافة حيثيات شراء الجزائر لمصفاة بترولية قديمة في ربيع 2018.

ويركّز بحري على أنّ الجزائر لا تزال تحرث في البحر بعد إهدار 9 سنوات من الحديث على الورق عن استكشاف النفط في السواحل والهضاب، دون أن يتحقق شيء.

ويلفت بحري إلى البرنامج الجزائري للطاقات المتجددة (2010 – 2030)، الذي استفاد من مخصصات خيالية زادت عن 120 مليار دولار، دون أن يتجسد شيء من وعود رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الموقوف، الذي ظلّ يتحدث عن "تقدّم" في إنتاج الطاقة الحيوية عن طريق الوقود والماء، قبل أن يتضح أنّ كل ذلك محض سراب.

فرصة الانبعاث .. وظلّ فرنسا 
يذهب رفيق بحري إلى أنّ الجزائر تستطيع الخروج من عنق الزجاجة، إذا ما نجحت الحكومة في مسعى استخراج كنوز نفطية واعدة من 14 ولاية في آفاق عام 2022، علماً بأنّ دراسات أجريت في ثلاث مناطق شمال الجزائر، وأظهرت وجود موارد مهمة للمحروقات بشمال الجزائر، لم يتم تحديد كميتها بعد.
وتداول خبراء قبل سنوات، معلومات بشأن وجود مخزونات بترولية مهمة في الشمال، على مستوى محافظات عنابة، شرشال، البيض والجلفة، إضافة إلى تلك الموجودة على مستوى سهل العبادلة بأدرار أقصى جنوب البلاد.
يُشار إلى أنّ الجزائر تحتل المرتبة الثامنة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي في العالم، وهي رابع مصدر للغاز عالمياً، وتحتل المركز الــ 14 من حيث احتياطي النفط.
بدوره، رافع توفيق حكار، رئيس لجنة الخبراء التي أشرفت على إعداد قانون المحروقات، بقوة لصالح المشروع، كاشفاً عن سرّ يفسّر كل الضجيج الذي أثير بشأن المسألة.

اقرأ أيضاً: صالح يوجه بمنع نقل المتظاهرين إلى العاصمة الجزائرية.. هذه مبرراته

وأفاد حكار: "قانون المحروقات كان يتيح لفرنسا استغلال 84 % وباقي الأجانب 16%، لكن الآن الأمور تغيّرت، وجرى إقرار تنظيم مغاير يستجيب لروح السوق المفتوحة"، ما يحيل على امتعاض دوائر فرنسية ومقرّبين منها، إزاء التشريع المستحدث.

وأتى كلام حكار ليعيد اتفاقيات إيفيان الشهيرة بين الجزائر والمحتل القديم فرنسا في 19 آذار (مارس) 1962، إلى الواجهة، على خلفية ما تضمنته تلك الاتفاقية من "بنود سرية".
على النقيض، يتصور الناشط السياسي، صلاح الدين سيدهم، أنّ ما يسميه "النظام السياسي غير الشرعي" اختار ما يصفها "سياسة الهروب الى الأمام" وسط استعار الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ بدء الحراك الشعبي في 22 شباط (فبراير) الماضي.

سيدهم: قانون المحروقات سيصبح "باطلاً" في ظل النظام القادم "الشرعي"

وفي تصريح لـ"حفريات"، شدّد سيدهم على أنّه "نتيجة عدم اكتسابه للشرعية من شعبه، يحاول النظام الحصول على هذه الشرعية من القوى الغربية عبر بيع الثروات الباطنية".

ويقدّر سيدهم أنّ "الطغمة المالية والعسكرية" على حد تعبيره، "تعيش ارتباكاً كبيراً نتيجة تصاعد الثورة الشعبية، وهذا ما يجعلها تندفع إلى الاستفزازات"، ويتساءل: "كيف لحكومة تصريف الأعمال أن تسمح لنفسها في ظل المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، بتقديم مشروع حسّاس مثل قانون المحروقات؟ هذا يدلّ أنّ النظام غايته الوحيدة هي إنقاذ امتيازاته"، مثلما يقول الناشط المعارض.

ويعرب سيدهم عن قناعته بأنّ قانون المحروقات سيصبح "باطلاً" في ظل النظام القادم "الشرعي"، موقناً أنّ المجموعات متعددة الجنسيات والحكومات الغربية التي تدرك خطورة الحالة السياسية الجزائرية، "لن تغامر بالاستثمار" في ظل ظروف غير مستقرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية