هل إيران هي الخاسر الأكبر من اتفاق أذربيجان وأرمينيا؟

هل إيران هي الخاسر الأكبر من اتفاق أذربيجان وأرمينيا؟


22/12/2020

تُرى هل كسبتْ، أم خسرتْ إيران من مخرجات المعارك التي دامت 6 أسابيع بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ؟ وهل نشأت ديناميكية أمنية جديدة إثر ذلك لا تلعب لصالح إيران على المستوى الإستراتيجي؟ وكيف يؤثر ذلك على مطالب الأقلية الأذرية في الداخل الإيراني؟ وما هي خيارات طهران لإفساد الاتفاق؟

في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وقَّعت أرمينيا وأذربيجان "اتفاق وقف شامل لإطلاق النار" برعاية روسية علنية ودعم تركي ضمني، وذلك بعد المعارك الدامية بين قوات البلدين في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بينهما منذ نحو ثلاثين عاماً، حيث تمكَّنت أذربيجان في غضون 6 أسابيع من السيطرة على نحو 30% من أراضي الإقليم.

إيران تتخوف من دعوات توحيد أذربيجان الكبرى، وخاصة مع تعاطف العديد من الأذريين الإيرانيين الواضح مع دولة أذربيجان في صراعها الأخير مع أرمينيا

وفي حين ركَّزت معظم التحليلات على ما تعنيه هزيمة أرمينيا وانتصار أذربيجان بالنسبة لكل من تركيا وروسيا، أظهرت الدلائل أن إيران هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع، إذ تُمثِّل شروط وقف إطلاق النار المتفق عليها بين باكو ويريفان تهديداً خطيراً لمصالح إيران الإستراتيجية على المدى الطويل.

جوانب الخسارة

ويشير تحليل نشره "مركز الإمارات للسياسات" على موقعه الإلكتروني إلى أنّ أهم هذه التداعيات الجيوسياسية على إيران تتمثل في الآتي:

1- تراجُع مكانة إيران الإقليمية التاريخية في القوقاز

لأسباب تاريخية، تَعتَبِر إيران نفسها مؤهلة للحصول على وضع خاص في جنوب القوقاز، إذ كانت كلٌّ من أرمينيا وأذربيجان جزءاً من الإمبراطورية الفارسية، لكن نتائج الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا تُضعِف دور إيران في القوقاز، وبالمقابل تدعم دور الخصمين التاريخيين: روسيا وتركيا، وأيضاً العدو الحديث إسرائيل.

أظهرت الدلائل أن إيران هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع

فمن ناحية أولى، وعلى الرغم من أنّ روسيا وإيران تتمتعان بعلاقات جيدة في الآونة الأخيرة، إلا أنهما كانتا قوتين متنافستين في المنطقة منذ قرون. ورغم أنّ تحرُّك موسكو تجاه الأزمة منذ البداية اتسم بتوفير الدعم الفاتر لأرمينيا ورئيس وزرائها "نيكول باشينيان"، بسبب سياساته الرامية للتقارُب مع الغرب، لكن موسكو حرصت على الاحتفاظ بنفوذها في المنطقة من خلال توفير قوات حفظ السلام في قره باغ، وعلى طول ممر ناختشيفان-أذربيجان المقترح، عبر إيلاء مهمة حماية الأمن والسلام إلى قوات روسية خاصة، تنتشر على كامل المعابر، والممرات الحيوية. وستكون موسكو سعيدة أيضاً بانتهاء دور رئيس الوزراء باشينيان، الذي يبدو أن مسيرته السياسية قد شارفت على النهاية الآن. كما يبدو أنها تسترشد بهدفها الأوسع المتمثل في ضمان بقاء تركيا خارج المدار الغربي.

إذا عزمت إسرائيل على شنّ غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن تلعب أذربيجان دوراً حيوياً في هذا الإطار

ومن ناحية ثانية، ستحتفظ تركيا بقوات في أذربيجان، وتتمتع الآن بوصول مباشر إلى بحر قزوين عبر ممر ناختشيفان-أذربيجان المقترح.

ومن ناحية ثالثة، ليس سراً أنّ إسرائيل وأذربيجان تتمتعان بتعاون جوهري في مجال الاستخبارات والطاقة والمسائل العسكرية، وأذربيجان هي واحدة من أكبر مُشتري الأسلحة الإسرائيلية. وفي الواقع، فإنّ انتصار أذربيجان في الحرب الأخيرة ضد أرمينيا سيؤدي إلى توسيع الحدود الإيرانية-الأذربيجانية بحوالي 130 كيلومتراً. وإذا عزمت إسرائيل على شنّ غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن تلعب أذربيجان دوراً حيوياً في هذا الإطار؛ إما كمحطة للتزوُّد بالوقود أو كنقطة انطلاق.

2- فَتْح جبهة جديدة في استراتيجية احتواء إيران بالأزمات

ظَلَّ جزء من حدود الدولتين الأذربيجانية-الإيرانية تحت الاحتلال الأرمني منذ عام 1994. والآن بعد أن عادت هذه الحدود إلى سيطرة باكو، نشأت ديناميكية أمنية جديدة بين البلدين. كما أن وجود 2000 جندي حفظ سلام روسي الآن، على بعد 100 كيلومتر فقط من الحدود الإيرانية، لا بد أن يجعل الكثيرين في طهران قلقين. وبدأت إيران بالفعل في نشر المزيد من الأصول العسكرية على طول حدودها الشمالية. 

 إسرائيل وأذربيجان تتمتعان بتعاون جوهري في مجال الاستخبارات والطاقة والمسائل العسكرية

وبصرف النظر عن الروابط التاريخية والدينية واللغوية القديمة والطويلة الأمد بين إيران والقوقاز، هناك 800 كيلومتر من الخطوط الحدودية التي تربط إيران بهذه المنطقة. ومقاطعات أردبيل الإيرانية وأذربيجان الشرقية لها 369 كم و200 كم من الحدود المشتركة مع جمهورية أذربيجان على التوالي. وسيتعين على إيران تكريس الوقت والموارد والقوات للتكيُّف مع الواقع الجيو-سياسي الناشئ على طول حدودها الشمالية مع أذربيجان، وقد يعني هذا تركيزاً أقل من إيران على أماكن أخرى مثل الخليج والعراق وسوريا.

3- تصاعُد مطالب الأقلية الأذرية في إيران

 تُشكِّل الأقلية الأذرية في إيران ثُلث سكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة، وانطلاقاً من آرائهم القومية المتمحورة حول الفارسية، فإنّ الإيرانيين يرون أن إيقاظ الأذربيجانيين وتمكينهم يمثلان تهديداً خطيراً للأمن القومي والوحدة الوطنية في إيران. ومع صعود الخطاب القومي في أذربيجان على وقع الانتصارات الأخيرة في قره باغ، فإن إيران تتخوف من أن يمتد المزاج القومي الأذري إلى دعوات توحيد أذربيجان الكبرى، وخاصة مع تعاطف العديد من الأذريين الإيرانيين الواضح مع دولة أذربيجان في صراعها الأخير مع أرمينيا.

اقرأ أيضاً: محمد الفتيح" لـ "حفريات": إسرائيل صنعت نصر أذربيجان وأردوغان سرقه

وفي حين أنّ المواقف الانفصالية قد تكون غير منطقية حالياً، لكن بالنظر إلى ذاكرة إيران التي لا تزال حديثة وإدراكها للضغط الوحدوي بقيادة أذربيجان في التسعينيات، فليس من مصلحة الأمن القومي الإيراني التعامل مع أذربيجان القوية والغنية والجذابة، التي يمكن أن تؤثر على الأقلية الأذرية وتُعزز رغبتها في الانفصال عن إيران مستقبلاً.

4- تراجُع شعبية النظام الإيراني داخلياً

خلال الصراع الأخير لعبت طهران دوراً ثانوياً في مجريات الحرب، ولم يكن بإمكان طهران أن يكون لها رأي في تشكيل النتيجة التي قد تسهم في إحياء ذكريات الحربين الروسية الفارسية في القرن التاسع عشر. وتَكشَّفَ للشعب الإيراني أنّ بلادهم لم تعد تمتلك القوة الاقتصادية أو التطور التكنولوجي أو النموذج السياسي المغري للتأثير على منطقة كانت تحت النفوذ الفارسي منذ زمن الإمبراطورية الأخمينية (550-330 قبل الميلاد). ومن المحتمل أن يؤثر ذلك نفسياً على نظرة الشعب الإيراني لنظامهم، وهذه ضربة أخرى لصورة إيران الذاتية كقوة مهيمنة إقليمية. وبشكل عام، يمثل هذا إهانة أخرى لشرعية النظام الذي يحكم إيران منذ عام 1979.

5- الخسائر الاقتصادية جرَّاء تراجُع تجارة الترانزيت مع أذربيجان

لعقود من الزمان، حافظت أذربيجان على علاقات ودية مع إيران لتزويد منطقة الحكم الذاتي في ناختشيفان، بل وزوَّدت إيران الإقليم بالغاز الطبيعي. لكن اتفاق قره باغ الجديد يُنهي دور إيران كجسر اتصال بين أذربيجان وناختشيفان، ويحدّ من اعتماد أذربيجان على إيران للوصول إلى أعالي البحار، ويخلق فرصة جديدة لأذربيجان للتواصل مع أعالي البحار عبر تركيا. وقد أثار هذا بالفعل مخاوف في طهران، لأنه قد يؤدي في الواقع إلى قطع وصول إيران إلى أرمينيا وما بعدها إلى أوروبا عبر جورجيا، ويُقلِّص في الوقت نفسه إمكانية نقل الغاز الإيراني إلى أوروبا.

مستقبل الدور الإيراني في القوقاز

بالنظر إلى المشاكل الكثيرة التي تعانيها إيران حالياً، لاسيما في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية، فضلاً عن تداعيات جائحة فيروس كورونا، وتدخُّلات طهران المكلفة التي لا تنتهي في أماكن مثل سوريا والعراق واليمن، فإن آخر شيء كانت تحتاجه طهران هو تغيير الوضع الإيجابي الذي تمتعت به في جنوب القوقاز على مدى العقود الثلاثة الماضية.

 تُشكِّل الأقلية الأذرية في إيران ثُلث سكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة

ولذلك، فإنّ خيارات إيران في مواجهة التطورات الجديدة في القوقاز، تبدو محدودة، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار ما يأتي: 

1.  أنّ إيران لا تملك إمكانية محاولة تخريب الاتفاق بزيادة التعاون مع أطراف ثالثة قد تكون متضررة من انتصار أذربيجان الأخير، لاسيما أرمينيا نفسها المُعرَّضة لهزَّات سياسية داخلية جراء الهزيمة التاريخية أمام أذربيجان.

اقرأ أيضاً: فضح مخططات تركيا من توطين "المرتزقة السوريين" في أذربيجان

2.  أنّ إيران لا تبدو في وارد الدخول في مغامرة أو مقامرة استِعداء تركيا وروسيا في ملفات إقليمية أخرى في الوقت الراهن، بالنظر إلى سياسة "الضغوط القصوى" التي لا تزال إدارة الرئيس دونالد ترامب تُمارسها ضد إيران حتى اللحظة الأخيرة، رغم خسارتها في الانتخابات الأمريكية.

اقرأ أيضاً: مذبحة سومغايت المنسيّة.. عندما تعمّد الأرمن بالدم في أذربيجان

 3.  أنّ محاولة إيران التكيُّف مع تداعيات الاتفاق وتقليل خسائره، ستكون الخيار الأكثر احتمالاً، على الأقل في المدى القريب المنظور، انتظاراً لاحتمالات تحسُّن الوضع الإقليمي لإيران، لاسيما في حال عودة الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن للاتفاق النووي، وربما انتظاراً لاحتمالات تعثُّر تطبيق الاتفاق الأخير بين باكو ويريفان، خصوصاً في ظل التعقيدات اللوجستية التي ستكتنف عملية تطبيقه على الأرض وظهور "شيطان التفاصيل" داخل الاتفاق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية