لماذا الإصرار على عرض مسلسل "معاوية"؟

لماذا الإصرار على عرض مسلسل "معاوية"

لماذا الإصرار على عرض مسلسل "معاوية"؟


19/02/2023

العنود المهيري

اكتشفت أن العالم ينقسم إلى قسمين: من يودون العيش في القرن الحادي والعشرين وقلب صفحة الماضي بكل ما خُط فيها، ومن يعبّئون صدورهم بالبغضاء ضد أشخاص ماتوا منذ 1400 عام و"شبعوا موتاً"، وعلى الأرجح تحوّلوا نفطاً. والقسم الثاني -صدق أو لا تصدّق- هم المعتدلون الوسطيون فينا. 

يطالب مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، قناة "أم بي سي" بالتراجع عن عرض "معاوية"، وهو مسلسل يسرد سيرة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- في رمضان المقبل.

وبعيداً من نبرة إملاء الأوامر في بيانه، حيث حدد الصدر للقناة "المُتعين" عليها فعله -على حد تعبيره-، فقد استوقفني شخصياً فهمه "للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية"، والتي يرى أن "معاوية" يخالفها، ويضرب بها عرض الحائط.

سأتفق تماماً على أن تعريف الاعتدال لا يليق بمن يبدون التأييد الأعمى لخلفاء بني أمية عموماً، ومن يتحزبون لهم بشكل يشارف على التقديس والتنزيه، وكأنما وُكّل المرء منهم محامياً عن أحد أطراف "موقعة صفين"

ولكن كيف أصبح الاعتدال -ذلك الذي يريد الصدر تفصيله لنا، وإلقاءه علينا لنرتديه جاهزاً- يتمثّل بالضرورة في التحيّز ضد بني أمية، وعلى رأسهم معاوية، مؤسس الدولة الأموية، ومناصبتهم العداء؟ كيف أصبح اتخاذ أي موقف يخلو من الضغينة والتشنج ضد بني أمية معارضة للاعتدال، وربما تطرفاً سنّياً صريحاً، والعياذ بالله؟ 

من قرر أن الاعتدال يتحقق بالنظر إلى الشخصيات التاريخية بعدسة الخلافات البائدة بينها، والتعصب لأحد أطرافها -والذي يفضّل ألا يكون أموياً بطبيعة الحال-، ومن ثم محاكمة بقية الأطراف بأثر رجعي على تصرفاتها وقراراتها وقناعاتها وتركتها؟ بل كيف أصبح الاعتدال -والذي هو أصلاً مرادف للوسطية- ينتفي بالتزام الحياد حيال تلك الانقسامات في التاريخ الإسلامي؟ 

وهل يعقل بأنه تحت ذريعة الاعتدال، نُجر إلى الغلو، والهوس بكراهية من تفصلنا عنهم 14 من القرون وشيطنتهم وتشويههم؟

فللمصادفة العجيبة، في اليوم ذاته الذي صدرت فيه تصريحات الصدر، كنت قد وجدت أثناء قراءتي للشعر الألباني القديم قصيدة تقول أبياتها "بدا معاوية في الساحة... والتف حوله الجواسيس". أثار استغرابي أن الشاعر اختار صحابياً ليجعله رمزاً لكل الاستعمار والظلم الذي عانته ألبانيا، حتى شرح محمد موفاكو في كتابه "الثقافة الألبانية في الأبجدية العربية" أن معاوية صار لمتبّعي الطريقة البكتاشية في البلاد "رمزاً للشر الذي نبعت منه كل الشرور"!

أعرف يقيناً -حتى بعد 14 قرناً- أن معاوية لم يكن شراً مطلقاً، لأنه لم يكن أيضاً ملاكاً من نور. كان إنساناً غير معصوم، أصاب وأخطأ، وأجاد في أمور، وقصّر في أخرى، وأفضى إلى ما قدّم. 

أما الاعتدال، ذلك الذي يحاول الصدر تلقيننا إياه، أو على الأرجح تهديدنا به، فسيكون في الواقع في عرض قصة معاوية بتجرد وإنصاف، بجميع إنجازاتها وإخفاقاتها، واستقامتها وجاهليتها، ونعيمها وشقائها. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية