كيف يمكن مساعدة أفغانستان من دون التواطؤ مع طالبان؟ (1-2)

كيف يمكن مساعدة أفغانستان من دون التواطؤ مع طالبان؟ (1-2)

كيف يمكن مساعدة أفغانستان من دون التواطؤ مع طالبان؟ (1-2)


20/08/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

مرّ عامان منذ أن استعادت طالبان السّيطرة على أفغانستان. لكن في وقت سابق من هذا الصّيف، في مكتب حكوميّ في كابول يُطلّ على حديقة معتنى بها جيّداً، أعرب مسؤول متوسط المستوى في طالبان عن أسفه أنّ البلاد لا تزال عالقة في أزمة سياسيّة. وشكا المسؤول من عدم قدرة الأطراف الإقليميّة والغربيّة على الاتّفاق حول كيفيّة التّعامل مع طالبان؛ فحتّى بعد انسحاب جميع القوّات الأجنبيّة من أفغانستان، لا يزال الغرب يخوض حرباً ثقافيّة. تريد الولايات المتّحدة وحلفاؤها أن ترفع طالبان القيود التي تفرضها على حقوق المرأة، لكن طالبان لن تقبل ما تعتبره أجندة نسويّة.

في غضون ذلك، طالبت الحكومات من بكين إلى واشنطن طالبان بتشكيل حكومة شاملة. وفي محادثات سلام في الدّوحة قبل آب (أغسطس) 2021، عرض ممثّلو طالبان تقاسم السّلطة مع الفصائل الأفغانيّة المعارضة من أجل إنهاء الصّراع. لكن منذ الانتصار في الحرب، احتفظوا بالحقّ في استبعاد السّياسيّين من غير أعضاء طالبان من الحكومة. يشتكي قادة طالبان من أن «سياسة الشّمول» ليست أكثر من مجرّد نقطة نقاش غامضة يمكن أن تعني أيّ شيء، من المشاركة الأوسع في الحكم (شيء هم على استعداد للنّظر فيه، على الأقلّ بالنّسبة إلى الرّجال) إلى إدراج شخصيّات سياسيّة من الحكومة المهزومة (شيء ليسوا على استعداد للنّظر فيه).

وهكذا تظلّ أفغانستان في مأزق، مع عدم وجود مسار واقعيّ للحكومة للتّخلّص من وضعها المنبوذ، والإفلات من العقوبات، وشغل مقعد في الأمم المتّحدة. ترفض طالبان التّسويات التي تقوّض مكانتهم بين مؤيّديهم الأساسيّين، والتي، في رأيهم، تُفسِد قِيَمهم الأخلاقيّة. من جانبهم، يحاجج المسؤولون الغربيّون بأنّ اعتماد دبلوماسيّين من نظام يميّز بشكل صارخ ضدّ النّساء سيكون شيئاً مخالفاً لقِيَمهم، ومُضرّاً سياسيّاً. حتّى إرسال مبعوث أمريكيّ إلى كابول لا يزال يمثّل فكرة مثيرة للجدل في واشنطن، وقد امتنعت إدارة بايدن عن القيام بذلك. قد يستغرق الاعتراف الدّبلوماسيّ الرّسميّ بطالبان سنوات، إذا كان له أن يحدث أصلاً.

 تظلّ أفغانستان في مأزق، مع عدم وجود مسار واقعيّ للحكومة للتّخلّص من وضعها المنبوذ

هذه السّنوات لا يمكن أن تضيع. أدّت العقوبات، وتجميد الأصول، والقيود الاقتصاديّة الأخرى التي تعزل أفغانستان إلى شلّ فرصها في التّعافي من أزمة اقتصاديّة وصفتها الأمم المتّحدة، على مدار العامين الماضيين، بأنّها أكبر كارثة إنسانيّة في العالم. تواجه البنوك وشركات الطّيران وغيرها من القطاعات الحيويّة صعوبات. وأكثر من نصف سكان البلاد لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم المنزليّة الأساسيّة. وقد انخفضت التّعهّدات بالمساعدات الإنسانيّة بسبب ابتعاد المانحين.

الدّول المحيطة بأفغانستان بحاجة إلى الجلوس مع طالبان والتّحدّث عن احتياجاتها الأمنيّة المشتركة. لدى كابول مخاوف مشروعة بشأن تسلّل المسلّحين المناهضين لطالبان عبر حدودها

من أجل ملايين الأفغان، يجب على الجهات الفاعلة الإقليميّة وكذلك الحكومات والمؤسّسات الغربيّة العمل على إقامة علاقات أكثر عمليّة مع طالبان. بعد قضاء عدّة أشهر في أفغانستان في التّحدّث إلى مسؤولي طالبان وكبار المسؤولين الأجانب الذين يتفاوضون معهم، خلصنا إلى أنّه على الرّغم من أنّ عودة أفغانستان إلى المجتمع الدّوليّ لا تزال بعيدة المنال، هناك خطوات عمليّة كبيرة يمكن أن يتّخذها العالم الخارجيّ لخدمة السّلام، والاستقرار، والأمن.

يجب على الدّبلوماسيّين التّحرّك بسرعة لكسر الشّلل الحاليّ. وقد ذكّر الموقف موظّفاً في وزارة خارجيّة طالبان بمثل محلّيّ عن بقرة وجزّاريها: «الجزّارون يختلفون حول كيفيّة تقطيع الحيوان. يتشاجرون لفترة طويلة لدرجة أنّ البقرة تموت بسبب الشّيخوخة ولا يأكل أحد».

الدّفاعات الجيّدة تصنع جيراناً جيّدين

قد يكون نظام طالبان منبوذاً، لكنّ أفغانستان لا توجد في عُزلة. إنّها تقع في منطقة بها جيران هم في أمسّ الحاجة إلى تعافيها؛ إذا استمرّ الأفغان في المعاناة، فسيظلّ هناك ملايين آخرون في الجوار يعانون. تحاول طالبان ترسيخ سلطتها من خلال عروض بناء للدّولة: فهي تعمل على تحسين السّدود في جميع أنحاء البلاد، وتُحلّق طائرات مُسيّرة فوق مشاريع المياه، وتملأ وسائل التّواصل الاجتماعيّ بصور مشاريعها الجارية. أيّاً كان رأي العالم، فإنّ طالبان تدير الآن دولة لها أهداف واحتياجات ملحّة.

لا يمكن للمنطقة التي تقع فيها أفغانستان الانتظار حتّى يبرم العالم صفقة كبيرة مع طالبان بشأن الاعتراف الدّبلوماسيّ. لقد أراد معظم جيران أفغانستان رحيل القوّات الأجنبيّة وكانوا سعداء عندما أنهى الانسحاب الأمريكيّ حرباً مُميتة بصورة استثنائيّة. لكن الآن بعد أن توقّفت القوّات الأمريكيّة عن محاربة المُسلّحين مُتعدّدي الجنسيّات في المنطقة، يشعر جيران أفغانستان بالقلق من أنّ طالبان لا تستطيع أن تملأ الفراغ  أو لن تملأه.

بعد أن توقّفت القوّات الأمريكيّة عن محاربة المُسلّحين مُتعدّدي الجنسيّات في المنطقة، يشعر جيران أفغانستان بالقلق من أنّ طالبان لا تستطيع أن تملأ الفراغ 

الصّين، من جانبها، تريد من طالبان تسليم مقاتلي الإيغور المتمركزين في أفغانستان، لكنّ طالبان تبنّت سياسة أكثر ليونة تمثّلت في إعادة توطينهم بعيداً عن الحدود الأفغانيّة الصّينيّة. دول آسيا الوسطى لديها مخاوف أمنيّة مماثلة وتحصل على ردود فعل متطابقة. باكستان، التي دعمت طالبان منذ تأسيس الجماعة في التّسعينيّات من القرن الماضي، تريد من كابول أن تشنّ حملة على حركة طالبان باكستان، وهي جماعة جهاديّة في حالة حرب متقطّعة مع إسلام آباد منذ عام 2007. ولحركة طالبان باكستان وجود في أفغانستان على الرغم من نفي طالبان، وقد ازدادت الحوادث المرتبطة بطالبان باكستان في باكستان منذ منتصف عام 2021، ممّا أدّى إلى سقوط ثلاثة أضعاف عدد القتلى مقارنة بما كان عليه الحال في العامين السّابقين لاستيلاء طالبان على كابول.

وممّا يُثير القلق الشّديد، أيضاً، بالنّسبة إلى معظم الجيران، والدّول الغربيّة، الوجود المستمرّ في أفغانستان لولاية خراسان الإسلاميّة، التّابعة لتنظيم داعش. أصبحت قوّات الأمن التّابعة لطالبان بارعة في قتل قادة جماعة ولاية خراسان الإسلاميّة، أحياناً بمساعدة وكالات استخبارات أجنبيّة على ما يبدو. لكن طالبان غير قادرة على إخضاع الجماعة بالكامل، ولا تزال الدّول المجاورة قَلِقة من أنّ داعش ما زال بإمكانه استخدام أفغانستان كقاعدة لتهديد الدّول الأخرى. ولا يزال تبادل المعلومات محدوداً لأنّ طالبان لم ترسّخ بعد قدراً كبيراً من الثّقة مع وكالات الأمن الإقليميّة والدّوليّة.

اللوثة الارتيابيّة لدى طالبان

يكمن جزء من المشكلة في طالبان: فهم ينكرون وجود بعض التّهديدات المسلّحة. وفي الوقت نفسه، هناك حكومات أخرى في المنطقة - روسيا، على وجه الخصوص - تُغذّي اللوثة الارتيابيّة لدى طالبان من خلال الادّعاء، على نحو سخيف، بأنّ داعش والجماعات المسلّحة الأخرى مدعومة من قِبل الولايات المتّحدة. ومن غير المفيد أنّ فِرَق المراقبة التّابعة للأمم المّتحدة، التي كانت تزور أفغانستان لبحث التّهديدات الإرهابيّة ونشر تحليلات عنها، لم تعد منذ استيلاء طالبان على السّلطة.

قد يكون نظام طالبان منبوذاً، لكنّ أفغانستان لا توجد في عُزلة

من غير المرجّح أن يعود هؤلاء المراقبون في أيّ وقت قريب، لأنّهم لا يقبلون سوى المعلومات القادمة من الدّول الأعضاء في الأمم المتّحدة - وطالبان لم تجلس في مقعد أفغانستان في الأمم المتّحدة. ولكن في غضون ذلك، يمكن أن تكون المنتديات الأخرى متعدّدة الأطراف بمثابة حلّ مؤقت. تتمتّع أفغانستان بوضع مراقب في منظّمة شنغهاي للتّعاون، التي أسّستها الصّين وروسيا في عام 2001 وتضمّ جميع جيران أفغانستان. وطالبان تريد الانضمام إلى مناقشاتها حول الأمن.

يبدو أنّ منظّمة شنغهاي للتّعاون متردّدة في التّرحيب بطالبان، وقد تضطّر السّلطات في كابول إلى القبول بنوع الاجتماعات الإقليميّة التي استضافتها أوزبكستان في الأعوام الأخيرة. لكن بغض النّظر عن طبيعة المنتدى، فإنّ الدّول المحيطة بأفغانستان بحاجة إلى الجلوس مع طالبان والتّحدّث عن احتياجاتها الأمنيّة المشتركة. لدى كابول مخاوف مشروعة بشأن تسلّل المسلّحين المناهضين لطالبان عبر حدودها، ويحتاج جيرانها إلى منع المهاجرين غير الشّرعيّين، والمخدّرات، والأسلحة، والجهاديّين من العبور إلى أراضيهم من أفغانستان.

يبدو من غير المرجّح أن تؤدّي هذه الأنواع من المحادثات العمليّة إلى تقوية مواقف طالبان بشأن القضايا الكبيرة التي تهتمّ بها الحكومات الأجنبيّة - والتي سيكون لها العديد من الفوائد المحتملة. قد تدفع منتديات الأمن الإقليميّ طالبان نحو تنظيم إدارة الحدود، أو على الأقلّ إبعاد مقاتليها عن أطراف الدول المجاورة ما لم يكونوا حراساً يرتدون الزّيّ الرّسميّ. قد تقبل طالبان المساعدة في إضفاء الطّابع الاحترافيّ على قوّاتها الحدوديّة من خلال تدريبهم بشكل أحسن وتزويدهم بمعدّات أفضل، ويمكنها هي وجيرانها تثبيت تقنيّات جديدة لفحص الحدود والتّكامل الجمركيّ. وقد توافق الدّول المجاورة، أيضاً، على إعادة الطّائرات الأفغانيّة التي تقطّعت بها السّبل في أراضيها منذ عام 2021.

يتبع جزء ثانٍ...

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

غرايم سميث وإبراهيم بحيس، فورين أفيرز، 11 آب (أغسطس) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية