مختارات حفريات
وصف أمير قطر "الشيخ تميم بن حمد آل ثاني"، في تصريحات نقلتها الوكالة القطرية الرسمية، جماعة "حزب الله" اللبنانية بأنها "حركة مقاومة"، وأكد أنه "ليس من الحكمة" العداء مع إيران، الراعي الأكبر لـ"حزب الله"؛ الجماعة التي اعتبرتها بعض دول الخليج لاسيما السعودية، "جماعة إرهابية".
رغم أن الدوحة اعتبرت التصريحات المنقولة عن أميرها بأنها "مفبركة"، وتأكيدها على وقوع موقع وكالتها الرسمي في فخ "القراصنة"، إلا أنّ التصريحات لم تخرج عن السياسة التي انتهجتها قطر في السنوات الماضية تجاه الجماعة اللبنانية، وإن كانت العلاقة بين الجانبين "تعكرت قليلاً" بسبب الأزمة السورية، إلا أن التصريحات والتقارير تؤكد عودة المياه إلى مجاريها، وإن كان القسم الأعظم من النهر، يجري وراء الستار. وفي هذا دلالة على استمرار "العشق الممنوع".
أول الغيث قطرة
لا يمكن نسيان كلمة رئيس البرلمان اللبناني الحليف الأبرز لجماعة "حزب الله" نبيه بري، في عام 2008، أي بعد اتفاق الدوحة الذي توصلت إليه الفصائل اللبنانية لإنهاء 18 شهراً من الأزمة السياسية في لبنان شهدت بعض الفترات منها أحداثاً دامية.
أبدتْ الدوحة استعدادها لتقوية نظام الأسد، مالياً، ومدّه بمعلومات مهمة عن المعارضة التي كانت تدعمها، سعياً إلى إفشال الثورة السورية
كان واضحاً خلال الدعم القطري لحزب الله وحلفائه "فريق الثامن من آذار" مقابل تيار المستقبل وحلفائه "فريق الرابع عشر من آذار". ولكن حينها لم يكن سبيلاً سوى الاتفاق، إذ إنّ الأزمة كانت قد أصابت حياة المواطن اللبناني بالشلل، حيث كانت ميليشيات حزب الله قد أغلقت أهم مراكز بيروت الاقتصادية والسياسية.
بعد الاتفاق، توجه نبيه بري لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قائلا: "أول الغيث قطرة.. فكيف إذا كان قطر".
حزب الله: شكراً قطر
لعل المحطة الأبرز التي جعلت حزب الله يستقوي على سائر الفرقاء اللبنانيين، كانت بعد الزيارة التي قام بها أمير قطر السابق للبنان. ففي عام 2010 حلّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ضيفاً على جنوب لبنان، معقل حزب الله الأبرز، حيث قام بجولة على القرى التي أسهمت قطر في إعمارها بعد الحرب مع إسرائيل في العام 2006.
وقد استُقبل أمير قطر بترحاب كبير في البلدات التي مر فيها، كما نظّم له "حزب الله" استقبالاً شعبياً مشهوداً في معقله؛ "بنت جبيل". وخلال الزيارة، التي صاحبه فيها أيضاً الرئيس السابق ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري، سجّل "حزب الله" حضوراً لافتاً، من خلال عدد من قياديّيه، بينهم مسؤول الحزب في الجنوب حينها، الشيخ نبيل قاووق، وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب اللبناني عن الحزب.
"حزب الله" اللبناني قد بذل جهوداً في إطلاق سراح الصيادين القطريين في العراق
أعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبناني، في ذلك الوقت، دفعاً كبيراً للدعاية الإعلامية التي يتبناها "حزب الله" وحلفاؤه، والقائمة على أساس أن سوريا وإيران، مضافاً إليهما قطر، باتت تشكل محوراً إقليمياً في مواجهة محور "الاعتدال" العربي، ما من شأنه تغيير وجه المنطقة، بما في ذلك لبنان!.
"شكراً قطر"، وهي عبارة صرح بها إعلام حزب الله على شكل إعلانات، كما امتلأت بها الشوارع اللبنانية المختلفة.
حزب الله: خط مع قطر رغم الخلافات
بعد اندلاع الثورة السورية ودعم قطر لجماعات معارضة للنظام السوري، شهدت علاقات قطر بحزب الله بروداً، وعندها هاجم أمين عام الجماعة اللبنانية حسن نصرالله، الدوحة عدة مرات في خطاباته. لكن هذا البرود لم يستمر طويلاً.
ففي ديسمبر عام 2013 اعترف نصر الله أنّ لدى حزبه خطاً مع دولة قطر، رغم الخلافات "السياسية".
وفي مقابلة مع تلفزيون "OTV" اللبناني، قال إنه: "استقبل في الفترة السابقة موفداً قطريا وأنّ قطر، في الآونة الأخيرة، ربما تعيد النظر بموقفها في المنطقة واستراتيجيتها".
وأضاف: "بحثنا مع قطر في العمل للحل السياسي في سوريا، ثم تكلمنا عن إبعاد لبنان عن المشاكل"، وتابع "بقي خط بيننا وبين قطر دائما، رغم أننا مختلفون في السياسة".
الدوحة ترغب بكسر الجليد مع الأسد عن طريق حزب الله
حديث نصرالله، جاء بعد تسريبات إعلامية كشفت عن لقائه بمبعوث قطري، حيث كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من "حزب الله" أن مسؤولًا قطرياً موفداً من أمير دولة قطر زار بيروت، في نوفمبر 2013، حاملاً رسالة من "الشيخ تميم بن حمد آل ثاني" إلى "حسن نصر الله".
وذكرت الصحيفة اللبنانية عن اللقاء أن "القطريين سمعوا كلاماً، واضحاً ومباشراً، عن ضرورة القيام بخطوات عملية من أجل إظهار التغيير في الموقف من المحور الذي يضم حزب الله وسوريا وإيران"، وكذلك سمعوا مَن يذكرهم بأن الحضور القوي لقطر في المحافل الدولية برز خلال فترة العلاقات الجيدة مع قوى ودول هذا المحور.
أعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبناني، في ذلك الوقت، دفعاً كبيراً للدعاية الإعلامية التي يتبناها "حزب الله" وحلفاؤه
وأوضحت "الأخبار" أنّ "قطر أصرتْ على إبلاغ حزب الله رغبتها في أن يلعب الحزب دوراً مباشراً في كسر الجليد مع دمشق، ومع الرئيس الأسد مباشرة".
وقالت إنّ القطريين سمعوا جواباً هادئاً: "أصلا، لديكم عناوين وهواتف المعنيين في سوريا، وإذا كنتم جادين في ما تقولون، أقدموا على خطوة أولى، واطرقوا الأبواب بأيديكم".
وكتبت صحيفة "العرب" الصادرة في لندن، نقلاً عن مراقبين، أنّ معلومات راجتْ بقوة، في الآونة الأخيرة، بشأن اتصالات حثيثة بين مسؤولين قطريين وسوريين، في مرّات حزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت.
وحسب الصحيفة "قالت مصادر مطّلعة على الملف إنّ الاتصالات جاءت بطلب من الجانب القطري، وتضمّنت عروضا مالية سخية على نظام الأسد، الذي يواجه صعوبات مالية كبيرة، لقاء تحقيق المصالحة معه، كرد فعل على انتزاع الملف السوري من يدها، وتراجع آمال الدوحة في سيطرة الإخوان المسلمين على الثورة السورية، بعد نقل قيادة الجناح الأهم في المعارضة السورية من حلفائها إلى أحمد الجربا حليف الرياض".
وأكدت الصحيفة، نقلا عن مصادرها، أنّ الدوحة أبدتْ استعدادها لتقوية نظام الأسد، مالياً، ومدّه بمعلومات مهمة عن المعارضة التي كانت تدعمها، وذلك سعياً إلى إفشال الثورة السورية، ردا على الدور السعودي في تحجيم جماعة "الإخوان المسلمين" المقربة من قطر.
صفقة الصيادين.. المليارات لحزب الله واتفاق كفريا والفوعة
في إبريل الماضي أبرمت قطر صفقة مع "حزب الله" اللبناني للإفراج عن26 صياداً، كانوا ينتمون للأسرة الحاكمة، تم اختطافهم أثناء رحلة صيد على الحدود السورية -العراقية في يناير 2016.
قالت صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر 22 إبريل: إنّ "حزب الله" اللبناني قد بذل جهوداً في إطلاق سراح الصيادين القطريين في العراق.
ونقلت الصحيفة عن مصادر عراقية وصفتها بـ"المطلعة"، قولها إن "حزب الله اللبناني بذل جهوداً كبيرة في سبيل إنضاج هذه الصفقة وإنجاحها أيضاً".
رواية المفاوضات، التي تولاّها مع الجانب القطري "كتائب حزب الله ــ العراق"، بدأت قبل أشهر، وقد شهدت عدداً من الجولات.
"شكراً قطر"، وهي عبارة صرح بها إعلام حزب الله على شكل إعلانات، كما امتلأت بها الشوارع اللبنانية المختلفة
في البداية، تروي المصادر العراقية أنّ مساعي شخصياتٍ عدة بالوصول إلى الجهة المُحتَجِزة "لم تفلح، قبل أن يُدرك القطريون أنّ الأمر باقٍ عند الكتائب، وقد جرى إطلاق سراح اثنين من القطريين قبل أشهر".
وتروي المصادر أنّ "عملية الاختطاف حظيت بسريّة تامة، تخطيطاً وتنفيذاً". كان "صيداً ثميناً"، وفق تعبير مصدر أكّد أن 11 محتجزاً من الـ 28 الآخرين هم من العائلة الحاكمة في قطر، آل ثاني.
"السريّة" لازمتْ، أيضاً، مسار التفاوض ومكان الاحتجاز، حيث نُقل القطريون مباشرة إلى مكانٍ سرّي، "وبقوا في العراق ولم يخرجوا منه، على عكس شائعات تشي بأنهم نقلوا إلى إيران ".
16 شهراً والقطريون في العراق، والمفاوضات بين مدٍّ وجزر. وبعدما أبصر اتفاق التهجير القسري لسكان "كفريا والفوعة ــ الزبداني ومضايا" النور، تسرّب خبر عودة القطريين إلى بلادهم، بعدما ضُمّ ملف القطريين إلى بنود الاتفاق بطلبٍ قطري.
هذا ونقلت عدة مصادر صحفية أن قطر دفعت 2.340 مليار دولار لـ"حزب الله" اللبناني لوساطته في ملف الصيادين، عنوانها "الفدية".
إيليا جزائري – عن موقع "العربية.نت"