غضب الطوائف من حزب الله: نذر تمزيق العقد اللبناني

غضب الطوائف من حزب الله: نذر تمزيق العقد اللبناني

غضب الطوائف من حزب الله: نذر تمزيق العقد اللبناني


27/08/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

وقعت حادثة خطيرة للغاية في الأيام الماضية: لقد انقلبت شاحنة تابعة لحزب الله كانت تنقل أسلحة إلى بيروت في قرية كحالة المسيحيّة. ما أظهره هذا الحدث، في المقام الأول، هو أنّه في حين يظلّ حزب الله قويّاً عسكريّاً، فإنّ دعمه العابر للطّوائف في المجتمع اللبنانيّ لم يعد موجوداً.

في حين أنّ تسلسل الأحداث ليس واضحاً تماماً، فإنّ أعضاء حزب الله المسلّحين الذين كانوا يرافقون الشّاحنة حاولوا إجبار القرويّين على الابتعاد بمجرّد انقلاب الشّاحنة. وعندما أدرك القرويّون أنّ الشّاحنة تحمل أسلحة، بدأوا في رشق مسلحي الحزب بالحجارة. بدأ أحد القرويّين، فادي بجاني، بإطلاق النّار عليهم، مما أسفر عن مقتل أحد أعضاء الحزب، قبل أن يطلق رفاقه النّار على بجاني ويقتلوه.

بالنّسبة إلى كثير من النّاس في المجتمع المسيحيّ، هذه هي المرّة الثّالثة التي يُلحق فيها حزب الله الأذى بهم خلال الأعوام الثّلاثة الماضية. ويُحمّل المسيحيّون الحزب مسؤوليّة انفجار نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في آب (أغسطس) 2020، والذي أدّى إلى تدمير مساحات واسعة من بيروت، معظمها أحياء ذات أغلبيّة مسيحيّة. ويشتبه في أنّ الحزب كان يُخزّن هذه المواد.

وبعد مرور ما يزيد قليلاً عن عام، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021، دخل متظاهرون مسلحون من حزب الله وحركة أمل المتحالفة معه إلى حي الطّيونة المسيحيّ كجزء من احتجاجهم على التّحقيق في انفجار المرفأ. وكان المحقّق، طارق بيطار، قد أبدى شجاعة في متابعة تحقيقه، وسعى الحزب وحركة أمل إلى إظهار أنّه إذا سُمح له بالاستمرار فإنّ ذلك قد يثير صراعاً مع المسيحيّين.

المشكلة أنّ شبّان الطّيونة شرعوا في إطلاق النّار على المتظاهرين وقتلوا واحداً منهم على الأقلّ. وفي وقت لاحق، قُتل عدد آخر على يد قناصة يُعتقد على نطاق واسع أنهم ينتمون إلى الجيش اللبنانيّ. لم يعترف الجيش بذلك قطّ، لكنّ أفرادًا عسكريّين صرّحوا بشكل غير رسميّ أنّهم تجنّبوا حدوث صراع طائفيّ خطير.

تأمين الدعم المسيحي

أكمل حادث كحالة هذه الثّلاثيّة. حزب الله، الذي حاول جاهداً تأمين الدّعم المسيحيّ في عام 2005 وتقسيم أعدائه بعد رحيل الجيش السّوريّ من لبنان، من خلال التّحالف مع التّيار الوطنيّ الحرّ بقيادة ميشال عون، يتعيّن عليه أن يدرك أنّ استراتيجيّته قد فشلت. يبدو أنّ بجاني، المسيحيّ القرويّ، كان عونيّاً، وأعضاء التّيار الوطنيّ الحرّ غاضبون ممّا حدث في كحالة مثلهم مثل غيرهم من المسيحيّين.

عناصر من الجيش اللبناني بالقرب من ملصق لفادي بجاني

من غير المرجّح أن يغيّر سلوك حزب الله إلّا القليل. وسيستمرّ الحزب في العمل كدولة داخل الدّولة واختطاف عمليّة صنع القرار الوطنيّ نيابةً عن راعيته إيران. ومع ذلك، ينبغي أن يكون حَذِراً. فبعض التّوجّهات التي يتّخذها اليوم لا يمكن أن تنجح من دون دعم واسع وقويّ داخل المجتمع اللبنانيّ.

في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، دعم الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ما أسماه «وحدة الجبهات» ضدّ إسرائيل. ما يعنيه هذا هو أنّ الحزب سيعمل مع منظّمات فلسطينيّة مثل حماس والجهاد الإسلاميّ لخلق وضع يمكن أن تواجه فيه إسرائيل هجمات منسّقة من غزّة، والضّفة الغربيّة، ولبنان، وسوريا ردّاً على العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة.

سيستمر حزب الله في العمل كدولة داخل الدولة واختطاف عملية صنع القرار الوطني نيابة عن راعيته إيران. ومع ذلك، ينبغي أن يكون حَذِراً

تكمن العقبة في أنّ هذا أمر مثير للجدل إلى حدّ كبير، حتّى داخل المجتمع الشّيعيّ في لبنان. ويتذكّر العديد من الشّيعة الثّمن الباهظ الذي دفعوه في أواخر السّتينيّات والسّبعينيّات من القرن الماضي عندما هاجم مقاتلون فلسطينيّون إسرائيل من جنوب لبنان. إنّ قيام حزب الله بربط أمن الجنوب مرّة أخرى بالصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ أمر محفوف بالمخاطر، بل وأكثر خطراً إذا رفضته الطّوائف اللبنانيّة الأخرى بشدّة.

ماذا لو نشبت الحرب مع إسرائيل؟

السّبب بسيط. في حال نشوب حرب جديدة فإنّ إسرائيل ستُحدث دماراً كبيراً في لبنان، وفي المناطق الشّيعيّة على وجه الخصوص. سيؤدّي هذا إلى نزوح مئات الآلاف من المجتمع. وبينما تمّت استضافة النّازحين الشّيعة خلال حرب عام 2006 في مناطق غير شيعيّة، فإنّه بالنّظر إلى الاستقطاب الطّائفيّ اليوم، فإنّ ردّ فعل الطّوائف الأخرى قد يكون أقلّ تسامحاً بكثير.

هناك شيئان قد يحدثان نتيجة حربٍ مع إسرائيل. الدّمار الذي من شأنه أن يطال المناطق الشّيعيّة يمكن أن يقلب الكثير من أبناء في الطّائفة ضدّ الحزب، في حين أنّ غضب الطّوائف الأخرى من الحزب يمكن أن يُلقي بظلال من الشّكّ على متانة العقد الطّائفيّ اللبنانيّ. وبالفعل، هناك مزاج انفصاليّ قويّ بين المسيحيّين بسبب هيمنة حزب الله. والحرب يمكن أن تدفع هذا الأمر إلى نقطة اللاعودة.

أنصار الحزب الإسلامي الشيعي اللبناني وجماعة حزب الله المسلحة يرددون شعارات دينية خلال جنازة أحمد قصاص

وأيّ من هاتين النّتيجتين ـ استياء الشّيعة من الحزب أو تفكّك لبنان ـ من شأنه أن يشكّل تحدّيّاً كبيراً لحزب الله. واليوم بالفعل، وفي غياب الإجماع الوطنيّ وراء ما يسمّيه الحزب «المقاومة»، يعمل الحزب فوق رمال متحرّكة، ممّا يحدّ من خياراته عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل.

ومع ذلك، فإنّ إيران منزعجة من التّطبيع العربيّ مع الإسرائيليّين. فهذا يمثّل تهديداً استراتيجيّاً لطهران على المستوى الإقليميّ، كما أنّ حشدها لحزب الله والمنظّمات الفلسطينيّة ضدّ هذا الاتّجاه هو محاولة للاحتفاظ بالنّفوذ على العمليّة.

إعادة تشكيل النّظام اللبناني المتفكك

والأهم من ذلك أنّ حزب الله يفكّر بطموح. يبدو أنّ تراجع الدّعم الطّائفيّ في الدّاخل قد دفع الحزب إلى محاولة إعادة تشكيل النّظام اللبنانيّ المتفكّك – نتيجة الانهيار الماليّ لعام 2019 – حول مصالحه. وهذا يعكس غطرسة. وبينما يفرض الحزب طريقه، فإنّ الطّوائف الأخرى في لبنان سوف تقاوم على نحو متزايد أيّ شيء يبدأه الحزب.

غضب الطّوائف من حزب الله سيُلقي بظلال من الشّكّ على متانة العقد الطّائفيّ اللبنانيّ. فهناك مزاج انفصاليّ قويّ بين المسيحيّين بسبب هيمنة الحزب

لم يحترم حزب الله قطّ النّظام الطّائفيّ الغادر في لبنان، حتّى ولو كان تجاهل هذا النّظام قد كلّف طوائف أخرى في الماضي ــ وأبرزها المسيحيّين المارونيّين والسُّنّة. إنّ محاولة دفع البلاد في اتّجاهات لا تريد أن تسلكها لن تؤدّي إلّا إلى تفاقم المخاوف الوجوديّة بين الأقليات – وكلّ طائفة في لبنان عبارة عن أقلّيّة – ممّا سوف يدفعها إلى الدّفاع عن نفسها.

بالنّسبة إلى حزب الله، فإنّ حرباً أهليّة أخرى ستكون شيئاً قاتلاً، حيث ستدفنه في صراع مدمّر من شأنه أن يجذب فوراً جهات فاعلة إقليميّة. لقد كسر حزب الله جدار الإجماع الذي كان يحميه يوماً، ويعمل من دون شبكة تأييد. وهذا يمكن أن يؤدّي إلى اتّجاهات غير متوقّعة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال نيوز، 17 آب (أغسطس) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية