عراقيون ناقمون بعد عفو "غامض" عن تاجر مخدرات

عراقيون ناقمون بعد عفو "غامض" عن تاجر مخدرات


01/03/2022

بدأت القضايا الأمنية تدخل في بورصة المزيدات السياسية في العراق، بغية كسبِ طرفٍ وارضاءِ آخر، في مشهدٍ سياسيٍّ معقد أفرزتهُ انتخابات تشرين (أكتوبر) الماضية، حيث تكافؤ القوى المتصارعة يدفعُ الطامحينَ بالتجديد الرئاسي إلى تقديم عدةِ تنازلاتٍ ولو تعلق الأمر بـ "العفو" عن شخصياتٍ مدانة قضائياً لـ "كسبِ زعاماتٍ ما".

وضجَّ الرأي العام المحلي، أول من أمس الأحد،  بُعَيد تسرّب وثيقة ممهورة بتوقيع رئاسة الوزراء، تطالب فيها رئاسة الجمهورية بـ "العفو الخاص" عن نجل محافظ النجف السابق، عضو ائتلاف دولة القانون لؤي الياسري.

اقرأ أيضاً: في إطار استراتيجية موسعة.. العراق يعمل على تطوير بوابته البحرية

 تلك المطالبة أشعلتْ مواقع التواصل الاجتماعي، تنديداً واستنكاراً، لإطلاقِ سراحِ تاجر مخدرات أدينَ من قبلِ القضاء، العام الماضي.
ويرى مراقبون أنّ ثمة طبقية في تطبيق القانون داخل المجتمع العراقي، إذ دائماً ما يكون أبناء المسؤولين المتهمون أو المدانون بالفساد، في مأمنٍ من المسألة، فيما يرى آخرون أنّ طموح رئيسَي الجمهورية والحكومة بالولاية الثانية، دفعهما إلى استخدامِ صلاحياتهما لغايةٍ شخصية وسياسية.
وأصدرَ القضاء العراقي، عام 2018، حكماً بالسجن المؤبد على أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات في العاصمة بغداد، بينهم نجل محافظ النجف المستقيل لؤي الياسري.

الرئيس يزيد الطين بلة

ويبدو أنّ صمتَ رئيس الجمهورية، برهم صالح، عن إجرائهِ الأخير بالعفوِ عن المدان بتجارة المخدرات، جواد، نجل لؤي الياسري، القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، كان أفضلَ من تبرير فعلهِ الذي أثارَ موجةً من السخرية والاستنكار، لا سيما أنّ الرئيس صالح معروفٌ باتزانهِ السياسي وخطابهِ الإعلامي.


ويرى الكاتب والمراقب السياسي كامل عبد الرحيم؛ أنّ "السؤال، ليس في كيفية قيام رئيس الجمهورية، حامي الدستور، بإطلاق سراح متهم بتجارة المخدرات، ابن أحد أفراد الطبقة الحاكمة دونَ غيره،  ومن غيرِ عفوٍ عام، ولا حتى ضمن تصفية ملفات السجناء المعلقة"، مضيفاً أنّ "السؤال هو التوقيت، لماذا يقوم مرشحٌ لرئاسة الجمهورية (برهم صالح) وفي وقت حرج، وقبيل جلسةِ انتخابهِ بهذا العفو؟". 

تصاعدت موجة الاستنكار العام، بعد ورود توضيح من رئاسة الجمهورية حيال العفو الخاص عن المدان بتجارة المخدرات، جواد الياسري، لكنّ الرئيس صالح رمى الكرة في ملعب رئاسة الوزراء 


وأكّد أنّهُ "ببساطة، هو شرط للكتلة التي تريد أن تنتخبهُ لا حباً به؛ بل كرهاً  للجهة الأخرى التي لديها مرشح آخر"، في إشارة إلى المرشح المنافس ريبير بارزاني، مرشح التحالف الثلاثي؛ المكوّن من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السُنّي.  

وتابع قوله: "هكذا تدار الصفقات وتباع المناصب الرفيعة التي تتلاعب برقاب الشعب، والشعب لاهٍ عن كلّ ذلك". 
رميّ الكرة بملعب الكاظمي
وكانت موجة الاستنكار العام، قد تصاعدت أكثر بعد ورود توضيح من رئاسة الجمهورية حيال العفو الخاص عن المدان بتجارة المخدرات، جواد الياسري، والذي حاولَ الرئيس صالح أن يرمي الكرة في ملعب رئاسة الوزراء التي أوصتْ بإصدار العفو الخاص.

اقرأ أيضاً: العراق.. وشد الأطراف
وقالَ بيانٌ للرئاسة؛ إنّ "مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت المرسوم الجمهوري المرقم 2، الصادر في 10/ 1 /2022، والقاضي بالعفو عن المحكوم عليه المدان (جواد لؤي جواد)"، مبيناً أنّ "المرسوم الجمهوري صدرَ بناءً على التوصية الواردة إلى رئاسة الجمهورية بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث تُصدر رئاسة الجمهورية مراسيم العفو وفق سياقات دستورية وقانونية محددة استناداً لأحكام المادة (73/ أولاً) من الدستور".

وأفاد البيان الرئاسي بأنّ "رئيس الجمهورية وجّه بإجراء تدقيق وتحقيق عاجل للوقوف على أوليات إصدار المرسوم، وستتم معالجة أيّ خلل قانوني مترتب عليه، وإعلان نتيجة التحقيق إلى الرأي العام في أسرع وقت".

ولفت إلى أنّ "رئيس الجمهورية لم ولن يتهاون في مجابهة التحدي الخطير، المتمثل بالترويج للمخدرات وتجارتها والمحكومين فيها، فهي جريمة تمسّ أمن المجتمع واستقراره وسلامته".
خبراء يفندون قانونية القرار
أكثر ما أثارَ حفيظة الرأي المحلي هي جملة "رئيس الجمهورية وجّه بإجراء تدقيق وتحقيق عاجل للوقوف على أوليات إصدار المرسوم"، جملةٌ قادتْ إلى تساؤلاتٍ أقرب إلى التهكمِ على حامي الدستور؛ إذ قالَ أحدهم "كيف يوقع على قرار رئاسي وهو يجهل تبعاتهُ القانونية؟"، لكنّ خبراء قانونيين فنّدوا قانونية العفو الرئاسي الخاص.

اقرأ أيضاً: العراق يكمل دفع التعويضات للكويت.. تفاصيل
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، لـ "حفريات"؛ إنّ " الدستور العراقي كان صريحاً في المادة 73، التي تشير إلى أنّ العفو الخاص الذي يصدر بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، ومن ثم يصدر بمرسوم جمهوري"، لافتاً إلى أنّ "المادة استثنت الجرائم الدولية، وجرائم الإرهاب، وجرائم الفساد المالي والإداري، كما أنّ العفو مقترن بالتنازل عن الحقّ الخاص".
وأكّد أنّ "جريمة الاتجار بالمخدرات تعدّ من الجرائم الدولية وغير مشمولة بالعفو الخاص، والعراق وقّع اتفاقيات دولية بشأن ذلك"، مشيراً إلى أنّ "هذا المرسوم الجمهوري يصطدم بالنصّ الدستوريّ الخاص بجريمة الاتجار بالمخدرات وما على شاكلتها".

وبشأنِ إمكانية الطعن بالمرسوم الجمهوري، قالَ إنَ "المرسوم يعدّ أمراً إدارياً، قابلاً للطعن أمام محكمة القضاء الإداري، ويحقّ لكلِّ ذي مصلحة أن يطعن به"، وتساءل مستغرباً: "كيف مرّت هذه القضية على الرغم من وجود كمّ هائل من المستشارين في الرئاسة؟".
الكاظمي وطلب "العفو الخاص"
ما بين استقالة محافظ النجف لؤي الياسري، وتوصية رئاسة الوزراء بإصدار العفو الخاص عن نجلهِ من قبل رئاسة الجمهورية، فترة مقدارها 16 يوماً؛ إذ استقال المحافظ، في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فيما أبرق المكتب الحكومي توصيتهُ بتاريخ 10 كانون الثاني (يناير) الماضي.

الخبير القانوني علي التميمي لـ "حفريات": المادة الدستورية الخاصة بالعفو الرئاسي استثنت الجرائم الدولية وجرائم الإرهاب وجرائم الفساد المالي والإداري والاتجار بالمخدرات، والعفو مقترن بالتنازل عن الحق الخاص


وقبيل ذلك، شهدت مدينة النجف الشيعية، صِداماً إعلامياً بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والمحافظ ذاته، وهو ما دفعَ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى التدخل مباشرةً، وإعلان الياسري لاحقاً استقالتهُ من منصبهِ بشكلٍ مفاجئ.
ونَصّبَ الكاظمي، بعد 6 أيام، ماجد الوائلي محافظاً للمدينة، في مسعىً منهُ لترضيةِ الزعيم الصدري، الذي ينتمي المحافظ الجديد لتياره.

اقرأ أيضاً: أنبوب النفط "العراقي الأردني"... لماذا يُعتبر مشروعاً استراتيجياً على مستوى المنطقة؟

وتذهب القراءة السياسية إلى أنّ ثمة اتفاقاً بين الكاظمي والياسري، والذي يبدو أنّ مخرجاتهُ قد بانت في توصية رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، بإصدارِ عفوٍ خاصٍ عن نجل المحافظ المستقيل، والمدان بتجارة المخدرات، في حين يُرجّح قبول الرئيس، برهم صالح، بالتوصيةِ الحكومية إلى كسبهِ لقوى الإطار التنسيقي، الذي يعدّ ائتلاف دولة القانون (ائتلاف الياسري)، أبرز قواه الرئيسة، وتكمنُ مكاسب صالح من "الإطار التنسيقي" في استمالتهِ نحو حلّ معضلة التجديد لولايةٍ رئاسيةٍ له، ومنع وصول مرشح التحالف الثلاثي (الصدر – بارزاني – السيادة) من منافستهِ على منصب رئاسة الجمهورية.
حراك "مليشاوي" بدوائر القضاء
وعلى صعيدٍ منفصل، أحبط جهاز مكافحة الإرهاب عملية تهريب المتهم باستهداف منزل رئيس الوزراء بطائرتين مسيّرتين، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، من دائرة محكمة الكرخ في العاصمة بغداد.


وحاولت قوة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع، تهريب المتهم من المحكمة، إلا أنّ قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، حاصرت الدائرة القضائية، وأبطلت العملية.
وحاولت "حفريات" الاستفسار من عدةِ جهاتٍ أمنية حول الموضوع، لكنّ الجميع رفضوا الحديث عنه. وعلى غرار ذلك، أصدر القائد للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، أمراً بإعادة هيكلة إدارة جهاز الاستخبارات العسكرية من جديد.

اقرأ أيضاً: تركيا تواصل انتهاك سيادة العراق.. هذا ما فعلته

بيد أنّ الدكتور عقيل عباس، باحث في الأمن والسياسة، يروي بعضاً من تفاصيل الحادثة، قائلاً إنّ "جهةً مخترقةً من قبل الجماعات المسلحة، حاولت تهريب المتهم من المحكمة، وإنّ المعلومات المرشحة تشير إلى أنّ المتهم ينتمي لإحدى الفصائل المسلحة، ومرتبط بمهمة إرسال طائرات مسيّرة".
ويضيف لـ "حفريات": "هذه القوة قيل إنّها تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية، وجاءت لتخليص عضو بفصيل مسلح، كان مؤتمناً على تنفيذ إطلاق الطائرات المسيّرة"، موضحاً أنّ "المعلومات تؤكّد أنّ الطائرتين اللتين وُجدتا لدى اعتقال المتهم، كانتا تشبهان نوع الطائرتين اللتين استهدفتا منزل رئيس الوزراء".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية