عبدالله بن بجاد العتيبي
اجتمع مجلس الأمن الدولي مساء السبت الماضي وأصدر قراراً بالإجماع لهدنةٍ في سوريا، ولم يجف حبر القرار الدولي إلا ونظام الأسد يواصل قصفه الوحشي للغوطة الشرقية، ليثبت لمعارضيه بأن لا أمن في مجلس الأمن، لتصل حصيلة هجومه المستمر عليها إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى، كثيرٌ منهم من كبار السن والأطفال، وهو مصير العديد من القرارات الدولية تجاه الأزمة السورية منذ اندلاعها عام 2011.
سوريا تعيش أزمة أكبر بكثير من جغرافيتها وإن لم تكن أكبر من تاريخها الممتد آلاف القرون في ماضيها العريق وحضارتها المبكرة، فهي اليوم فريسة توحش الصراعات الدولية الكبرى وصريعة التوازنات الإقليمية، ونهبٌ تنهش فيه الحرب الأهلية بكل أبعادها العرقية والطائفية والمذهبية والسياسية.
«حارة كل من يده له» مثلٌ سوريٌ شهيرٌ، وقد أصبحت سوريا الدولة والشعب كذلك، وكان التماسّ المباشر قبل أسبوعين تقريباً بين إيران وإسرائيل هو الأول والأخطر إقليمياً منذ عقودٍ، وهو تماس حرصت دول كبرى حول العالم على ألا يتم تصعيده، وهو ما جرى بالفعل، وتحدثت الدعاية الإيرانية عن تحقيق وتسويق شعارها «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» ثم صمتت، وتحدثت إسرائيل عن استهداف النظام الإيراني نفسه وليس ميليشياته الفرعية، ثم لم يحدث شيء، والمستقبل مفتوح دائماً على الكثير من الخيارات.
سوريا نموذج للحرب الأهلية والصراعات الدولية الشرسة وتدخل الجميع في تقرير مصير الشعب السوري، وزيادة التعقيد وسعة التشابك لا توحي بأي حلٍ قريبٍ للأزمة هناك، ويتذكر الجميع أنه بعد أشهرٍ من سلمية الاحتجاجات في سوريا دفع النظام السوري وشجع وجود جماعاتٍ إرهابية، وكانت دعايته قائمةً على أنه لا يحارب الشعب السوري بل هذه الجماعات فحسب، وانفتح باب من جهنم على سوريا عبر النهش الميليشياوي الشيعي والنهش الإرهابي السُني، دعمت النهش الميليشياوي إيران بتنظيمات وأفراد من إيران والعراق وأفغانستان و«حزب الله» اللبناني، ودعمت قطر النهش الإرهابي بدعم تنظيم «القاعدة» الذي سمي لاحقاً «جبهة النصرة» ودعم تنظيم «داعش»، فتم إفراغ القضية السورية من وطنيتها وقوتها وعدالتها وتم إحداث شرخ عميق في تماسك ووحدة التمثيل العسكري والسياسي للشعب السوري.
كان أكبر الأحداث في الأزمة السورية هو قرار الرئيس الروسي بوتين التدخل العسكري المباشر في وقت انسحابية وانعزالية وانكفاء الرئيس الأميركي أوباما، وأراد بوتين فرض حلول سياسية بعد فرضه حلول عسكرية على الأرض، ودخلت كل ميليشيات الإرهاب الشيعية الداعمة لنظام الأسد تحت سمع ومباركة روسيا، ولكن بوتين عجز عن تحقيق أي حلول سياسية قابلة للحصول على إجماع دولي، وبالتالي ذهبت اجتماعات أستانة وسوتشي وكأنها لم تكن.
أعاقت روسيا كل الحلول المطروحة في جنيف، وأعاقت أميركا العائدة لنفسها ولمصالحها مع ترامب كل الحلول التي طرحت من طرف روسيا، وبالإضافة لذلك دخلت أميركا في سوريا على الأرض في مناطق شرق سوريا، وقطعت حلم النفوذ الفارسي من طهران إلى بيروت من المنتصف، كما أوقفت روسيا عن التفرد بتقرير مصير الشعب السوري، ومنعت النظام من السيطرة الكاملة على المناطق النفطية هناك.
التدخل التركي في عفرين يزيد من تعقيد وتشابك المشهد المعقد أصلاً، ويضيف دولةً جديدةً ذات مشروعٍ إقليميٍ كبيرٍ، تتدخل مباشرةً في النزاع الدائر منذ سنواتٍ، تحت مبرر رفض إنشاء أي شكلٍ من الكيانات السياسية الكردية على حدودها الجنوبية، وتحت شعار أنه ستكون عمليةً سريعةً، وفي مثل هذه الأزمات الكبرى لا يمكن لأي دولةٍ أن تتدخل دخولاً سريعاً، وهكذا جاءت التصريحات، وهكذا يحكي الواقع على الأرض. أخيراً، كل الحلول في سوريا تفشل بسبب التغييب الكامل لدور الشعب السوري، وبسبب التجاهل الدولي المستمر لكل الجرائم ضد الإنسانية هناك.
عن "الاتحاد"