دراسة إخوان الخارج للعلوم الإنسانية... هل ينتصر العلم على الإيديولوجيا؟

دراسة إخوان الخارج للعلوم الإنسانية... هل ينتصر العلم على الإيديولوجيا؟

دراسة إخوان الخارج للعلوم الإنسانية... هل ينتصر العلم على الإيديولوجيا؟


05/02/2024

وفق آخر تمثيل لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة في 2013 كانت تقريباً نسبة 90% من أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات الحزب من الأطباء والمهندسين، فهل ثمة مصادفة في الأمر، أم أنّها سياسة مقصودة؟ وعلى جانب آخر هناك توجه ملحوظ في الأعوام الأخيرة منذ 2013 للعديد من أفراد الجماعة الهاربين في الخارج لدراسة العلوم الإنسانية على غير المعتاد، فما الدافع وراء ذلك؟ وهل يعطي ذلك مؤشراً على إمكانية حدوث تطور في عقل الجماعة في المستقبل؟

الإخوان والأفكار... تاريخ من الخصومة

حرص مؤسس الجماعة حسن البنا على تكوين جماعة من المنفذين، وليس من المفكرين أو ذوي الرأي والرؤية، فطبيعة الجماعة التي تقوم على السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة لا تحتاج إلى عقول تفكر ولا إلى أفراد لديهم أفكار ورؤى مختلفة، ولكنّها تحتاج إلى جنود مطيعين، ويصف البنا ذلك فيقول: "وأريد بالطاعة امتثال الأمر وإنفاذه توّاً في العسر واليسر والمنشط والمكره"، وعندما سأله الشيخ محمد الغزالي قائلاً له: لماذا لا تؤلف كتباً؟ قال له: أنا لا أؤلف كتباً، ولكن أؤلف رجالاً! ممّا يدل على وجهة نظره في أنّه بحاجة إلى منفذين فقط، يسمعون ويطيعون وينفذون ما برأسه من أفكار وخطط، كما أنّ البنا عندما أنشأ جماعته لم يكن معه سوى (6) أفراد من العمال والحرفيين الذين لا يمتلكون الثقافة والمعرفة التي تؤهلهم لأن يكونوا مؤسسي جماعة تسعى لتغيير العالم وفق تصوره.

حرص مؤسس الجماعة حسن البنا على تكوين جماعة من المنفذين، وليس من المفكرين أو ذوي الرأي والرؤية

وظلت الجماعة على تلك الحالة طوال تاريخها من بعد البنا، جماعة من المنفذين الذين يتخذون ما وضعه البنا من أهداف وما صاغه من أفكار دستوراً لهم، دون التفات إلى تلك الأهداف والأفكار بالمراجعة وإعادة النظر، وكانت تحرص على عدم إطلاع أفرادها على أيّ فكر خارج إطار الجماعة، والمناهج التربوية التي تقوم بتدريسها لهم من مؤلفاتها الخاصة، ولذلك لم يخرج من الجماعة مفكرون ولا منظّرون، ثم كانت تجربة الحكم بمثابة حصاد لسياسة تجريف العقل، وفي هذا السياق يصرح الدكتور عمار علي حسن أستاذ علم الاجتماع السياسي لـ "حفريات" أنّه "أثناء حكم الإخوان بدا أنّ الأمور سوف تنفلت من أيديهم، وستتم الإطاحة بهم لافتقادهم للخيال الذي ينتج من المعرفة بالعلوم الإنسانية ومن الخبرة والممارسة العملية".

الجماعة تبحث عن صيد ثمين

لدى الجماعة أولوية في اختيار الأفراد الذين تستقطبهم لتضمهم إليها، وتحرص على استقطاب الطلاب المتفوقين دراسياً، خاصة من الكليات العملية كالطب والصيدلة والهندسة، ويوضح د. عمار علي حسن أنّ "الجماعة كانت تحرص على ألّا تضم كثيرين من دارسي العلوم الإنسانية، لأنّ التنظيم ينفر من التنظير"، ويضيف: أنّه "من الممكن ذكر (4) أسباب لذلك؛ الأول: كي تستثمر الخريجين فيما بعد اقتصادياً واجتماعياً، السبب الثاني: أنّ الدراسات العملية تقوم على قوانين علمية محددة، وبهذا فهي لا تمنح صاحبها قدرة على الجدل والمساءلة التي يمتلكها خريجو الكليات الإنسانية أو النظرية، وبالتالي يصبح طالب الكليات العملية مثالياً لجماعة تقوم على السمع والطاعة، حيث تحتاج إلى عقول منغلقة لم تتعلم الشك فيما تسمع وتقرأ، ولا تُسائل في كل ما يجري حولها وأمامها، والسبب الثالث: هو أنّ دارسي العلوم التطبيقية يعتقدون أنّ العالم والمجتمع يسير على شاكلة الأرقام والنظريات والقوانين العلمية الصارمة، بما يجعلهم غير مؤمنين بالتعددية واختلاف الآراء والتوجهات وتباين المصالح، فالحقيقة العلمية واحدة، وهو أمر يريده الإخوان وأتباعهم ممّن يزعمون أنّ ما هم عليه هو الحقيقة، والسبب الرابع: يتعلق بجفاف الدراسات التطبيقية، ممّا يجعل الدارسين في حاجة إلى ما يروي ظمأهم الروحي، وهنا تطرح الجماعات الإسلامية المسيّسة تصورها لهم باعتباره الدين، وتضمن إقبالاً شديداً منهم عليها".

تحولات ما بعد السقوط من الحكم

بدأ التحول بعد سقوط الجماعة من الحكم في 2013 نحو الاهتمام بالعلوم الإنسانية من جانب العديد من أعضاء الجماعة الذين لاذوا بالفرار إلى تركيا وقطر، حيث يتركزون هناك بشكل أكبر، ويلجأ الأفراد للدراسة من خلال الجامعات الخاصة الموجودة في تركيا وقطر، أو إلى المؤسسات التي أنشأها مصريون قريبون من الإخوان، ومن أبرز هذه المؤسسات "أكاديمية العلاقات الدولية" الموجودة في تركيا ويرأسها الدكتور عصام عبد الشافي ويحاضر فيها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح مستشار الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، وهما قريبان من الجماعة على مستوى المواقف السياسية، وتوفر الأكاديمية فرص دراسة العلوم السياسية بداية من المرحلة الجامعية ومروراً بالدبلوم والماجستير والدكتوراة، وتعقد شراكات مع جامعات تركية وأمريكية لاعتماد شهادات التخرج الخاصة بها، ومن أمثلة البرامج الدراسية التي تقوم الأكاديمية بتدريسها: دبلوم العلوم السياسية، ودبلوم الدراسات الاستخباراتية، ودبلوم إستراتيجيات الأمن القومي، ودبلوم الاقتصاد الإسلامي.

الإيديولوجية الإخوانية لها سطوة كبيرة على العقل؛ لأنّ عملية التربية داخل الجماعة تمر بمراحل كثيرة يتم خلالها استخدام عدد كبير من الأدوات والوسائل والمناهج لترسيخ أفكار الجماعة

وفي هذا السياق يقول عمار علي حسن: "أعتقد أنّ بعض شباب الجماعة سوف يلجؤون إلى العلوم الإنسانية؛ لأنّهم ربما أدركوا أنّ هذا ما ينقصهم، فالجماعة بلا مفكر أو نخبة فكرية تظل تقتات على نصوص قديمة لسيد قطب الذي يُعدّ المنُظّر الأهم في الجماعة، والذي تُعدّ نظريته مغلقة تؤدي إلى الهلاك، وقد تم تجريبها وانتهت إلى الفشل أكثر من مرة".

عمار علي حسن: الجماعة كانت تحرص على ألّا تضم كثيرين من دارسي العلوم الإنسانية، لأنّ التنظيم ينفر من التنظير

وحسب خبراء ومطلعين على أوضاع الجماعة عن قرب، أكدوا لنا وجود هذه الظاهرة لدى العديد من شباب الجماعة، فقد أفادنا الأستاذ "سمير العركي"، وهو صحفي مصري مقيم في تركيا، قائلاً: "ليست عندي أرقام موثقة، لكنّ الظاهرة صحيحة بالفعل، وقد قابلت بعض أعضاء الجماعة من خريجي كليات الطب وقد اتجهوا لدراسة السياسة"، وأضاف حول أسباب ذلك التوجه: "أظن أنّه بمثابة رد فعل على هزيمة 2013 واكتشافهم أنّهم كانوا مجرد مبتدئين في السياسة"، وعن أثر دراسة الإخوان للعلوم السياسية دون الاهتمام بفروع العلوم الإنسانية الأخرى يقول: "من وجهة نظري أنّ هذه الدراسة سوف تنتج أكاديمياً وليس رجل سياسة، لأنّ رجل السياسة بحاجة إلى مجموعة من المعارف والخبرات الأخرى في الاقتصاد والقانون والاجتماع وغيرها بجانب السياسة".

عمار علي حسن: أعتقد أنّ بعض شباب الجماعة سوف يلجؤون إلى العلوم الإنسانية؛ لأنّهم ربما أدركوا أنّ هذا ما ينقصهم، فالجماعة بلا مفكر أو نخبة فكرية تظل تقتات على نصوص قديمة

على جانب آخر، يوضح الدكتور خيري عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سكاريا بتركيا والمتخصص في الحركات السياسية أنّه "كان هناك توجه لبعض أعضاء الجماعة نحو دراسة العلوم السياسية منذ عصر مبارك"، لكنّه أكد أيضاً أنّ "الذين درسوا سياسة قبل ثورة كانون الثاني (يناير) تركوا الجماعة، وذلك لعدم قدرتهم على التوافق مع طبيعة الجماعة وثقافة السمع والطاعة"، وأضاف: "وبعد 2013 وخروج الكثير من أعضاء الجماعة إلى الخارج أخذت الظاهرة في الاتساع، حيث لجأ العديد من الأفراد وأغلبهم من خريجي كلية الهندسة إلى دراسة السياسة، وذلك بسبب الفراغ لدى الكثيرين منهم، وبدافع الطموح السياسي وممارسة السياسة فيما بعد"، وأضاف أخيراً ملمحاً مهمّاً حول تركيز الأفراد على دراسة السياسة دون غيرها من فروع العلوم الإنسانية، وهو "أنّ الغالبية العظمى منهم يدرسون السياسة لعدم قناعتهم بأهمية العلوم الإنسانية الأخرى كعلم الاجتماع وعلم النفس... إلخ".

مستقبل العقل الإخواني بين العلم والإيديولوجيا

نختم بالسؤال الذي طرحناه في البداية: هل تعطي دراسة بعض الأفراد للعلوم الإنسانية مؤشراً على إمكانية حدوث تطور في عقل الجماعة في المستقبل؟

هناك عدة مؤشرات على استبعاد هذا الاحتمال؛ منها: أنّ الاهتمام بدراسة السياسة فقط دون فروع العلوم الإنسانية الأخرى له أكثر من دلالة وأثر، فهو يعكس أنّ أفراد الجماعة ما يزالون واقفين عند النقطة نفسها، وهي اعتقادهم بأنّ أزمتهم سياسية بالدرجة الأولى تتمثل في عدم امتلاك الأدوات اللازمة لإدارة الدولة وإدارة العلاقات والصراعات مع الأطراف المختلفة، ومن ثم يسعون لاستكمال ذلك ببعض الدراسة أملاً في إعادة ترتيب الأوراق والدخول في جولات جديدة من الصراع بالأفكار والقناعات نفسها التي أنتجت ذلك الصراع سابقاً، من أجل إعادة التموضع مرة أخرى في المشهد السياسي، الأمر الذي يدل على عدم إدراك الجماعة، رغم التجربة المريرة بأنّ أزمتهم أعقد من ذلك، وأنّها تتعلق بالأفكار وطبيعة المشروع والأهداف التي تسعى الجماعة إليها، وطبيعة التنظيم المغلق وآليات ومنهج التغيير، وأنّ كل ذلك يُنتج عدداً لا نهائيّاً من الصراعات والصدامات، ولذلك فالأفراد بحاجة أولاً إلى تحرير العقل من خلال الاطلاع على الفلسفة والاجتماع والأدب والتاريخ وغير ذلك ممّا يساعد العقل والروح على الانطلاق. 

الأمر الآخر أنّ ذلك التوجه هو في النهاية توجه فردي لا يدلّ على أنّه نابع من رغبة الجماعة كمؤسسة في التطوير.

أخيراً؛ فإنّ الإيديولوجية الإخوانية لها سطوة كبيرة على العقل؛ لأنّ عملية التربية داخل الجماعة تمر بمراحل كثيرة يتم خلالها استخدام عدد كبير من الأدوات والوسائل والمناهج لترسيخ أفكار الجماعة، خاصة أنّ أغلب أفراد الجماعة ينضمون إلى صفوفها في سن صغيرة؛ ممّا يجعل هناك صعوبة بالغة في تغيير أفكارهم بعد فترة طويلة من الانضمام.

كل ذلك يجعلنا نرجح أنّ الإيديولوجية سوف تنتصر على العلم داخل العقل الإخواني.

مواضيع ذات صلة:

هكذا وظف الإخوان الإعلام الرقمي لتنفيذ أجندة الجماعة

ما مدى تأثير الإعلام الرقمي في نشر ثقافة التسامح والتعايش؟

لماذا فشل رهان تنظيم الإخوان على الإعلام؟ وما بدائله المستقبلية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية