الياميش ومشروبات رمضان: عادة توارثتها الأجيال وحافظت عليها رغم الظروف الاقتصادية

الياميش ومشروبات رمضان: عادة توارثتها الأجيال وحافظت عليها رغم الظروف الاقتصادية

الياميش ومشروبات رمضان: عادة توارثتها الأجيال وحافظت عليها رغم الظروف الاقتصادية


19/04/2023

اقتربت أيام الشهر الكريم من تمامها، ولم ينته استعراض عادات وتقاليد الشهر الفضيل في مصر، والذي يكشف في كل لحظة عن حب المصريين للعادات الشعبية التي ارتبطت بالشهر الفضيل، وتمسكهم بها.

ويُعدّ ياميش رمضان من أكثر التقاليد المصرية أصالة، وتحرص الأسر على شراء الياميش الرمضاني لصنع الخشاف، وأنواع أخرى من الحلوى الرمضانية.

والخشاف عبارة عن مشروب مصنوع من الفواكه المجففة، والتمر، والزبيب المنقوع في الماء.  

الأصل التاريخي واللغوي

ويعتقد العديد من علماء التاريخ، أنّ تناول الياميش يعود إلى قدماء المصريين الذين صنعوا الحلوى من التمور والمكسرات المجلوبة من بلاد الشام، وزينوها ليأكلها الأطفال.

والياميش كلمة مصرية، تمّ استخدامها على نطاق واسع في العصر الفاطمي، حيث كان الخلفاء في العصر الفاطمي يوزعون الياميش على الفقراء طوال شهر رمضان. والكلمة تشير إلى الفواكه المجففة والمكسرات، ويُعدّ المشمش المجفف، والتين، وجوز الهند، والبندق، والفول السوداني، والكاجو، من بين الأنواع الرئيسية للياميش في شهر رمضان.

تحرص الأسر على شراء الياميش الرمضاني لصنع الخشاف، وأنواع أخرى من الحلوى الرمضانية

هذا، وقد بدأ المصريون عادة شراء الياميش في عهد الدولة الفاطمية، التي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمان في ما بين الفترة 365 هـ - 567 هـ. واستمرت هذه العادة بعد سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين، إلى يومنا هذا، لتنتقل إلى البلدان المجاورة.

أسواق الياميش التاريخية

في شهر رمضان، يزداد طلب المصريين على الياميش، ولم يكن هذا الأمر وليد اليوم، بل ترصد قصاصات التاريخ أوراقاً وحكايات حول إعداد الأسر لكشوف الياميش في رمضان، وتأثرهم عبر العصور بالظروف الاقتصادية المختلفة، والتي لم تثنهم عن ترك عادة شراء الياميش في رمضان.

بدأ المصريون عادة شراء الياميش في عهد الدولة الفاطمية، التي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمان في ما بين الفترة 365  - 567 هـ

كانت أشهر أسواق الياميش رواجاً في مصر تقع في منطقة قوصون التي أسسها الأمير سيف الدين قوصون المملوكي، في شارع باب النصر خلال القرن الـ (8) الهجري، وكانت هذه السوق مقصداً لمعظم التجار القادمين من سوريا، حيث يعرضون بضائعهم من الزيت والصابون والفستق والبندق والجوز؛ لبيعها قبل شهر رمضان.

انتقل سوق الياميش في القرن الـ (9) الهجري إلى منطقة الجمالية، ثم إلى بولاق أبو العلا ثم إلى روض الفرج، ثم إلى سوق السكرية، الذي تباع فيه إلى الآن أصناف الياميش الرمضاني كسلعة أساسية.

ومع الظروف الاقتصادية، وغلاء بعض الأصناف، أصبح الياميش نوعاً من الترفيه لعدد كبير من الناس، لكنّ العادة استمرت كنوع من إكرام الضيوف، كما يُعطى للأطفال الذين يحملون الفوانيس، ويتجولون بين البيوت ويغنون الأغاني الرمضانية الشهيرة.

أشهر أصناف المشروبات الرمضانية

إلى جانب الياميش، هناك أصناف أخرى من المشروبات التي تنتشر في شهر رمضان، ولعل قمر الدين هو الأشهر على الإطلاق في العالم العربي كله، وهو مشروب مصنوع من المشمش المجفف، والذي ينقع ويضاف إليه السكر، قبل أن يصبح جاهزاً للشرب. ويقال، بحسب موقع (dailynewsegypt): إنّ أصل قمر الدين يعود إلى بلاد الشام التي اشتهرت بصنعه، ويعتقد أنّ الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كان يأمر بتوزيع المشروب على الناس احتفالاً بقدوم شهر رمضان.

أصبحت العادة الشعبية أقوى من الظروف، مهما كانت، سواء الحرب أو التراجع الاقتصادي، وتعدّ الأسر عدتها طيلة العام من أجل توفير المتطلبات الرمضانية

أمّا مشروب العرقسوس، فهو مشروب قديم، استخدمه قدماء المصريين كدواء لعلاج أمراض المعدة، وكان الأطباء يخلطونه مع الأدوية المرة لإخفاء طعمها، لكنّه أصبح بعد ذلك مشروباً شعبياً ذائع الصيت منذ العصر الفاطمي، كما أنّ شخصية بائع العرقسوس أصبحت فولكلورية، بملابسه المميزة والعبارات التي يكررها.

ويستخرج العرقسوس من نبات موجود في سوريا وأوروبا ومصر، ولكنّه مشهور بشكل رئيسي في مصر كمشروب رمضاني.

قمر الدين هو مشروب مصنوع من المشمش المجفف

أمّا الجلّاب، فهو أحد المشروبات التي تشتهر بها سوريا ولبنان وفلسطين، وهو خليط من التمر والعنب والماء وماء الورد والصنوبر والزبيب. وهناك الخروب الذي تشتهر به منطقة البحر المتوسط، ويزرع في ليبيا وفلسطين والشام والمغرب وقبرص. وقد انتقل من هناك إلى موائد رمضان عبر التجار العرب، ويفيد في علاج أمراض الجهاز التنفسي، وينقع الخروب في الماء لعدة ساعات، ثم يصفى ويضاف إليه السكر.

ولعل التمر هندي هو الأشهر على الإطلاق على موائد المصريين في شهر رمضان، وهو مشروب قادم من الهند، حيث ينقع لب التمر الهندي في الماء، ويخلط مع الكركديه، وهو مناسب جداً لشهر رمضان، خاصّة بعد السحور، نظراً لقدرته على مقاومة العطش. ولا ينافس التمر هندي على موائد المصريين غير مشروب السوبيا، وهو مشروب مصري مصنوع من جوز الهند والحليب والسكر أو العسل، ويعود في أصله إلى عصر المماليك، بحسب موقع (dailynewsegypt).

لقد أصبحت العادة الشعبية أقوى من الظروف، مهما كانت، سواء الحرب أو التراجع الاقتصادي، وتعدّ الأسر عدتها طيلة العام من أجل توفير المتطلبات الرمضانية

ومؤخراً أضيف الدوم إلى قائمة المشروبات الرمضانية، ويؤخذ من شجرة موجودة في أفريقيا، كما تنتشر زراعة الدوم في صعيد مصر، وله فوائد طبية عديدة، ومن المعروف أنّ الدوم من العصائر التي تعالج التوتر وتبرد الجسم وتحسن الهضم.

لقد أصبحت العادة الشعبية أقوى من الظروف، مهما كانت، سواء الحرب أو التراجع الاقتصادي، وتعدّ الأسر عدتها طيلة العام من أجل توفير المتطلبات الرمضانية، لكن بالطبع تأثرت القدرة الشرائية إلى حدٍّ كبير بالوضع الاقتصادي، وتخلت الأسر عن الكثير من أنواع الياميش المستوردة، والتي أصبحت باهظة الثمن، بسبب ارتفاع سعر صرف الجنيه، لكنّ الحد الأدنى ما زال موجوداً على موائد المصريين في الشهر الكريم، يمنحهم الطاقة، ويروي عطشهم، وينشر البهجة في النفوس.

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية