الصراع على الرئيس اللبناني: ماذا يقول صمت "حزب الله"؟

الصراع على الرئيس اللبناني: ماذا يقول صمت "حزب الله"؟

الصراع على الرئيس اللبناني: ماذا يقول صمت "حزب الله"؟


13/12/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

في الأعوام الثّلاثة الماضية منذ الانهيار الماليّ في لبنان، لم تفعل الطّبقة السّياسيّة في البلاد شيئاً تقريباً لتصحيح الوضع. لم تُنفّذ أيّ شيء من إصلاحات «صندوق النّقد الدّوليّ» (باستثناء القيام بأشياء غير مباشرة)، ولا يعتقد أحدٌ تقريباً أنّ السّياسيّين سيقومون بعكس ذلك في المستقبل المنظور.

هذا لا يعني أنّ الوضع الماليّ للبلد والاقتصاد لم يتغيّرا. أجبرت الحقائق الاقتصاديّة، لا سيما احتياطيّات العملات الأجنبيّة المتضائلة، الدّولة على خفض معظم الإعانات. وأدّى التّرحيل الجماعيّ للموظّفين المدنيّين من الإدارة العامّة بسبب الانخفاض الرّاديكاليّ في قيمة الليرة اللبنانيّة إلى تطهيرٍ إداريّ. وأدّى انهيار الليرة، التي فقدت 96 في المائة من قيمتها منذ تشرين الثّاني (نوفمبر) 2019، إلى انخفاض قيمة الدّين المحلّيّ.

ومع ذلك، أدّى تراخي السّياسيّين إلى معاناة هائلة، ممّا دفع «البنك الدّوليّ» إلى وصف الوضع الاقتصاديّ بأنّه «كساد متعمّد». ومع ذلك، حتّى الآن، لم تكن هناك مُساءلة لأولئك المسؤولين عمّا حدث. في انتخابات أيار (مايو) الماضي، أعيد انتخاب كبار السّياسيّين وحلفائهم في البرلمان، حيث أعاد العديد من النّاخبين أولئك الذين سرقوهم إلى مناصبهم.

يعتبر حزب الله من أهم الأصوات في تحديد التعيينات السياسية المستقبلية في لبنان

كيف سيكون ردّ فعل «حزب الله» وهو يراقب الوضع؟ السّؤال له قيمة أكثر من أكاديميّة، بما أنّ الحزب كان في منحنى تعليميّ حادّ في الأعوام السّتّة الماضية. في عام 2016، فرض الحزب ميشال عون رئيساً وسيطر بشكل أساسيّ على معظم المناصب الرّئيسة في الدّولة. كان الرّئيس حليفاً، وكذلك رئيس البرلمان، بينما كان رئيس الوزراء مقيّداً إلى حدّ كبير من قِبل «حزب الله» وحلفائه في الحكومة.

أزمات عون الكارثية

ومع ذلك، فإنّ هذه السّيطرة المعزّزة لم تكن مفيدة للحزب. الأزمات الماليّة ورئاسة عون الكارثيّة أظهرت لـ«حزب الله» مخاطر دعم جانب ضدّ آخر في بلد منقسم ومتقلّب. بحلول نهاية ولاية الرّئيس، كان «حزب الله» يبحث عن طريقة لتجنّب إلقاء اللوم عليه بشأن تدهور الوضع، ولهذا السّبب لم يدعم صهر عون، جبران باسيل، لخلافته.

ومع ذلك، فيما وراء ذلك، هل يحتاج «حزب الله» إلى التّخطيط لفترةٍ تَحوّليّة بشكل أكبر في المستقبل في البلاد؟ قد يبدو هذا سؤالاً غريباً في وقتٍ يبدو فيه لبنان محصّناً من التّغيير. ومع ذلك، لا يمكن للحزب أن يكون غير مبال بالانتفاضة الحالية في إيران، والتي أظهرت شرخاً جوهريّاً بين قيادة البلاد وجزء وازِن من المجتمع الإيرانيّ. حتّى لو أعادت السّلطات فرض النّظام، يعتقد العديد من المراقبين أنّه سيتعين على النّظام أن يتغيّر من أجل النّجاة.

بحلول نهاية ولاية الرّئيس عون، كان حزب الله يبحث عن طريقة لتجنّب إلقاء اللوم عليه بشأن تدهور الوضع، ولهذا السّبب لم يدعم صهره، جبران باسيل، لخلافته

كما تعلّم «حزب الله» أنّ النّظام الطّائفيّ اللبنانيّ يمكن أن يكون غدّاراً. في العام الماضي وحده، وجد الحزب وحلفاؤه أنفسهم محاصرين في ثلاث حوادث طائفيّة - مع السّنّة، والدّروز، والمسيحيّين - كان يمكن لأيّ منها أن تكون له تداعيات خَطِرة ليس فقط على الاستقرار الدّاخليّ، ولكن، أيضاً، على علاقات «حزب الله» مع الطّوائف الأخرى.

في هذا السّياق، هل يحاول «حزب الله» تأمين دوره في لبنان بوضعه على أرضيّة أقوى؟ هل يعني هذا تنازلات من جانبه؟ يقول المشكّكون لا، وقد يكونون على حقّ. لن يتزحزح «حزب الله» عن أيّ من مبادئه - الاحتفاظ بسلاحه، والتّحالف مع إيران، وضرورة السّيطرة على المناصب القياديّة في الدّولة - حتّى يضطّرّ إلى ذلك. ومع ذلك، فمن المتصوّر أنّه بحلول ذلك الوقت ربما يكون الأوان قد فات.

ستساعدنا بعض الأشياء التي يجب مراقبتها في المستقبل القريب على تقييمٍ أفضل لكيفيّة رؤية «حزب الله» للمستقبل. أظهر رفض تأييد باسيل أنّ الحزب لا يريد أن يُحرق مرّةً أخرى بفرض رئيسٍ على القوى الأخرى. ومع ذلك، من المفهوم على نطاق واسع أنّ «حزب الله» يدعم سليمان فرنجية اليوم، لكنّه لم يستبعد مرشحين آخرين، بمن فيهم قائد الجيش جوزيف عون، الذي يتمتّع بدعم وطنيّ ودوليّ أوسع.

جوزيف عون أم فرنجية؟

سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان «حزب الله» مستعداً للذّهاب إلى حدّ دعم انتخاب جوزيف عون، إذا فشل فرنجيّة في الحصول على أصوات كافية. إذا حدث ذلك، فستكون تلك مخاطرة محسوبة. سيكون انتخاب قائد الجيش إشارةً لأجزاء أخرى من المنطقة على أنّ الحزب مستعدّ لتقديم تنازلات بشأن مرشّح. في الوقت نفسه، يظلّ واضحاً أنّه لا يمكن لأيّ رئيس، مهما كانت شعبيّته أن يحكم على الضّدّ من إرادة «حزب الله». هذه الحقيقة قد تجعل الحزب أكثر انفتاحاً على جوزيف عون.

يُعتقد أن سليمان فرنجية هو مرشح حزب الله المفضل لرئاسة لبنان

ثانياً، هل يدعم الحزب خطّة «صندوق النّقد الدّوليّ» للبنان؟ يفترض معظم النّاس أنّ «حزب الله» لا تروق له هذه الخطّة بالمرّة. ومع ذلك، في مقابلة مع «رويترز» في حزيران (يونيو) الماضي، كان نائب الأمين العام للحزب أكثر غموضاً، قائلاً إنّ التّعافي الماليّ يمثّل أولويّة، وإنّ اتّفاق «صندوق النّقد الدّوليّ» «جسر ضروريّ» نحو عمليّات تمويليّة أخرى.

العلامة الثّالثة التي يجب الانتباه إليها هي كيفيّة تعامل «حزب الله» مع الدّول العربيّة الأخرى. حتّى وقت قريب، كان ردّ فعله عدائيّاً لكلّ ما تفعله هذه الدّول. ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات، مؤخّراً، على أنّ «حزب الله» قد يسعى إلى حلّ وسط مع المملكة العربيّة السّعوديّة. في الآونة الأخيرة، تضمّن ذلك اقتراح صحفيّ له علاقات مع «حزب الله» مقايضةً يكون وفقها الرّئيس شخصيّة مقرّبة من الحزب ورئيس الوزراء شخصيّة مقرّبة من الرّياض.

في الآونة الأخيرة، تضمّن اقتراح صحفيّ له علاقات مع حزب الله مقايضةً يكون وفقها الرّئيس شخصيّة مقرّبة من الحزب ورئيس الوزراء شخصيّة مقرّبة من الرّياض

هناك تقارير متناقضة حول ردّ الفعل السّعوديّ. يحاجج البعض بأنّ السّعوديّين رفضوا الفكرة، بينما يقول آخرون إنّهم قد يكونون على استعداد للنّظر فيها. مهما كانت الحقيقة، فإنّ حقيقة طرح الفكرة تُظهر أنّ «حزب الله» ربما يغيّر موقفه.

من الأفضل عدم الإفراط في التّفاؤل بشأن مرونة الحزب. ومع ذلك، في مواجهة تحدّيّات حقيقيّة داخل لبنان وفي المنطقة، قد يتساءل «حزب الله» عمّا إذا كان بإمكانه الحفاظ على سيطرته الحالية إلى أجل غير مسمّى، أو ما إذا كان التّغيير مطلوباً. ستخبرنا الأسابيع المقبلة ما إذا كان هذا هو الحال بالفعل، أو ما إذا كان «حزب الله» لا يرى ضرورة للتّخفيف من قبضته.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، 6 كانون الأوّل (ديسمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية