الروابط المكسورة... الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر بين (2013-2022)

الروابط المكسورة... الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر بين (2013-2022)

الروابط المكسورة... الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر بين (2013-2022)


17/01/2024

بعد حوالي (12) عاماً على ثورة كانون الثاني (يناير) التي لعبت جماعة الإخوان المسلمين المصرية دوراً بارزاً فيها، والتي أسقطت نظام الرئيس حسني مبارك، ما يزال المحللون يختلفون حول الأحداث التي أخرجت الإخوان من الحكم بسبب تجربتهم الفاشلة في قيادته.

ويُعدّ الكتاب الذي صدر باللغة الإنجليزية بعنوان "الروابط المكسورة... الأزمة الوجودية للإخوان المسلمين في مصر  ( Broken Bonds: The Existential Crisis of Egypt’s Muslim Brotherhood) ، يُعدّ جزءاً من جهود كثيرة تحاول أن تقدم "إطاراً تفسيرياً" لفهم اللحظات المهمّة التي تعرض لها الإخوان في مصر على مدار العقد الماضي.

ومنذ 2013 حتى اليوم يقبع آلاف الإسلاميين في السجون المصرية، بينما فرّ آخرون خارج البلاد، وتوفي الرئيس المصري الوحيد الخارج من صفوف جماعة الإخوان محمد مرسي خلال محاكمته، وصنّفت السلطات المصرية الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية".

أزمة وجودية للإخوان المسلمين

كتاب "الروابط المكسورة" يسبر، بحسب المركز العربي لدراسات التطرّف، أغوار الأزمة التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين في العقد الماضي؛ وذلك من خلال زاوية فريدة تدمج المنظور الداخلي لعبد الرحمن عياش ـ العضو السابق في المنظمة ـ وتجارب الكاتِبين الآخرين اللذين تأثرا بشكل مباشر بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر منذ عام 2011، مع مقاربة شديدة للعلوم السياسية من قبل الكتّاب الـ (3). 

في هذا الكتاب يشرح كل من عياش وعزت والعفيفي كيف بلغ التنظيم الإسلامي الأكثر نفوذاً في العالم الحديث هذه المرحلة من الأزمة الوجودية، وإلى أين قد يتجه بعد ذلك.

غلاف الكتاب

لم يتعافَ الإخوان، إلى حدٍّ ما، أبداً من أزمات الشرعية والهوية التي أعقبت اغتيال مؤسسها حسن البنا عام 1949. لم يترك البنا وراءه تعليمات تفصيلية، بل إرشادات عامة فقط، ولم يأتِ مرشد من جماعة الإخوان المسلمين من بعد له كاريزما البنا نفسها لملء الفراغ، وبالتالي، فقد قامت الأجيال المتعاقبة بتأويل هذه التوجيهات بشكل مختلف.

ويزعم هذا الكتاب أنّ الإخوان يواجهون اليوم (3) أزمات رئيسة: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة العضوية.

لم يتعافَ الإخوان، إلى حدٍّ ما، أبداً من أزمات الشرعية والهوية التي أعقبت اغتيال مؤسسها حسن البنا عام 1949.

فبعد مضي (10) أعوام على الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي عام 2013، وهو عضو ناشط في جماعة الإخوان المسلمين خدم لمدة عام رئيساً منتخباً لمصر، ما يزال التنظيم عالقاً بين مطرقة الطريق المسدودة على مستوى السياسة المصرية، وسندان الأزمات المعقدة داخل صفوفه، وهي الأزمات التي تحرك عمل التنظيم، ولكن ما لم يتم حلها، فقد تهدد استمرارية وفعالية تنظيم الإخوان.

وهذا هو التهديد الوجودي الأكبر الذي واجهته جماعة الإخوان إلى يومنا هذا، وبما أنّ عملية إعادة البناء الثالثة الجارية حالياً قد فشلت في معالجة بعض هذه القضايا، فقد يكون مصير التنظيم الفوضى.

البُعد "الإخواني" للإخوان المسلمين

يشير المركز العربي لدراسات التطرّف في تحليله للكتاب إلى أنّه "يسلط الضوء على الطريقة التي تواجه بها جماعة الإخوان المسلمين، كمنظمة وكحركة اجتماعية وسياسية، أسوأ حملة قمع في تاريخها، وكيف أنّ دينامياتها الداخلية تشكل مستقبل الحركة. وتعتبر القدرة القصوى للإخوان المسلمين على التكيف خاصية أخرى يحاول المؤلفون الـ (3)  تفكيكها وفهمها، سعياً منهم لشرح لماذا من السابق لأوانه نعي حركة يكون أعضاؤها الأكثر نشاطاً، إمّا خلف القضبان، وإمّا يعيشون في المنفى الذي لا يرحم".

وبدلاً من البحث حصرياً ـ كما جرت العادة في العديد من الأعمال الأخرى ـ  عن الجزء "الإسلامي" من جماعة الإخوان المسلمين، يركز إصدار "الروابط المكسورة" على الجانب "الإخواني" للأمور؛ إذ إنّ التفاعل بين أعضاء الجماعة وقادتهم والشعور بالأخوة بين الرتبة والصف، وشعور الأتباع بأنّهم جزء من عائلة ممتدة توفر الأمن والدعم، هي كلها عناصر ذات أهمية للتحليل أكثر من الدين.

يزعم هذا الكتاب أنّ الإخوان يواجهون اليوم (3) أزمات رئيسة: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة العضوية

المقدمة الطويلة التي صاغها عياش تستهل رحلة اكتشاف للمنظمة بحسب المركز؛ فعلى الرغم من أنّ المؤلف حضر آخر لقاء أسبوعي أسري له في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2010، إلّا أنّ جماعة الإخوان المسلمين ما تزال تحتل جزءاً كبيراً من اهتماماته الشخصية، فضلاً عن اهتمامه المهني كصحفي وباحث.

عياش قال في الكتاب: "لقد وفرت جماعة الإخوان لي وللعديد من الشباب المصري مجتمعاً، حيث كوَّن بعضهم عدة أشكال من الارتباط بالمجموعة، وارتقى البعض الآخر ليصبحوا أعضاء رفيعي المستوى وقادة متوسطي المستوى. تمنح جماعة الإخوان المسلمين لأعضائها دائرة اجتماعية آمنة ومصدر رزق. فإذا كنت عضواً في الجماعة وفي الوقت نفسه صاحب مشروع، أو كنت طبيباً أو محاسباً أو مهندساً أو (على وجه الخصوص) محامياً، فأنت تضمن بذلك زبائنك.

يزعم هذا الكتاب أنّ الإخوان يواجهون اليوم (3) أزمات رئيسة: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة العضوية.

ويسلط المؤلفون الضوء، بحسب المركز، على حقيقة أنّه لا يوجد عضو يمكن أن يصف جماعة الإخوان المسلمين على أنّها مجرد حزب سياسي أو حركة اجتماعية أو طائفة دينية، وهي ليست من أيٍّ ممّا سبق ذكره، ولا هي كلّ ما سبق ذكره؛ إذ من أجل إعادة تأسيس ما وصفه البنا بـ "سيادة الإسلام على العالم"، فقد أنشأ عمداً نظام الدعم الشامل للإخوان لتحقيق هذه الأهداف.

وفي عام 2004، على سبيل المثال، قام أعلى كيان تنفيذي في جماعة الإخوان، ممثلاً في مكتب الإرشاد، بفرض ما يسمّى بإعلان الهوية، والذي بموجبه سيبدأ في استخدام اسم جماعة الإخوان المسلمين علناً. حتى ذلك الحين، كان المنتسبون إلى جماعة الإخوان المسلمين يستخدمون الأسماء المستعارة.

القدرة على التكيف وخيبة الأمل

في الوقت نفسه تقريباً بدأت جماعة الإخوان المسلمين استغلالها الجيد للإنترنت، حيث قاد الأعضاء الشباب تبنّي تقنيات الاتصالات الجديدة هذه، والتي كان الإخوان بطيئين في تبنيها في البداية. على الرغم من ذلك، كان هناك عدد قليل من القادة الذين رأوا في عالم التدوين الخاص بالإخوان فرصة لبث روح جديدة في الجماعة.

وفي بعض الفقرات الأكثر إثارة للاهتمام من تجربته الشخصية، يشرح عياش نشأة مشاعر الحرمان الخاصة به تجاه الإخوان المسلمين؛ إذ إنّ بعض الأفكار التي تم تداولها في عام 2010، مثل اقتراح إنشاء مجلس منتخب من علماء الدين لمراجعة التشريعات واستبعاد النساء والمسيحيين من رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، خلقت خلافاً كبيراً داخل جماعة الإخوان المسلمين، كما أنّ عياش اختلف معهم بشدة، وقام بكتابة تدوينات تنتقد الجماعة، التقطتها وسائل الإعلام المصرية.

لم يمرّ هذا التفكير الحر مرور الكرام، وبعد بضعة أشهر، استدعى محمد مرسي ـالذي كان وقتها عضواً في مكتب الإرشاد في الجماعة ورئيس لجنتها السياسية ـ استدعى عياش إلى مكتبه مخاطباً إيّاه: "إذا كانت لديك أولويات أخرى، فالمساحة (مفتوحة لك لترك الإخوان والانضمام إلى جماعات أخرى)، مصر تحتاج إلى جهدك وطاقتك".

في هذا الاجتماع، فكّر عياش للمرة الأولى في ترك جماعة الإخوان المسلمين، وبالفعل، فقد ترك جماعة الإخوان المسلمين، ثم ترك مصر في عام 2013 لينتقل إلى تركيا.

الإخوان في المنفى

يشير المركز العربي لدراسات التطرّف إلى أنّ قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية ينتشرون اليوم بشكل أساسي في تركيا ـ حيث يوجد ما لا يقلّ عن (15) ألفاً منهم ـ ويتواجدون أيضاً في دول الخليج والسودان وبريطانيا وأماكن أخرى.

وقد بات التنظيم منقسماً وبلا هدف إلى حدٍّ ما، أكثر ممّا كان عليه في أي وقت من تاريخه الممتد على مدى (94) عاماً، كما كان ذلك تاريخه مع قمع الدولة.

قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية ينتشرون اليوم بشكل أساسي في تركيا، حيث يوجد ما لا يقلّ عن (15) ألفاً منهم.

ومع ذلك، يشير مؤلفو الكتاب إلى أنّه على الرغم من أزماتهم غير المسبوقة، فإنّ التكوين الاجتماعي والسياسي الإسلامي ما يزال جزءاً لا يتجزّأ من الدولة المدنية في الشرق الأوسط وما وراءه. في الأعوام التي سبقت 2011، ناقش المثقفون المصريون بحماس الدراسات التي توقعت خفوت "الإسلام السياسي".

وبعد أقلّ من عقد من نشر هؤلاء العلماء لأفكارهم، صار الإسلاميون، بتوجهاتهم المختلفة، لاعبين رئيسيين حصلوا على أصوات عشرات الملايين ولهم تأثير هائل على السياسة المعاصرة في العديد من البلدان العربية. ويأتي هذا الكتاب ليبين أنّ التكوينات الاجتماعية والسياسية الإسلامية ليست فقط حية وحيوية، ولكنّها قد تظل أيضاً قادرة على التأثير على حاضر المنطقة ومستقبلها.

جذور أزمة الإخوان المسلمين

تتمثل الأزمات الـ (3) التي قام الكتاب بتحليلها، بحسب مركز دراسات التطرّف، في أزمات الهوية والشرعية والعضوية، ويتطرق الفصل الأول لأزمة هوية الإخوان المسلمين، ويسلط الضوء على التطور التاريخي للتنظيم وكيف تحول في ظل موجات مختلفة من القمع وتغير السياقات السياسية، بدءاً من تأسيس التنظيم على يد البنا عام 1928، كما يقتفي الفصل أثر المنعطفات الحاسمة التي استجابت فيها جماعة الإخوان للتغييرات الاجتماعية والسياسية.

ويناقش الفصل الثاني أزمة شرعية جماعة الإخوان المسلمين من خلال تقديم روايات عن حملة القمع عام 2013، وكيف واجهت جماعة الإخوان، كمنظمة، فراغها القيادي. وبناء على عدة مقابلات مع قادة حاليين وسابقين وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، يحلل الفصل صراعات السلطة داخل الحركة، وكيف حاولت الإجابة عن أسئلة العنف ووجودها الدولي والانقسامات الداخلية حول السلطة والموارد.

ويعرض الفصل بالتفصيل وجهات النظر المختلفة للفصائل المتنافسة داخل قيادة الإخوان، وكيف تمكنت إحدى الفصائل من السيطرة على الجماعة من خلال مجموعة معقدة من التحركات الإيديولوجية والمالية والتنظيمية.

أمّا الفصل الثالث، فيتطرق لأزمة عضوية جماعة الإخوان، ونزوح الأعضاء الناشطين من صفوفها. ويرتكز هذا الفصل على مقابلات مع أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الإخوان المسلمين. وقد سألنا عن التجربة الحية لكون المرء عضواً أو عضوة في تنظيم الإخوان المسلمين في أعقاب مذبحة رابعة في آب (أغسطس) 2013، بما في ذلك في المنفى الذي أعقب ذلك.

ويلفت المركز في قراءته التحليلة إلى أنّ الخطوط الفاصلة بين ما هو شخصي وما هو سياسي أو تنظيمي كانت غير واضحة، وغالباً ما كان الأكثر ضعفاً يدفعون الثمن.

هذا، ويتعامل الإخوان مع جيل مرّ بمحنة، مثلما فعل كبار أعضاء التنظيم، متحدّين بذلك الادعاءات التقليدية لشرعية قاعدة المحنة، كما أدى تغير السياق الاجتماعي والسياسي إلى جعل آليات التوظيف والاستبقاء التقليدية أقلّ فعالية.

مواضيع ذات صلة:

عنف الإخوان منذ الثلاثينيات حتى 30 يونيو.. عندما قال المرشد: نعم نحن إرهابيون

على جدول الإخوان

كوميديا "الإخوان" في ذكرى الثورة!

الصفحة الرئيسية