الديبلوماسية الروحية تساعد المغرب على مواجهة التمدد الإيراني في أفريقيا

الديبلوماسية الروحية تساعد المغرب على مواجهة التمدد الإيراني في أفريقيا

الديبلوماسية الروحية تساعد المغرب على مواجهة التمدد الإيراني في أفريقيا


11/12/2023

تنافسية عالمية شرسة باتت تتصاعد اليوم على الدخول إلى القارة الأفريقية، باعتماد مختلف الوسائل الممكنة، بما فيها الأمن الروحي، وهو ما تتقن إيران استغلاله، لكنّ المغرب يدافع عن أولويته في هذا الجانب بحكم تاريخه المشترك وبحكم موقعه المهم في العمق الأفريقي.

فبرغم أنّ إيران استطاعت في العقدين الماضيين تحقيق اختراقات للنسيج الديني والاجتماعي في غرب أفريقيا، من خلال المنظمات الخيرية الشيعية الحكومية والأهلية والمشاريع الاقتصادية الاستثمارية، لكنّ المملكة المغربية باتت تتحرك خلال الأعوام الأخيرة لمنع هذا التمدد، خصوصاً أنّها من بين الدول المعروفة بنشر الطرق الصوفية في القارة الأفريقية.

ولا يبدو أنّ وعي المغرب بالتهديد الشيعي وليد اليوم، بل يعود إلى فترة ثمانينيات القرن المنصرم، فقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني، في كلمة له ألقاها أمام المجلس الأعلى للعلماء عام 1984 أن نبّه صراحةً إلى المخاطر والتهديدات التي ينطوي عليها نشر التشيع في غرب أفريقيا على أمن دول المغرب الكبير ككل واستقرارها.

لذلك تجدد المملكة في كل مناسبة تأكيدها على أنّها حريصة على تحصين جيرانها روحياً، بحكم أنّ الأمن الروحي لمحيطها الأفريقي من أهم أساسيات التصدي لأطماع التشيّع الإيراني في القارة.

مؤسسة محمد السادس تتصدى

وقد ظل المغرب أعواماً طويلة حريصاً على توظيف مختلف صيغ الأمن الروحي بالاعتماد على الدين الإسلامي في إطار مقاربة ناعمة، لكي يكون دين الدولة المغربية حاضراً في أفريقيا، وذلك من خلال مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

العاهل المغربي متوسطاً علماء من دول أفريقية

هذه المؤسسة التي حملت على عاتقها توحيد جهود علماء المغرب وباقي دول القارة السمراء لحماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للشعوب الأفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، مع زيادة المحاولات لزرع الفتنة لتحقيق أهداف سياسية ظهرت جلياً في التحركات الإيرانية لتصدير التشيع والإسلام السياسي.

ومؤخراً، أكد رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غينيا عبد الكريم ديوباتي، في كلمة باسم علماء المؤسسة، بمناسبة انطلاق أشغال الدورة السنوية العادية الخامسة لاجتماع المجلس الأعلى للمؤسسة التي تحتضنها فاس ما بين 6 و8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أنّ "علماء القارة الأفريقية اجتمعوا على أصول ومذاهب تم الاتفاق عليها والالتزام بها اقتداء بالسلف الصالح في ممارستهم لشعائر الدين تحت مظلة إمارة المؤمنين".

 

إيران استطاعت في العقدين الماضيين تحقيق اختراقات للنسيج الديني والاجتماعي في غرب أفريقيا من خلال المنظمات الخيرية الشيعية

 

وأشار محللون إلى أنّ تصريح ديوباتي كان يعني، دون الإشارة إليه صراحة، أنّ هناك محاولات إيرانية واضحة في الأعوام الأخيرة للتمدد في غينيا والدول الأفريقية عبر الخطاب الديني الدخيل على المنطقة.

وأمام هذه التحديات يسعى العلماء الأفارقة للتمسك بقيمهم وحماية العقيدة الروحية من التدخلات السياسية تحت مظلة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

وأكد ديوباتي أنّ هذه الثوابت الدينية المشتركة "تشكل منظومة متكاملة من السمات الروحية والاختيارات التدينية التي أصبحت قوية أكثر من أيّ وقت مضى، بفضل جهود ومبادرات مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي يحرص الملك محمد السادس على أن تكون إطاراً للتعاون وتبادل التجارب وتنسيق الجهود بين العلماء الأفارقة".

وأضاف ديوباتي أنّ "العلاقات الدينية والروحية بين البلدان الأفريقية تُعتبر علاقات أخذ وعطاء وتفاعل، ممّا يتيح الاشتراك في اختيارات دينية أسسها ورعاها العلماء وحراس الوجود المعنوي للأمة، المؤتمنون على تبليغ شرع الله في أسسه ومقاصده".

وشدد على أنّ اهتمام المملكة بالشأن الأفريقي "متجذر في التاريخ وثمراته في العصر الحاضر"، مشيراً إلى حضور العلماء الأفارقة المستمر في الدروس الحسنية واحتضان مدينة فاس لمؤتمرات ومهرجانات الطرق الصوفية، فضلاً عن توقيع اتفاقيات عديدة للتعاون في مختلف مجالات التنسيق في الشؤون المشتركة وخاصة في المجال الديني.

أساليب إيرانية للتسلل إلى القارة الأفريقية

تشير تقارير استخباراتية إلى أنّ استراتيجية طهران تجاه أفريقيا تعتمد على بناء النفوذ المدني والسياسي قبل تحويل ذلك النفوذ إلى قوة عسكرية لتنفيذ المصالح العليا الإيرانية، وقد نظّم العديد من المؤتمرات واللقاءات تحت ستار ديني، ضمن مشروع قومي لنشر التشيع في (30) دولة أفريقية.

هذه التقارير تؤكد أنّ الدور الذي تقوم به الجالية اللبنانية الكبيرة المحسوبة على حزب الله اللبناني في القارة الأفريقية، بخصوص الدعاية ونشر المذهب الاثني عشري"، ساعد إيران في تحقيق التسلل إلى قلب القارة الأفريقية ونشر التشيع.

كذلك اعتمد هذا الانتشار على أساليب أخرى عدة؛ "منها تقديم المنح الدراسية للطلبة الأفارقة لدراسة العلوم الدينية، سواء في إيران نفسها أو في الدول التي فيها امتداد شيعي كلبنان وسوريا، إلى جانب العمل الخيري القائم أساساً على تقديم المساعدات الإنسانية.

الكنبوري: المغرب راهن منذ زمن على "رابطة علماء المغرب والسنغال"

والمعلومات المتداولة حول مدى الاختراق الشيعي في مجتمعات أفريقيا متأرجحة بين المهولين من خطرها على الانسجام الاجتماعي والديني، والمقلّلين من شأنها لكون الأمر مجرد ظاهرة محدودة لا تأثير لها، لكن الأكيد أنّ إيران والقوى الشيعية المرتبطة بها، استطاعوا ربط علاقات مع المؤسسات والتيارات الإسلامية المحلية، خاصةً بعض الجماعات الصوفية.

وتعمل إيران على ربط التشيّع بالسياسة الدولية لإيران وأهدافها القومية، ممّا يهدد غرب أفريقيا بمزيد من التوترات والحروب الداخلية، خاصة مع تنامي الصراع الدولي على أفريقيا، والتي تدخلت فيها إيران بتكوين وتجهيز "حزب الله النيجيري" الذي تجاوز تأثيره نيجيريا ليمسّ عموم منطقة غرب أفريقيا.

صراع قديم يتجدّد

يُذكر أنّ المغرب دخل منذ أعوام في مواجهة مفتوحة مع إيران عندما اتهمها بدعم جبهة "بوليساريو" الانفصالية المدعومة من الجزائر وتتنازع مع المملكة على الصحراء، لكنّ المواجهة اتخذت طابعاً آخر إقليمياً، حيث يتردد باستمرار أنّ طهران تحاول ترسيخ نفوذ لها في القارة الأفريقية.

إدريس الكنبوري، الباحث المغربي في الفكر الإسلامي، قال: إنّ المغرب راهن منذ زمن على "رابطة علماء المغرب والسنغال"، التي سعت لتقريب الآراء الفقهية والمذهبية بين الدعاة في البلدين"، وأضاف، في تصريحه لصحيفة (هسبريس) المغربية، أنّ "بين المغرب وأفريقيا، خصوصاً بعض البلدان المؤثرة في القارة، تقارباً، وأنّ هناك حُضوراً وازناً للزوايا؛ على رأسها "الزاوية التيجانية" المهيمنة في جنوب الصحراء".

وأكد الكنبوري أنّ "المغرب يستطيع أن يحاصر بهذه الدبلوماسية سرديات التشيع في أفريقيا، وأن يصدّ "المدّ الشيعي" القادم من إيران، وأيضاً "المدّ السنّي" القادم من تركيا".

 

المملكة المغربية باتت تتحرك خلال الأعوام الأخيرة لمنع هذا التمدد، خصوصاً أنّها من بين الدول المعروفة بنشر الطرق الصوفية في القارة الأفريقية

 

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة: إنّ "بلاده تعاني من التدخل الإيراني"، لافتاً إلى أنّ "طهران هي الراعي الرسمي للانفصال والإرهاب في العالم العربي مع وجود تواطؤ".

وفي وقت سابق أيضاً، اتهم سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال إيران بالوجود في شمال القارة الأفريقية ومخيمات تندوف في الجزائر التي تؤوي عدداً من أنصار جبهة "بوليساريو" التي قال إنّها تتلقى هي الأخرى تسليحاً من إيران.

ولم تعد السلطات المغربية تخفي أنّها في سباق مع الوقت لقصقصة أجنحة إيران في القارة الأفريقية التي يسودها الإرهاب والعنف الناجم عن الانقلابات العسكرية والتشدد الديني، ممّا يخلق مناخاً ملائماً لاختراقات محتملة من أيّ جهة.

فقد قال بوريطة، في وقت سابق أمام مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان): إنّ "إيران تحاول الدخول إلى غرب أفريقيا لنشر المذهب الشيعي، والأمن الروحي للمغاربة وللقارة الأفريقية يُعدّ من بين الأولويات للتصدي للأطماع الإيرانية في القارة"، ممّا يعطي لمحة كافية عن الأهمية التي توليها الرباط للتصدي لإيران.

مواضيع ذات صلة:

التشيع في المغرب: وهم يراهن عليه الولي الفقيه كطابور خامس

الشيعة العرب..هكذا استغلت وشوهت إيران قضايا الوطن العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية