“قوات الفجر” وتعبئة طهران لسنة لبنان.. الاستعراض العسكري لـ”الجماعة الإسلامية”

“قوات الفجر” وتعبئة طهران لسنة لبنان.. الاستعراض العسكري لـ”الجماعة الإسلامية”

“قوات الفجر” وتعبئة طهران لسنة لبنان.. الاستعراض العسكري لـ”الجماعة الإسلامية”


04/05/2024

سامح إسماعيل

مع التصعيد المستمر في لبنان، ومنذ اندلاع الهجمات العسكرية لـ”حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، برز، بين الحين والآخر، اسم “قوات الفجر” الجناح العسكري لـ”الجماعة الإسلامية” (إخوان لبنان)، والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى خمسينيات القرن الماضي مع القيادي الإخواني السوري مصطفى السباعي، والذي نجح في نشر والترويج لأفكار الجماعة الأم للإسلام السياسي في البيئات السنية ببيروت وطرابلس.

استحواذ الجناح العسكري لإخوان لبنان على الفضاء السني مع انحسار “تيار المستقبل”، وانكماش الحريرية السياسية، بفعل أزمات عديدة، من بينها التأثيرات العنيفة لـ”حزب الله” اللبناني ونفوذ إيران المتنامي، يثير تعقيدات مباشرة على الوضعين المحلي والإقليمي، الأمر الذي يتفاقم في ظل الأزمة المحتدمة بغزة. فتحالف أو اصطفاف الإسلام السياسي السني والشيعي برعاية طهران بالمنطقة وفق مبدأ “وحدة الساحات” وتنفيذ أجندة الممانعة، والالتحاق بعمامة “الولي الفقيه”، يجعل لبنان سياسياً وخارجياً أمام منعطف صعب ليس في احتمالية انفجار الوضع فقط، لكن في ما يخص قرار السلم والحرب الذي بات في يد الجماعات المسلحة والتي تهيمن بإرادتها على القوى المجتمعية والمجال العام كما باقي المؤسسات والأجهزة بالدولة المرتهنة بمصالح طهران.

ولا يخفي قيادات “الجماعة الإسلامية” وجود تنسيق وترابط وصلات عضوية مع “حزب الله”. ففي تصريحات سابقة لعلي أبو ياسين رئيس المكتب السياسي للجماعة في آذار/ مارس الماضي، قال: “كل القوى التي تعمل في الجنوب اللبناني تنسق بين بعضها البعض”. ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” (أ ف ب) عن القيادي بالجماعة قوله: “تنسق الجماعة ميدانياً مع حماس و(حزب الله) في جنوب لبنان”.

“الجماعة الإسلامية” وبناء المصالح الجيوسياسية

مع انسحاب “تيار المستقبل” من الانتخابات النيابية بعد “انتفاضة تشرين” عام 2019، كان لافتاً ظهور “الجماعة الإسلامية” والتي عمدت إلى ملء الفراغ السني وزاد الأمر بعد حرب غزة، ودخول الجناح العسكري في المعركة والظهور بسلاحه بشكل علني. لكن هذه العودة للإسلام السياسي السني له سياق يثير مخاوف وتعقيدات جمة، ترتبط بلحظة الانتخابات الداخلية قبل عامين تقريباً داخل “الجماعة الإسلامية”، وقد جاء اختيار الأمين العام محمد طقوش القريب من “حماس” و”حزب الله” وخسارة عزام الأيوبي وجناحه المقرب من تركيا. 

ويمكن القول إن إعادة ترتيب البيت الطائفي الإسلاموي بل الميليشياوي في لبنان، إنما يفضح الغايات الأمنية والإقليمية التي تجري راهناً، حيث تتشكل جبهة “ممانعة” يمكنها فرض إرادتها ومصالحها، بداية إنهاء المعارضة السابقة لبقاء بشار الأسد في الحكم ودور الحزب اللبناني بالتبعية في الحرب بسوريا كما كان موقف الجماعة في ظل جناح الأيوبي وأحمد العمري الذي يحتل منصب رئيس هيئة “علماء المسلمين” وكان منافس طقوش بالانتخابات بينما يحمل (أحمد العمري) الجنسية التركية، ومن ثم، الانخراط في الصراع القائم بغزة بما سيترتب عليه من إعادة بناء المصالح الجيوسياسية في لبنان وخارجها، مثل ترسيم الحدود البرية والتنقيب عن النفط.

صرح طقوش في حوار كاشف بعد انتخابه بنحو ثلاثة شهور عن سياساته التي تشي بانفتاح أو على نحو دقيق وجود تحالفات براغماتية مع “حزب الله”، ملمحاً لوجود خلافات لكنها ليست بالدرجة التي تسبب خلافات جمة أو معارضة وتباين في الرؤى استراتيجية، وقال: “نتفق مع حزب الله في كثير من الملفات من بينها محاربة العدو الإسرائيلي، ونختلف معه في أمور أخرى، منحن والحزب نشبه بعضنا في كثير من الأمور. ورغم فائض القوة الذي يملكه هناك ما يؤرقه مما يؤرقنا وهي الفتنة السنية – الشيعية”. 

وعرج طقوش على علاقته المماثلة بـ”حماس”، مؤكداً “أننا نثق بها”. وأوضح: “يصور البعض أن الجماعة انتقلت من الضفة التركية التي يمثلها الأمين العام السابق الشيخ عزام الأيوبي إلى الضفة الإيرانية التي أمثلها أنا. لكن، ألم يحصل اللقاء بين الأيوبي والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله؟”. 

وتابع: “أنا والأيوبي واحد. لسنا مع تركيا ولا مع إيران ولا مع قطر، نحن حزب لبناني مستقل يتخذ قراراته بحسب المصلحة الداخلية، وفي الوقت عينه ننتمي فكرياً إلى جماعة الإخوان التي ينتمي إليها ملايين المسلمين، ولكن لا دولة أو تنظيم أو حزب يمكن أن يُملي علينا قراراتنا، لسنا في أي من هذه المحاور، بل إن محورنا هي مبادئنا ولا دولة تدفع لنا فلساً واحداً عكس ما يُشاع. وهناك أسرار في هذا الإطار قد أُفصح عنها يوماً”.

دور “قوات الفجر” بحرب غزة

رغم محاولات الأمين الجديد التأكيد على استقلالية تنظيمه وتبرير علاقاته المصالحية وارتباطاته بالتنظيمات الأخرى الإقليمية والتي لها أنشطة في لبنان، وتتخذ منها قاعدة لسياستها على أكثر من صعيد محلي وخارجي، إلا أنه لا يكف عن تمرير تماهيه مع “محور المقاومة” بل ويبرر هذا التناقض بأنه ليس تناقضاً إنما هو الإمعان في البقاء عند حدود “قناعتنا ومبادئنا”. فقال: “نشكر إيران على دعمها للمقاومة وتقديم أي مساعدة للشعب اللبناني تماماً كما ننتقدها على وقوفها في وجه الثورات العربية ومن بينها سوريا، كما نشكر تركيا على كثير من المواقف وننتقد استقبال رئيسها لرئيس كيان العدو وتطبيع العلاقة معه. بالتالي، قد يقال عنّا إننا نناقض أنفسنا. لكننا منسجمون مع قناعاتنا ومبادئنا”.

وأوجز طقوش في عبارات سريعة تبدو رسائل لقواعده التي تحمل معارضة للتحالف مع الحزب الشيعي المدعوم من طهران، فرفع لافتة العداء لإسرائيل كونها تجمع الطرفين، فزعم: “نتفق مع حزب الله في كثير من الملفات من بينها محاربة العدو الإسرائيلي، ونختلف معه في أمور أُخرى. نحن وحزب الله نشبه بعضنا في كثير من الأمور. ورغم فائض القوة الذي يملكه، هناك ما يؤرقه كما يؤرقنا وهي الفتنة السنيّة – الشيعية”.

وفي تقرير سابق لـ”مركز كارنيغي”، فقد كشفت الانتخابات عن خلافات عميقة في أوساط “الجماعة الإسلامية”، عكست حالة الاستقطاب القائمة داخل “حماس” حيث تسود انقسامات في صفوف القيادة حول بناء تحالف قوي مع إيران وسوريا. فيبدي يحيى السنوار، زعيم “حماس” في قطاع غزة وأحد مؤسسي الجهاز الأمني للحركة، تأييده لهذا التحالف، في حين أن الممثلين السياسيين التقليديين لـ”حماس”، مثل زعيمها السابق خالد مشعل، يعارضونه. يرى بعض الأشخاص في “الجماعة الإسلامية” أن هذا النمط يتكرر داخل الجماعة، حيث تتفوق الشخصيات الأمنية-العسكرية على الشخصيات السياسية. لا يزال النزاع السوري عامل استقطاب شديد في صفوف العناصر المنتمين إلى “الجماعة الإسلامية”، إلى درجة أن البعض يعتقدون أن نتائج الانتخابات الأخيرة قد تؤدّي إلى انقسام في صفوف الجماعة، التي تُعتبر أساساً صغيرة الحجم نسبياً.

وأردف: “لطالما كانت الجماعة الإسلامية على هامش السياسة اللبنانية. واليوم، يمثلها نائب واحد فقط من أصل 27 نائباً سنياً في مجلس النواب. ونائبها في البرلمان، عماد الحوت، أكثر تعاطفاً مع الفريق الخاسر في الانتخابات الأخيرة، وهو مستعد على الأرجح للانضمام إلى أي مجموعة تنشق عن القيادة الحالية، ما من شأنه أن يحرم الجماعة من التمثيل النيابي. قد لا يكون للجماعة تأثير كبير على المشهد السياسي السني في لبنان اليوم، لكن ثمة متغيرات عدّة من الضروري الالتفات إليها”.

من هنا، كان لافتاً الدور المتنامي والواسع الذي يحظى به عناصر “قوات الفجر” في ظل الحرب بغزة، كونها تقوم بتوفير حواضن يتخفى فيها عناصر الحزب المدعوم من إيران، وكذا تبادل الأدوار الأمنية والعسكرية، ثم إدارة التجمعات الفلسطينية، وحشد كافة الطاقات لاستمرار الحالة التعبوية والاستنفار الأمني العسكري لحساب “الممانعة”. 

فرضت “الجماعة الإسلامية” وهي النسخة السنية من الإسلام السياسي، من نفسها وبواسطة طهران، أو بدعم من الملالي ووكلائهم في لبنان، قوة لها تموضعها ودورها الرئيسي في لبنان، الأمر الذي يختلف عن كافة جهودها ونشاطاتها الدينية والسياسية والأيديولوجية منذ تدشين مركزها الأول عام 1964 في ظل قيادة فتحي يكن والذي انشق لاحقاً عن الجماعة.

 تعبئة طهران لسنة لبنان

تشكلت “قوات الفجر” في ثمانينات القرن الماضي، تحديداً عام 1982، إثر الحرب المندلعة بين “حزب الله” وإسرائيل، بقيادة القيادي الإخواني جمال حبال والذي قتل بعد التأسيس بعام. قاد “قوات الفجر” في لبنان بعد تأسيسها المسؤول العسكري لـ”الجماعة الإسلامية” جمال حبال. وفرضت الجماعة السنية المسلحة وجودها وكثفت من أنشطتها في أحد المراكز السنية بمدينة صيدا، بينما كانت صلاتها بـ”حزب الله” واضحة وقائمة الأمر الذي تسبب بمشكلات وتصدعات تنظيمية. غير أن واقع الحال يكشف عن خفوت الدور الميليشياوي للجناح السني الإخواني منذ مطلع الألفية بعد الانسحاب الإسرائيلي، وعاودت الظهور اللافت مع “طوفان الأقصى”.

ومن بين الأمور اللافتة، هي تعمد القوات الميليشياوية السنية إلى تشييع جثامين عناصرها في العمليات العسكرية في إطار عسكريتاري كرنفالي، لتحويل الموت إلى وسيلة للتعبير عن الدور “الجهادي” المزعوم وفق أهدافها المصالحية والدعائية. وقبل أيام، قضى اثنان من قيادات الجماعة وتم عمل جنازة عسكرية لهما. 

وقبل أيام أيضاً أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاحه في استهداف قيادي بـ”الجماعة الإسلامية”، موضحاً: “قام الجيش الإسرائيلي من خلال طائرة تابعة لسلاح الجو باستهداف والقضاء على المدعو مصعب خلف القيادي في تنظيم الجماعة الإسلامية في لبنان والذي قام بتفعيل أنشطة إرهابية عديدة ضد إسرائيل”. وجاء في البيان: “لقد عمل خلف في تنظيم الجماعة الإسلامية لشن اعتداءات تخريبية وإرهابية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل في منطقة جبل روس (هار دوف) ومناطق أخرى في الآونة الأخيرة”.

وتابع: “لقد عمل المدعو مصعب خلف بتعاون مع تنظيم حماس في لبنان وقام بتنسيق وتنفيذ اعتداءات إرهابية ضد إسرائيل حيث تهدف تصفيته إلى ضرب قدرات التنظيم في تنفيذ اعتداءات إرهابية خطط لها في الآونة الأخيرة ضد دولة إسرائيل على الحدود الشمالية”.

الظهور المتكرر للسلاح 

عسكرة الموت هو ضمن عدة وسائل تمارسها الجماعة الإخوانية لإظهار قوتها، حيث تقوم بتشييع جثامين عناصرها وقادتها بمرافقة ملثمين مع ظهور مقصود للصواريخ “الآر بي جي” والأسلحة الآلية وإطلاق النار الكثيف والعشوائي في الشوارع ومع انطلاق المسيرات، بهدف تحفيز الحواضن والشباب واستمالة وعيهم ناحية “الجهاد” والالتحاق بتنظيماتهم الأصولية المسلحة. والاستعراض العسكري للقتلى في إطار الصعيد اللبناني على خلفية حرب غزة، يتكرر ويبدو عملاً منهجياً.

وبالتزامن مع الاستعراض العسكري الذي قامت به “الجماعة الإسلامية” وإطلاق النار العشوائي الذي تسبب في إصابات بين المدنيين، أصدرت كتلة “تجدد” المؤلفة من عدة نواب لبنانيين، منهم أشرف ريفي وفؤاد مخزومي وأديب عبدالمسيح، بياناً رفضت فيه هذا الظهور المتكرر للسلاح غير الشرعي والمتفلت وقال البيان إن “الدولة بقواها الشرعية المسؤولة الوحيدة عن الدفاع عن لبنان وحماية الاستقرار”. وشدد على أن “السلاح غير الشرعي فهو الوصفة الدائمة للفوضى المؤدية إلى زعزعة السلم الأهلي، وكما نواجه النموذج الذي يمثله مشروع السلاح المرتبط بالمشروع الإقليمي على حساب لبنان، سنقف بوجه كل ما ينتهك الاستقرار ويضعف صورة الدولة ومؤسساتها”. فيما دعت الكتلة المعارضة للمشهد الأمني المتفلت والذي يجعل البلاد على حافة الفوضى والاحتراب الميليشياوي واستعادة فصل الحرب الطاحنة الطائفية في لبنان، المؤسسات الأمنية للدولة بوضع ضوابط لمنع هذا المشهد من التكرار.

وقال النائب إبراهيم منيمنة إن “الجماعة الإسلامية متورطة في سقوط ثلاثة جرحى منهم طفل”، مشيراً إلى خطورة الاستعراض العسكري الذي يعمل على تفكيك الدولة، ويمنح الفرصة لشرعنة سلاح مليشياوي جديد خارج الأطر الشرعية، في إشارة لسلاح “حزب الله” الذي بات قائماً بحكم الأمر الواقع. فيما أوضح منيمنه: “أن المكابرة والفوقية بالتعامل مع اللبنانيين واللبنانيات، وترهيبهم وترويعهم، والإصرار على فرض سلاح جديد من خارج الدولة بالقوة عليهم، يجعلنا نسأل اليوم: هل المقصود بالمزايدة بالعراضات المسلحة من بيروت إلى عكار وطرابلس، أن السلاح يحمي السلاح؟”. وتابع: “إن كان كذلك فهي رسالة مردودة شكلاً ومضموناً، وتؤكد تحذيراتنا السابقة بعد عراضة بيروت، التي لم تكن عابرة إنما فصل من فصول ضرب هيبة الدولة ومحاولات (تشريع) سلاح جديد من خارج الشرعية، وفرضه كأمر واقع!”.

ومن جهته، ذكر النائب وضاح الصادق أن هذا التفلت الأمني والسلاح غير الشرعي “لا يخدم (الظهور المسلح الداخلي) سوى إسرائيل، فالرصاص والقذائف الصاروخية العشوائية سقطت في عكار البعيدة مئات الكيلومترات عن القدس، وأصابت لبنانيين وأظهرت مجدداً الإصرار على دقّ المسمار تلو المسمار في نعش الدولة”.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية