مسلسل "جعفر العمدة" صنع لاستعادة بريق محمد رمضان

مسلسل "جعفر العمدة" صنع لاستعادة بريق محمد رمضان

مسلسل "جعفر العمدة" صنع لاستعادة بريق محمد رمضان


13/04/2023

نجح مسلسل “جعفر العمدة” المعروض حاليا على قنوات مصرية وعربية في إعادة البريق والجاذبية إلى الفنان المصري محمد رمضان، حيث نجح في تلاشي إخفاقه السابق في مسلسل “المشوار” الذي قدم في موسم رمضان الماضي ولم يحقق الانتشار المعتاد، واعتبره البعض من النقاد بداية العد التنازلي لانطفاء محمد رمضان.

ووضع المخرج محمد سامي جهده في “جعفر العمدة” وقدم توليفة فنية متشابكة للوصول إلى النجاح المطلوب لصديقه محمد رمضان، وبما يضمن تعويما جديدا لفنان لا يستطيع الحياة بعيدا عن الجدل والإثارة والعنف ولفت الأنظار إليه.

ورسم سامي شخصية جعفر العمدة في عمل يحمل الاسم نفسه لأجل تجديد الثقة في الفنان محمد رمضان، والذي بدأ الكثيرون يشككون في مقولته الشهيرة “نمبر وان”، ثم وضع المخرج، وهو المؤلف أيضا وشارك في السيناريو والحوار، بقية الشخصيات بما يخدم صورة النجم الخارق للعادة والمباح له الضرب والقتل والسحل والتأديب بعيدا عن سلطة القانون، وسخّر له العديد من الإمكانيات التي وفرت له خلطة مناسبة ساعدته على التفوق على من حوله وتحويلهم إلى أقزام أمامه.

في هذا المسلسل عاد التعاون بين محمد رمضان ومحمد سامي إلى ما كان عليه في مسلسل “البرنس” وحققا فيه نجاحا كبيرا، ويعد “جعفر العمدة” نموذجا شبيها له في بنيته الدرامية وتصرفات “الفتوة” وأولاد الحارة المصرية في الجدعنة والقوة، فضلا عن البيئة الاجتماعية الشعبية، وإن اختلفت الأحداث والتطورات والتفاصيل.

واقع وخيال

نسج منتجو “جعفر العمدة” قصة اقتبست بعضا من الواقع وأعملوا الخيال أيضا، ما أوقعهم في مأزق يتناقض مع الأعراف وأهداف الدولة المصرية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المرحلة وتجاوز القانون، فجعفر أو محمد رمضان متزوج من أربع سيدات على درجة عالية من الجمال وكلهن يتسابقن عليه، بينما ظاهرة الزواج من أكثر من واحدة في مصر نادرة والحكومة تعمل على محاربتها.

وأظهر العمل نساء جعفر العمدة وكأنهن جوارٍ، واستعان المخرج برؤية الأديب الراحل نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة (“بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية”)، وبطلها سي السيد أحمد عبدالجواد الذي تجلس بين قدميه زوجته الحاجة أمينة وتلبي كل رغباته باستسلام وخنوع أو خشوع.

ربما تم إجراء تحسينات في “جعفر العمدة” بما يتناسب مع العصر، لكن تبرير الزواج من أربع والترويج له يهدم التقنين المطلوب لمؤسسة الزواج. أضف إلى ذلك أن جعفر الذي يبدو حكما بين الناس وينهي الخصومات بينهم يفتح ما يشبه البنك الخاص ويستدين منه الجيران والمحتاجون بنسبة فائدة معينة، وعرض عمل بهذه الطريقة وإنتاجه من خلال شركة المتحدة التابعة لجهات رسمية يشرعن هذا السلوك الذي يتنافى مع الخطوات التي تقوم بها الدولة لإصلاح الاقتصاد.

زاد الموقف سوءا مع تجاهل جعفر للقانون، حيث يقوم بالبحث عن ابنه المختفي منذ 19 عاما بمفرده من دون استعانة واضحة بالشرطة، وينتقم ممن تحيط بهم الشبهات في عملية اختطافه على طريقته، ويتعامل مع عائلة فتح الله التي يرتبط بها بعلاقة نسب بالقوة المفرطة ولا يعمل حسابا للقانون، وهي سقطة توحي أن العدالة المصرية في إجازة.

كتيبة فنية معاونة

شارك في المسلسل الفنانة هالة صدقي في دور “صفصف” والدة جعفر وأجادت تقديم دور المرأة القوية في الحارة الشعبية، وجسد دور زوجات جعفر الأربع كل من مي كساب وإيمان العاصي ومنة فضالي وزينة، ولكل منهن مشكلة خاصة أو عيب أو أزمة تحاول أن تخفيها عن أعين الزوج والمحيطين بها، لمنح العمل مساحة من التنوع.

ومعهم في البطولة أحمد فهيم وفتوح أحمد ومنذر رياحنة وطارق النهري وأحمد داش، وكتيبة كبيرة معاونة من الفنانين والفنانات، والتي أجادت في الحدود المرسومة لها، وأسهمت في أن يخرج العمل بصورة جيدة في الإطار العام، والذي أدت التفاصيل داخله إلى عدم الرضا عنه أحيانا، ليس فقط لارتفاع منسوب العنف والضرب، لكن أيضا لزيادة جرعة الإثارة والشعوذة للدرجة التي تكاد تفقد المشاهد البوصلة.

تجسدت براعة المخرج في أنه عرف ماذا يريد الجمهور وعزف لحنه، فإذا وضعنا جانبا المعايير المنطقية في العمل الفني سيكون محمد سامي قد تمكن من الوصول إلى هدفه من أقصر طريق، وهو جذب الجمهور للمسلسل وتأكيد أن رمضان يتمتع بنجومية تدعم شعاره “نمبر وان” في القوة الخارقة والتسامح والحب والرومانسية وتجاوز القانون، أو بمعنى آخر لا توجد خطوط حمراء يمكن أن توقف مسيرته.

يبدو مسلسل “جعفر العمدة” مثل الأعمال الهندية التي لا تنتهي بمجرد اقتراب الحدث من الوفاء بغرضه الرئيسي، حيث تتولد منه الأحداث المتفرعة التي تجر المشاهد إلى منطقة أو مناطق أخرى أشد إثارة، فعندما أصبح “جعفر العمدة” على بعد خطوات من إلقاء القبض على خاطف ابنه الصغير يهرب المجرم، وعندما بدت مربية ابنه المخطوف الفنانة لبنى ونس، على وشك الاعتراف له توفيت في الحال.

قالب من الحكايات

يشعر المشاهد بأن هذا المسلسل يدور في قالب متعدد من الحكايات الطويلة التي تشد الانتباه ولا تترك فرصة إلا ووظفتها لصالح الإثارة. ظهر ذلك في نهاية كل حلقة، حيث كان المخرج يتعمد أن يغلقها على موقف يجعل الجمهور يتمنى أن تبدأ الحلقة التالية على الفور، ويمثل هذا التلهف غراما وتعلقا بمسلسل خانه التوفيق في بعض المعالجات لكنه وفّق في عدم تجاهله وكلما فكر أحدهم في ترك متابعته يجد نفسه مشدودا إليه.

يحسب هذا للمخرج محمد سامي وطاقم العمل، وفي مقدمتهم محمد رمضان، والذي أعاده “جعفر العمدة” إلى سابق عهده، في الجمع بين القوة والبساطة، والتراجيديا والكوميديا، وهي خصال يصعب أن يملكها فنان إلا إذا كان متمكنا من أدواته، ويستطيع توصيل الشخصية إلى جمهور لا تزال شريحة كبيرة منه ترى أن رمضان نجمها الأول، على الرغم من حركاته الغريبة وأغنياته الخارجة عن المألوف وتفاخره بسياراته وساعاته وحفلاته.

براعة المخرج في معرفة ماذا يريد الجمهور وعزف لحنه، فقد تمكن محمد سامي من الوصول إلى هدفه من أقصر طريق، وهو جذب الجمهور

تأتي المشكلة من أن محمد رمضان بات قريبا من التماهي مع هذه الثيمة، والتي إذا خرج عنها أو تنصّل منها تتراجع قدرته على السباحة الفنية، ومن المفترض أن تنمو مع كل عمل مختلف، ويزداد الرصيد الفني مع الإضافة النوعية التي يقدمها، فالتكرار أو إعادة إنتاج أعمال ناجحة بتركيبة جديدة لا يضمن له الاستمرار على القمة.

كما أن المخرج محمد سامي الذي جرب توليفة رمضان في مسلسل “نسر الأغراب” مع أحمد السقا وأمير كرارة لم يتمكن من تحقيق النجاح الذي حققه مع الأول، فقد تكون الكيمياء الفنية تلعب دورا مهما أو الحبكة الدرامية أو كاريزما محمد رمضان.

في كل الأحوال يحتاج التعاون بين المخرج والفنان إلى صياغة جديدة أو فترة هدنة، لأن التفاهم الذي وصل إلى حد الاندماج يمكن أن يتلاشى تدريجيا مع تراجع النجاعة التي تحققت في أعمال سابقة، خاصة إذا تم حصرهما في قالب واحد.

تطرق “جعفر العمدة” إلى قضايا عديدة، لكنه مرّ عليها بسهولة، مثل فكرة التبني واستخدام اسم الأب في نسب طفل، وهي تستحق معالجة درامية مستقلة، من هنا جاءت التخمة الفنية والقصصية، والتي استعان بها صناع العمل على طريقة الحصول على زهرة من كل بستان لضمان تقديم حديقة أو وجبة متنوعة للمشاهد.

ربما يكون ذلك قد توافق مع رغبات الجمهور المحب لتجاوز النمطية، إلا أنه يصاب بالحيرة في بعض الأوقات، فالكثافة التي قدم بها التنوع أفقدته جانبا من أهميته، لأنها وضعت كل عيوب الدراما المصرية في قالب واحد.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية