ما علاقة الإرهاب بالتغير المناخي؟.. دراسة توضح

ما علاقة الإرهاب بالتغير المناخي؟.. دراسة توضح

ما علاقة الإرهاب بالتغير المناخي؟.. دراسة توضح


11/04/2023

إلى أيّ مدى تستطيع الجماعات والتنظيمات الإرهابية استغلال تغير المناخ، وبالتحديد التداعيات التي تترتب عليه لتحقيق أغراضها وأهدافها، خاصة في بعض المناطق التي تعاني من وضع أمني هش، وحالة من عدم الاستقرار السياسي، سؤال تسعى دراسة حديثة صادرة عن مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" للإجابة عليه وتوضيح تأثير التغير المناخي على الأمن القومي للدول وعلى تنامي ظاهرة الإرهاب.

 الدراسة التي أعدها الباحث خالد أحمد عبد الحميد أوردت تصريحاً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمة له خلال اجتماع لمجلس الأمن عقد في كانون الثاني (يناير) عام 2021، حيث حذّر من أنّ التغير المناخي يمكن أن يشكل "أحد العوامل التي تفاقم" احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية، وأنّ التدهور البيئي الذي يشهده العالم يعرّض أيّ منطقة غير مستقرة أو تشهد نزاعات لمخاطر وتهديدات أمنية كبيرة، وذكر أنّ البُلدان الأكثر عرضة للتأثر بأزمة المناخ هي نفسها التي تعاني من غياب الأمن والفقر وضعف الحوكمة وآفة الإرهاب، وفق ما نقلت شبكة "الإندبندنت عربية".

وأشار الباحث إلى أنّ بعض الدراسات أولت اهتماماً بإمكانية وجود علاقة بين ظاهرتي تغير المناخ والإرهاب، وذهب بعضها إلى أنّ تغير المناخ قد يكون دافعاً وراء ما اعتبرته موجة خامسة من الإرهاب.

غوتيريش يحذّر من أنّ التغير المناخي يمكن أن يشكل أحد العوامل التي تفاقم احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية

وأفادت تقارير أصدرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنّ "تغير المناخ بفعل الإنسان يؤدي إلى زيادة تواتر الظواهر المتطرفة وشدتها"، وبالرغم من ذلك، فإنّ الثابت أنّه لا توجد علاقة مباشرة بين الظاهرتين، وقد حاول بعض الباحثين تتبع إمكانية أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة في بعض الدول (نيجيريا على سبيل المثال) إلى تنامي عدد الهجمات التي تشنها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ولكنّهم وجدوا في الوقت ذاته أنّه ليس بالضرورة أن تنطبق هذه النتيجة على كل الحالات، بل إنّها قد لا تنطبق أيضاً على الحالة التي تمّت دراستها في جميع الأوقات.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تؤكد أنّ "تغير المناخ بفعل الإنسان" يؤدي إلى زيادة تواتر الظواهر المتطرفة وشدتها

وأوضحت الدراسة أنّ واقع الأمر أنّه لا يمكن تأكيد وجود علاقة ارتباط للأزمة بين تغير المناخ والإرهاب، فليس من الممكن القول على سبيل المثال إنّه كلما ازدادت درجات الحرارة أو تنامت قوة الأعاصير وغيرها من كوارث طبيعية ناتجة عن تغير المناخ، ازداد عدد العمليات الإرهابية أو العكس؛ إذ قد تتعرض بعض الدول أو المناطق إلى مثل هذه الكوارث من دون أن يؤدي ذلك إلى ظهور جماعات إرهابية، بالإضافة إلى أنّه ليس بالضرورة أن تحتاج تلك الجماعات إلى هذه الكوارث كي تظهر في دولة أو منطقة، وذلك في ضوء أنّ هناك عوامل عديدة أخرى تقف وراء الظاهرة الإرهابية، منها العامل الإيديولوجي.

وذكرت الدراسة أنّ الأمر الذي حظي بالإجماع بين الباحثين هو أنّه لا توجد علاقة مباشرة بين  تغير المناخ  والإرهاب، لكن المؤكد أنّ تغير المناخ يسهم في خلق الظروف التي يمكن من خلالها للجماعات الإرهابية ترسيخ وجودها وتمديد انتشارها، بمعنى آخر قد لا يكون تغير المناخ "سبباً جذرياً مباشراً للإرهاب"، إلا أنّه يُعدُّ قوةً مزعزِعةً للاستقرار تعزز بيئة مواتية لجماعات التطرف والإرهاب، فالتداعيات السلبية لتغير المناخ (الفيضانات- الأعاصير- الجفاف) على الموارد الطبيعية تخلق اضطرابات تؤدي، في مرحلة من المراحل، إلى توافر بيئة صالحة لظهور هذه الحركات ونموها.

ثمّة اعتراف متزايد داخل مجتمعات البحث والسياسة بأنّ تغير المناخ يُعدُّ بمنزلة عامل مضاعف للتهديد

وعلى هذا النحو، ثمّة اعتراف متزايد داخل مجتمعات البحث والسياسة بأنّ تغير المناخ يُعدُّ بمنزلة عامل مضاعف للتهديد، ويُعدُّه مخططو الأمن والاستخبارات الأمريكيون عاملاً مسرّعاً لعدم الاستقرار، فالمناخ في حدّ ذاته لا يسبب عدم الاستقرار، ولكنّه يسهم في توفير العوامل التي تتسبب في حدوث الحالة، ومن ثم فقد ذهبت الولايات المتحدة ومعها فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية وحلف الناتو إلى اعتبار أنّ تغير المناخ يشكّل تهديداً للأمن القومي.

ولتوضيح كيف تستفيد الجماعات الإرهابية من تغير المناخ، سلطت الدراسة الضوء على (3) مجالات رئيسية؛ هي: تحقيق النمو والتمدد، وتجنيد الأتباع الجدد، واكتساب شرعية الوجود في مقابل ضرب شرعية الدولة.

لا توجد علاقة مباشرة بين تغير المناخ  والإرهاب، لكن المؤكد أنّ تغير المناخ يسهم في خلق الظروف التي يمكن من خلالها للجماعات الإرهابية ترسيخ وجودها

وبينت الدراسة أنّ التداعيات السلبية لتغير المناخ تؤدي إلى توفير بيئة تستطيع الجماعات الإرهابية النمو والتمدد فيها، وذلك من خلال أوجه رئيسية عدة؛ فقد تستغل هذه الجماعات التداعيات المترتبة على تغير المناخ (تراجع مصادر المياه – الجفاف – العواصف... وغيرها) وتتخذها وسيلةً لممارسة التأثير سواء على الحكومات أو السكان، من خلال ممارسة تكتيكات من قبيل  الاستيلاء و/ أو التخريب و/ أو النهب، أو قد تسعى للسيطرة على هذه الموارد، بما يساعد في تنامي قوتها ونفوذها.

وعلى صعيد آخر، يمكن أن تكون السيطرة على المساعدات الدولية في حالات الكوارث الناتجة عن تغير المناخ مصدر قوة  لتلك الجماعات، سواء من خلال محاولة نهب هذه المساعدات أو التحكم فيها.

أمّا عن تجنيد الأتباع الجدد، فقد قالت الدراسة: "إنّ الوجه الآخر لاستفادة الجماعات الإرهابية من تغير المناخ يتمثل في تنامي قدرة هذه الجماعات على استقطاب عناصر جديدة وتجنيدها، ذلك أنّ تراجع مستوى المعيشة في المجتمعات التي تعاني من تداعيات تغير المناخ وانتشار البطالة بين الشباب قد يدفعهم للانضمام إلى تلك الجماعات التي تقوم بالترويج لمقولات تخلي الحكومات والدول عن مسؤوليتها في تقديم المساعدات اللازمة، بالإضافة إلى تقديم نفسها باعتبارها قادرة على توفير مصدر للعيش للشباب حين يوافقون على الانضمام إليها".

الجماعات الإرهابية تستفيد من تغير المناخ في (3) مجالات؛ هي: تحقيق النمو والتمدد، وتجنيد الأتباع الجدد، واكتساب شرعية الوجود وضرب شرعية الدولة

أمّا العامل الثالث، فهو اكتساب الشرعية وضرب شرعية الدولة، حيث تستغل الجماعات الإرهابية التداعيات التي تترتب على تغير المناخ لتحقيق هذا الهدف، وهو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته المشار إليها سابقاً، حين قال: "عندما يؤدي تأثير التغير المناخي إلى فقدان سبل العيش، ويخلف حالة من اليأس بين أفراد المجتمع، تصبح وعود توفير الحماية والدخل وتحقيق العدالة – التي يستغلها الإرهابيون أحياناً لتنفيذ مخططاتهم الحقيقية – أكثر جاذبية"، إذ يسعى هؤلاء الإرهابيون لتقديم الوعود لتوفير الحماية والدخل، ممّا يدعم شرعية وجودهم، ويضرب في الوقت ذاته شرعية الدولة، وتؤدي التقلبات المناخية إلى إعاقة قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم الخدمات العامة، "ممّا يؤجج مشاعر السخط ويفاقم عدم الثقة بالسلطات".

الدراسة تؤكد عدم وجود علاقة مباشرة أو ارتباط بين ظاهرتي تغير المناخ والإرهاب، وإنّما هناك علاقة غير مباشرة بينهما

وأظهرت الدراسة في نهايتها تأكيد عدم وجود علاقة مباشرة أو ارتباط لازم بين ظاهرتي تغير المناخ والإرهاب، وإنّما هناك علاقة غير مباشرة بين الظاهرتين، ذلك أنّه لا يمكن القول إنّ ارتفاع درجات الحرارة أو الجفاف أو العواصف تؤدي مباشرة إلى ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية، وإنّما يمكن تأكيد أنّ التداعيات التي تترتب على تغير المناخ توفر بيئة تنمو فيها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وخصوصاً أنّ هذه التداعيات من شأنها أن تضعف من قوة الدولة وقدرتها، سواء على مواجهة هذه الجماعات أو على القيام بدورها في توفير الخدمات للسكان، وهو ما تستغله تلك التنظيمات لمصلحتها.

وقد تمكنت الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وفق الدراسة، من الاستفادة من ظاهرة تغير المناخ، أو بالأحرى من التداعيات التي ترتبت على تغير المناخ، في تحقيق مجموعة من الأهداف؛ أبرزها النمو والانتشار، وتجنيد الأتباع الجدد، واكتساب شرعية الوجود في مقابل ضرب شرعية الدولة، وهو ما يشير بدرجة أو بأخرى إلى أنّ آليات مواجهة الإرهاب التي تعتمد على الجانب الأمني باتت غير كافية، وأنّ هذه الطرائق ينبغي أن تكون في إطار استراتيجية تنموية شاملة. فالثابت أنّ الجماعات والتنظيمات الإرهابية تنمو وتتمدد في المناطق الهشة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وقد أضحت ظاهرة تغير المناخ مُسهمةً بدرجة كبيرة في وضع الهشاشة الذي تصل إليه هذه المناطق، بل إنّها تزيده سوءاً في بعض الأحيان، وهو ما يعني أنّ مواجهة الإرهاب لا بدّ أن تتم ضمن استراتيجيات شاملة تستهدف تحقيق النمو المستدام الذي يساعد الدول في الاستقرار وامتلاك القوة بمفهومها الشامل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية