كيف يمكن فهم الدبلوماسية الإيرانية؟

كيف يمكن فهم الدبلوماسية الإيرانية؟

كيف يمكن فهم الدبلوماسية الإيرانية؟


18/09/2023

إنجي مجدي

هناك مزحة يتداولها الإيرانيون عادة تقول، إن ثلاثة علماء اجتماع، عربي وإيراني وأفغاني، كانوا يجرون بحثاً ميدانياً في العراق بعد الغزو الأميركي مباشرة، عندما قبض عليهم من قبل الأميركيين وإدانتهم بالتجسس والحكم عليهم بالإعدام، لكن منحهم الأميركيون فرصة لطلب أمنية أخيرة قبل إطلاق النار عليهم.

بالنسبة إلى الباحث العربي قال إنه يفضل الموت على أن يطلب خدمة من الأميركيين، وبالفعل تم إطلاق النار عليه فوراً، وقال الإيراني إنه يريد فرصة لشرح سبب إجراء بحثه المشروع ومدى أهمية هذا البحث ولماذا أخطأ الأميركيون في اعتقاله ولماذا ستشكل وفاته خسارة كبيرة للعلوم الاجتماعية، ليسرع الأفغاني بالقول "أطلقوا النار علي الآن قبل أن يبدأ الإيراني في الحديث".

المزحة تحمل كثيراً من المعاني حول نظرة الإيرانيين لأنفسهم، لكنها تسلط الضوء على رغبتهم الدائمة في التفاوض والحوار إما للمناورة أو لتحقيق مكاسب ما، لكن هل يعكس ذلك النهج رغبة حقيقية في التوصل لتفاهم ما؟، فخلال الأشهر الماضية، أبدت طهران استعداداً دائماً للحوار مع دول المنطقة وحتى الولايات المتحدة.

في مارس (آذار) الماضي، توسطت الصين في التقارب بين الرياض وطهران وأثمرت تلك الجهود عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، وزار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان السعودية في أغسطس (آب) الماضي، إذ التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وفي مؤتمر صحافي في الرياض، قال عبداللهيان إن علاقة بلاده بالسعودية "تتخذ مساراً صحيحاً"، مشيراً إلى أنه "طرح فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي" مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان.

ويشير مراقبون إلى أن أي إشارة إلى ذوبان الجليد في العلاقات سينظر إليها بشكل إيجابي من قبل الدول العربية، بخاصة دول الخليج، التي تسعى إلى تخفيف التوترات التي غذتها الصراعات في اليمن وسوريا خلال السنوات الأخيرة.

وبحلول مايو (أيار) الماضي، أعاد المسؤولون الأميركيون والإيرانيون استئناف الدبلوماسية في اجتماعات غير مباشرة رتبتها عمان، التي استكشفت بعض المحادثات التدابير اللازمة للحد من البرنامج النووي الإيراني، والشهر الماضي أجرت واشنطن مفاوضات في شأن إطلاق سراح خمسة مواطنين أميركيين معتقلين لدى طهران ضمن اتفاق ينطوي على إلغاء تجميد أموال إيرانية في كوريا الجنوبية بستة مليارات دولار، وهي الصفقة التي أثارت الجدل في شأن احتمال استخدام طهران تلك الأموال المخصصة لأغراض إنسانية في تمويل برنامجها النووي أو دعم وكلائها في المنطقة، لذلك شن الجمهوريون هجوماً في شأن الصفقة، واتهموا الرئيس جو بايدن بإثراء نظام معاد.

في الوقت نفسه، بدأ بعض الانفراج في الظهور مع الدول الأوروبية بعد أشهر من التوترات المتصاعدة منذ اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد في إيران بسبب مقتل مهسا أميني، وهي شابة كردية إيرانية تبلغ من العمر 22 سنة  اعتقلت من قبل شرطة الأخلاق لعدم ارتدائها الحجاب، وقبل أشهر قليلة، أطلقت إيران سراح ستة أوروبيين كانت تحتجزهم وأجرت محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على اتفاق 2015.

ومع ذلك، فإن الانفتاح الدبلوماسي لطهران على خصومها الإقليميين والدوليين يثير التساؤلات في شأن تأثير ذلك النهج الجديد على احتواء السلوك الإيراني العدواني في المنطقة ودعم الوكلاء الذين ينفذون أنشطة مزعزعة للاستقرار في اليمن والعراق ولبنان وحتى على تقييد أنشطتها النووية.

هنا اختلف المراقبون الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" في شأن احتمال السيطرة على السلوك الإيراني عبر الدبلوماسية وحدها واتفقوا على أن الحوار قد يلعب دوراً أساسياً في تهدئة التوتر.

وسيلة لا غاية

الزميل لدى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن، بهنام بن طاليبلو، قال في تصريح خاص إنه "في نهاية المطاف، فإن الدبلوماسية من جانب الجمهورية الإسلامية ليست غاية، بل وسيلة".

تقول طهران إن "سياسة الانفتاح" التي تنتهجها أسهمت في تهدئة التوترات في الشرق الأوسط، حتى لو كان خطر المواجهة المسلحة لا يزال مرتفعاً مع إسرائيل، العدو اللدود لها. ويرى "بن طاليبلو" أن أحد أسباب تحول طهران إلى الدبلوماسية مع شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو أنها تتطلع إلى ترسيخ الانتصارات السياسية التي حققتها ووكلاؤها عسكرياً على مدى العقد الماضي، فضلاً عن إيجاد فرص جديدة لاستغلال السرد إقليمياً بأن واشنطن ستخرج من المنطقة.

ويعتقد المراقبون أن ما قد يسهم في ضبط السلوك الإيراني هو أنها تأمل أن تسمح لها الدبلوماسية والاتفاقيات الثنائية بإنعاش اقتصادها المتضرر من العقوبات والتضخم المتفشي والانخفاض القياسي في قيمة الريال مقابل الدولار، ففي عام 2018، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني التاريخي وفرضت حملة من العقوبات القصوى على طهران ولا تزال الإجراءات العقابية قائمة وتعد رادعاً قوياً لأي شركة أجنبية تفكر بالاستثمار في إيران، بغض النظر عن جنسيتها.

وفق مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، سنام فاكيل، فإن إيران تسعى إلى إظهار قدرتها على التغلب على خصومها. وأضافت أن إيران "تتطلع إلى إظهار أنه على رغم العقوبات والاحتجاجات الداخلية، فإنها تواصل الصمود في وجه العاصفة من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والخارجية الدولية، وهذه الدبلوماسية تهدف إلى زيادة الارتباط الاقتصادي وتعزيز الروح المعنوية الداخلية".

تخفيف التوترات

ليس خفياً أن المخاوف في شأن الأمن في مضيق هرمز تتصاعد مجدداً، فأخيراً أرسلت البحرية الأميركية قوة قوامها ثلاثة آلاف من البحارة ومشاة البحرية في محاولة للحفاظ على سلامة الشحن في "هرمز". جاء هذا القرار في أعقاب سلسلة من الهجمات الإيرانية الأخيرة على السفن التجارية، بما في ذلك هجومان في يوليو (تموز) الماضي وحده.

وبحسب القيادة المركزية الأميركية، فإن إيران هاجمت أكثر من 20 سفينة تجارية منذ عام 2021، وهو ما يمثل مشكلة لأن الجناة ليسوا قراصنة يمكن التغلب عليهم أو تخويفهم بسهولة، وفق مراقبين أشاروا إلى أن المشكلة الأساسية في مضيق هرمز هي العلاقة العدائية بين إيران والولايات المتحدة، فالسفن التي تعرضت للهجوم ليست سفناً ترفع العلم الأميركي، لكن حمولاتها مرتبطة في الغالب بشركات أميركية، لذا فهذه طلقة موجهة للولايات المتحدة.

لكن يعتقد البعض أن الاتفاق الأخير بين واشنطن وطهران واتجاه الأخيرة للحوار مع منافسيها في المنطقة، ربما يبشر بتخفيف التوترات بين الخصوم. ففي حين توجد نقاط اشتعال متعددة وأعمال عدائية خطرة بين واشنطن وطهران، بما في ذلك دعم إيران للحرب الروسية في أوكرانيا، لكن يقول دبلوماسيون، إنه يمكن لصفقة مثل إطلاق سراح الأميركيين الخمسة مقابل رفع جزئي للعقوبات أن يحقق مزيداً من الجهود الهادئة لمعالجة المخاوف بما في ذلك النشاط النووي الإيراني.

وفي حين أن اتفاق الأسرى منفصل عن القضية النووية، وفق مصدر مطلع على المفاوضات تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية الشهر الماضي، لكنه قال إن الدبلوماسية كانت فعالة في خفض درجة التوتر مع إيران، مشيراً إلى الهدنة التي صمدت بشكل غير رسمي لأكثر من عام في اليمن، حيث تدعم طهران المتمردين الحوثيين. وأشار دبلوماسي من دولة حليفة للولايات المتحدة إلى أن الهجمات التي تشنها الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران ضد القوات الأميركية قد تراجعت أيضاً في العراق.

شعور زائف بالأمان

ومع ذلك، حذر مراقبون من رفع التوقعات في شأن الدبلوماسية المستقبلية، قائلين، إن صفقة السجناء ربما لا تكون علامة على أي انفتاح دبلوماسي أكبر، ويعتقد بن طاليبلو أن النظام الإيراني ربما يسيطر على وكلائه، لكن سيكون ذلك لفترة وجيزة، إذ تتراوح الأسباب وتتعلق أكثر بالظروف المحلية في كل منطقة صراع أو بمحاولة طهران تهدئة واشنطن ودفعها لشعور زائف بالأمان، فاتباع الدبلوماسية لا يلغي قدرات إيران ونواياها.

وقال كريم سادجادبور، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، "إن عداء الجمهورية الإسلامية تجاه الولايات المتحدة أمر أساسي لهويتها كقوة ثورية.. إنها تحتاج إلى أميركا كخصم من أجل شرعيتها الداخلية. إنها على استعداد لعقد صفقات تكتيكية في شأن الرهائن والأسلحة النووية عندما يتطلب الأمر ذلك اقتصادياً، لكن عداءها تجاه الولايات المتحدة استراتيجي ودائم".

من جانب آخر، ندد المسؤول السابق لدى مجلس الأمن القومي في إدارة ترمب الذي يعمل الآن مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، ريتشارد غولدبرغ، باتفاق إطلاق سراح السجناء باعتباره حافزاً للدول الأخرى لسجن المواطنين الأميركيين ظلماً، ثم طلب ما يرقى إلى فدية من أجل إطلاق سراحهم. وقال في تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز"، "إنها ضربة مزدوجة.. سابقة مروعة لسياسة الرهائن لها تداعيات واسعة النطاق على الأميركيين في الخارج، واستمرار الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه سراً دون مراجعة الكونغرس".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية