كيف نقرأ مبادرة القاهرة الشاملة بشأن ليبيا؟

كيف نقرأ مبادرة القاهرة الشاملة بشأن ليبيا؟


07/06/2020

لاقت مبادرة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لإنهاء الصراع الدائر في ليبيا عن طريق حلّ سياسي عادل وشامل، ترحيباً عالمياً وتفاؤلاً داخلياً في إمكانية عودة الحياة إلى طبيعتها في البلد الأفريقي الذي ينهشه الاقتتال الداخلي منذ وفاة العقيد معمر القذافي.

يتماهى الاتفاق الليبي - الليبي الذي رعته القاهرة مع خطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في ليبيا

وكان الرئيس المصري، أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في القاهرة، مساء أمس، عن بنود مبادرة "إعلان القاهرة" لوقف إطلاق النار في ليبيا اعتباراً من غد بما يضمن تمثيلاً عادلاً لأقاليم ليبيا الثلاث؛ طرابلس وبرقة وفزان، في مجلس رئاسي مُنتخب شعبياً تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلزام القوى الأجنبية بتفكيك ميليشياتها وإخراج المرتزقة وتسليم أسلحتها، لتتمكن قوى الأمن من ممارسة مسؤولياتها في الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية، فضلاً عن استكمال مسار اللجنة العسكرية "5+5"، الذي أعدته بعثة الأمم المتحدة "أونسميل" لحل الأزمة الليبية.

لاقت مبادرة الرئيس المصري ترحيباً عالمياً وتفاؤلاً داخلياً

اقرأ أيضاً: صحيفة فرنسية تكشف هدف تركيا الحقيقي من غزو ليبيا

وقال الرئيس المصري، الذي يسعى إلى ضمان الأمن والسلام الداخلي في ليبيا والأمن القومي المصري الذي يهدده وجود أطراف أجنبية وميليشيات إرهابية في الجوار؛ "لا يمكن أن يكون هناك استقرار في ليبيا إلا إذا وجدنا تسوية سلمية للأزمة، تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية، وتكون قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الشعب الليبي"، مضيفاً؛ "إنّ المبادرة ستكون بداية لمرحلة جديدة نحو عودة الحياة الطبيعية والآمنة في ليبيا".

 

 

ما هي أهم بنود الاتفاق وكيف نقرأها؟

إنّ أهم بنود المبادرة المصرية، التي تتماهى مع مخرجات مؤتمر برلين الداعي إلى احترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا وعدم التدخّل في شؤونها الداخليّة ومع مخرجات اجتماعات موسكو الرامية إلى وقف إطلاق النار، تتمثل في ضمان وحدة ليبيا وتسليم الميليشيات لأسلحتها، وإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، بالإضافة إلى العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية وإعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واستعادة الأمن في المجال البحري والجوي والبري.

أعلنت دول عربية وغربية عن دعمها وتأييدها لإعلان القاهرة الذي وصف بـ "الهام" من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا

كما تنص المبادرة على قيام كل إقليم من الأقاليم الليبية الثلاث بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، بما يراعي نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب والنخب السياسية من المثقفين والنقابات، فضلاً عن تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، حيث يقوم المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائباه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيداً لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.

ويشتمل كل ما سبق على التزام تام بأن يكون الحل في ليبيا ليبيّاً، خاصة وأنّ الإعلان عن المبادرة جاء بمشاركة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر وبغطاء من جامعة الدول العربية، الأمر الذي يقوّض التدخلات الأجنبية ويضع حداً لوجود المرتزقة في البلاد، فضلاً عن ضمان النزاهة في تنفيذ شروط الاتفاق من خلال إشراف الأمم المتحدة على المجمعات الانتخابية المعنية باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.

 

 

تأييد عربي وعالمي

أعربت دول عربية وغربية عن دعمها وتأييدها لإعلان القاهرة؛ فقد أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية عن تأييدها "للجهود المصرية الخيّرة الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا الشقيقة، والعودة إلى المسار السياسي"، وثمّنت، في هذا الإطار، "المساعي المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية بحسٍّ عربي مسؤول وجهود مثابرة ومقدرة"، حسبما أفادت وكالة أنباء الإمارات (وامِ).

اقرأ أيضاً: استنساخ السيناريو السوري يثير التساؤلات حول موقع إيران في ليبيا

ورحبت الحكومة الأردنية بالجهود المصرية المبذولة لإحلال السلام في ليبيا، على لسان وزير خارجيتها؛ أيمن الصفدي، الذي وصف المبادرة بتغريدة على صفحته الشخصية في موقع "تويتر"، بأنها؛ "إنجاز مهم ومبادرة منسجمة مع المبادرات الدولية، التي يجب دعمها للتوصل لحل سياسي للأزمة الليبية".

اقرأ أيضاً: ليبيا.. الأُحجية

كما أيدت المملكة العربية السعودية دعوة الرئيس المصري لوقف إطلاق النار في ليبيا، مؤكدة على ترحيبها بكافة الجهود الدولية التي تدعو إلى وقف القتال في ليبيا "والعودة للمسار السياسي على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك ما تم التوافق عليه في مؤتمري برلين وجنيف"، حسبما أفادت وكالة الأنباء السعودية (واس).

اقرأ أيضاً: بعد ليبيا، أردوغان يستعد لغزو اليمن بمن تبقّى من المرتزقة السوريين

وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي حضر مؤتمر الإعلان عن المبادرة في القاهرة؛ عن تثمينه للمبادرة الساعية لإيقاف القتال في ليبيا والتوصل إلى تسوية سياسية متكاملة للأزمة في البلاد، كما رحب الدكتور مشعل بن فهم السُّلمي، رئيس البرلمان العربي، بإعلان القاهرة الرامي لحل الأزمة الليبية والحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا، مشيراً إلى أنّ هذا الإعلان "يضع خريطة طريق للحل السياسي في ليبيا، ويهدف إلى إنهاء الاقتتال بين أبناء الشعب الليبي، وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من كافة الأراضي الليبية".

 

 

بدورها، عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية عن ترحيبها بالمبادرة المصرية، حيث قالت السفارة الأمريكية في ليبيا في بيان على صفحتها في موقع "تويتر"؛ "نرحّب بجهود مصر وغيرها من الدول لدعم العودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق النار. وندعو جميع الأطراف للمشاركة بحسن نيّة لوقف القتال والعودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".

اقرأ أيضاً: في ظل مبادرات السلام.. توكل كرمان تدعو إلى المزيد من الاقتتال في ليبيا!

من جانبها، رحّبت روسيا بالمبادرة المصرية التي وصفتها بـ"الهامة" من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا؛ إذ قالت السفارة الروسية في القاهرة؛ "تقدمت مصر اليوم بالمبادرة الهامة لإنهاء الأزمة في ليبيا، نرحب بكل الجهود الرامية الى تسوية النزاع واستعادة السلام في كافة الأراضي الليبية". كما نقلت وكالة نوفوستي الروسية عن مصدر دبلوماسي روسي في موسكو قوله إنّ "مبادرة القاهرة تعد أساساً لبدء عملية سياسية جادة في ليبيا".

هل يقبل السراج بالمبادرة؟

تترك المبادرة المصرية الكرة في ملعب رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج؛ إذ تُمثل شمولية المبادرة وانطلاقها من مرتكزات وطنية ليبية فرصة للسراج لإثبات ولائه للدولة الليبية وعدم ربطه مصلحة البلاد بأجندات خارجية.

يُدرك السراج أنّ الدعم التركي بالمرتزقة والأسلحة لن يدوم طويلاً؛ فقد بات يُسبب أزمة سياسية لأردوغان على الصعيد الداخلي والخارجي

ورغم إمكانية تحقيق بنود المبادرة الاستقرار في ليبيا كخطوة لإعادة بناء الكيان الليبي العربي وإنعاش مؤسساته الوطنية، إلا أنّ الخبراء والمطلعين على الشأن الليبي، يرون أنّ السراج لا يمكنه الموافقة على المبادرة أو رفضها دون الرجوع إلى تركيا، التي تعمل على إدامة الحرب واستمرار الصراع في ليبيا عبر تمويل الحرب الأهلية بالسلاح والمرتزقة، لتحقيق أهداف اقتصادية وجيوسياسية على حساب أمن الشعب الليبي وثرواته ومقدراته، فمن المتوقع أن يضع أردوغان ما أمكن من العراقيل للحيلولة دون إتمام الاتفاق، وإدامة الاقتتال الذي غذّاه بما يزيد عن 17 ألف مرتزق من فلول التنظيمات الإرهابية في سوريا، فضلاً عن الأسلحة المتوسطة والثقيلة، إلى جانب غرف العمليات الميدانية التي يقودها ضباط أتراك، سيما وأنّ التوافق الليبي على هذه المبادرة سيؤدي إلى ضرب التواجد الأجنبي، وإجبار أردوغان على سحب ميليشياته من ليبيا، والقضاء على مساعيه في نهب ثروات الشعب الليبي وتجنيد أزمتهم في تحقيق أهداف توسعية في المنطقة.

 

 

إلّا أنّ السراج يُدرك أنّ الدعم التركي بالمرتزقة والأسلحة لن يدوم طويلاً؛ إذ إنّ التدخل التركي في ليبيا بات يُسبب أزمة سياسية لأردوغان على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث يرفض الرأي العام التركي تحمّل كلفة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كما أنّ تنامي نفوذ أردوغان في ليبيا يشكل مصدر قلق لأوروبا وموسكو وواشنطن، خاصة مع استخدامه هذا النفوذ للضغط فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، من خلال الاتفاقية المثيرة للجدل التي وقعها مع حكومة السراج، الأمر الذي يضع السراج في محنة مواجهة موقف عربي وعالمي موحد، في ظل دعم هش من تركيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية