كيف تستغل الجماعات الإرهابية ألعاب الفيديو؟

كيف تستغل الجماعات الإرهابية ألعاب الفيديو؟

كيف تستغل الجماعات الإرهابية ألعاب الفيديو؟


23/04/2023

استطاعت ألعاب الفيديو الإلكترونية تحقيق انتشار كبير، بسبب وضعها للاعبين في واقع بديل وتجريبي لبناء هوياتهم، إلا أنّ الإرهابيين والمتطرفين استغلوا هذه النقطة لتجنيد الشباب وتلقينهم، واستدراجهم إلى عالم شبيه بتلك الألعاب، والاستفادة من تلك المنصات للتخطيط لعملياتهم البشعة، والتواصل فيما بينهم.

ويواجه مسؤولو مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي العديد من العقبات في التعامل مع المستجدات التي طرأت خلال عملهم، لا سيّما المتعلقة باستخدام الجماعات المتطرفة للتكنولوجيا بشكل أوسع، خاصة ألعاب الفيديو.

وقد أفرد عدد من مراكز الدراسات مساحات واسعة لبحث تأثير ألعاب الفيديو في استراتيجيات التنظيمات الإرهابية.

وفي السياق، دعا الباحث التركي (باتوهان أوروج) في دراسة بحثية له، ترجمتها ونشرتها مؤسسة ثقافية فكرية في العاصمة الفرنسية، دعا المنظمات الدولية إلى إدراج ألعاب الفيديو في جدول أعمالها لمكافحة الإرهاب، محذراً من أنّ التنظيمات الإسلاموية باتت تميل أكثر نحو التكنولوجيا بمرور الوقت، وتستخدم كلّ أداة توفرها هذه الإمكانية للدعاية الإرهابية، وفق ما نقل موقع أخبار (24).

يُعدّ حزب الله أكثر نشاطاً في إنتاج تلك الألعاب مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى

وتغوص الدراسة التي جاءت تحت عنوان "ألعاب الفيديو والتطرف، تحليل الإرهاب والدعاية في التنظيمات الإرهابية التي تستغل الدين الإسلامي"، وأصدرتها مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، التي تتخذ من باريس وإسطنبول مقرّاً لها، تغوص في العلاقة بين ألعاب الفيديو والراديكالية والإرهاب، وتتناول بالنقاش احتمالية إضافة تلك الألعاب إلى أسباب التطرّف وعوامله، وتقدّم عدّة أمثلة توضح أنّ ألعاب الفيديو باتت في الوقت الحاضر إحدى أهمّ الأدوات الأساسية للدعاية الإرهابية.

واعتبر (أوروج) أنّ الإسلام السياسي ما يزال في قلب موجة الإرهاب القائمة على الدين والتي ما تزال نشطة حتى اليوم، ومن المتوقع أن تستخدم اليوم الجماعات الإرهابية الإسلاموية النشطة التكنولوجيا والفرص التقنية الأخرى بشكل أكثر فاعلية من قبل. وباتت ألعاب الفيديو التي تحوّلت إلى ثغرة أمنية خطيرة في الجناح الأكبر لقطاع الترفيه والتسلية، ترد في الحقيقة في ااستراتيجيات الدعائية للتنظيمات الإرهابية الإسلامية بطرق وأساليب مختلفة، وهي داعش، والقاعدة، وحزب الله.

وتوضح الدراسة أنّه يمكن اليوم إعادة تصدير العديد من ألعاب الفيديو التي تطرح في الأسواق إلكترونياً عن طريق تغيير بعض الخصائص بوساطة الأفراد، بحيث يمكن مشاركة الخصائص التي يتم تغييرها أو إنتاج محتوى جديد للعبة فيديو موجودة. وبفضل الارتباط الوثيق بين التنظيمات الإرهابية والتكنولوجيا، بات من الممكن تغيير بعض ميزات ألعاب الفيديو وخصائصها. وبذلك تتمكّن تلك التنظيمات من التعريف بنفسها، وإضافة أعلامها، وإنشاء محتوى مشابه للأعمال الإرهابية الحقيقية من خلال ألعاب الفيديو التي تصل إلى الكثير من المستخدمين.

مسؤولو مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي يواجهون العديد من العقبات، بما يتعلق باستخدام الجماعات المتطرفة للتكنولوجيا بشكل أوسع، خاصة ألعاب الفيديو

وبهذا الشكل تتلاعب التنظيمات الإرهابية الإسلاموية بألعاب الفيديو المشهورة منها على وجه الخصوص بعدّة طرق، وتتمكن بذلك من الوصول بسهولة إلى شريحة الشباب الذين تمّ تبنّيهم كمجموعة مستهدفة في دعايتها. ومن أشهر الأمثلة على ذلك قيام تنظيم داعش بإنتاج اللعبة المسماة بـ "صليل الصوارم" من خلال تعديل لعبة الفيديو الأكشن الشهيرةGTA -V ، ففي الصور المنشورة عن لعبة الفيديو يتم عزف نشيد "صليل الصوارم" الخاص بـ (داعش)، وتؤدّى الأفعال في لعبة الفيديو كما لو كانت في الحياة الواقعية، حيث يطلق مقاتلو داعش الافتراضيون النار على الشرطة، ويفجرون القوافل بالقنابل. أمّا المثال الآخر، فهو قيام تنظيم القاعدة الإرهابي باشتقاق لعبة فيديو تسمّى "البحث عن بوش"، لتحلّ بعد التعديل محلّ لعبة الفيديو المسماة بـِ "البحث عن صدام".

أصبحت ألعاب الفيديو في الوقت الحاضر إحدى أهم الأدوات الأساسية للدعاية الإرهابية. ويُعدّ حزب الله أكثر نشاطاً في إنتاج تلك الألعاب مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى. فقد أطلق الحزب عام 2003 في الأسواق لعبة فيديو بعنوان "القوة الخاصة" لإعادة تجسيد الهجوم الذي نفذه حزب الله عام 2000 ضدّ الجيش الإسرائيلي. والغاية هي جعل الأفراد جزءاً من هذا الحدث، وتعريضهم للدعاية من خلال اختيار حدث واقعي ونقله إلى العالم الافتراضي.

وما يلفت النظر هو أنّ حزب الله لم يكتفِ بطرح هذه اللعبة فحسب، بل أصدر عام 2007 النسخة الثانية منها تحت مسمّى "القوة الخاصة 2: حكاية العهد الصادق".

وأضاف الباحث القائم على الدراسة أنّ اختيار حزب الله لمثل هذه الاستراتيجية هو في الواقع أخطر ممّا يبدو، لأنّ الحزب اللبناني التابع لإيران، المصنف في الكثير من الدول العربية والغربية ضمن التنظيمات الإرهابية، يبتعد عن البروز إلى الواجهة أثناء إطلاق ألعاب الفيديو المذكورة، وهو ما يعني تعرّض الأفراد للدعاية عن غير معرفة وإدراك أثناء ممارستهم لألعاب الفيديو. ولكلتا اللعبتين مشاركات عديدة ضخمة على الإنترنت، وهي ما زالت متوفرة، ويمكن الوصول إليها في الوقت الحاضر.

ومن المُهم الإشارة إلى أنّ ألعاب الفيديو المذكورة ما تزال متاحة حتى اليوم، وتُحافظ على محتوياتها على مواقع الإنترنت، وبالتالي فإنّ الدعاية التي يتم إنشاؤها داخل ألعاب الفيديو لمرة واحدة، تبقى دعاية طويلة الأمد مقارنة بأنواع الدعاية الأخرى.

وأكد الباحث في ختام دراسته أنّه يجب على المنظمات الدولية إدراج ألعاب الفيديو في جدول أعمالها لمكافحة الإرهاب، ومن الأهمية القصوى من أجل الحدّ من تحوّل ألعاب الفيديو إلى أداة دعاية أكثر خطورة في المستقبل بفضل الإمكانات التكنولوجية المتزايدة.

وفي دراسة أخرى نشرها مركز (عين أوروبية على التطرف) اكتشف أستاذ دراسات الإرهاب في جامعة ولونجونج، آدم دولنيك، أنّ التكنولوجيا سهّلت نقل المعرفة، ومن ثم أصبح بإمكان الإرهابيين أن يتعلموا ويقلدوا الهجمات الأخرى التي يتم بثها بسهولة أكبر. وفي حين أن برينتون تارانت- الإرهابي الأسترالي الذي قتل (51) مصلياً مسلماً بالرصاص في كرايستشيرش، نيوزيلندا- كان أول من بثّ هجوماً إرهابياً، فإنّه لم يكن أول من بث على الهواء مباشرة عملاً وحشياً. ففي عام 2015 أطلق فيستر لي فلانجان، أمريكي الجنسية، النار على أليسون باركر وآدم وأرداهما قتيلين خلال بثٍّ مباشر. وقبل أن يطلق النار على نفسه، حمّل فلانجان، الذي كان عاملاً ساخطاً، مقطع فيديو للحادث، وأرسل وثيقة من (23) صفحة تشرح ما قام به. وبعد أشهر عدة طعن فرنسي، ادّعى ولاءه لتنظيم داعش، بوحشية ضابطين في الشرطة الفرنسية. وصوّر عبد الله العروسي الهجوم ونشره لاحقاً على فيسبوك. في حين لا يوجد دليل على أنّ العروسي كان على علم بهجوم فلانجان الذي بثّ على الهواء، فمنذ عام 2015 كانت هناك حالات عدة لأفراد (محمد مراح، مهدي نعموش، أميدي كوليبالي، إليوت رودجر) سجلوا فيها هجماتهم الإرهابية بالفيديو.

(أوروج) يدعو المنظمات الدولية إلى إدراج ألعاب الفيديو في جدول أعمالها لمكافحة الإرهاب، ويحذّر من أنّ التنظيمات الإسلاموية باتت تميل أكثر نحو التكنولوجيا

كما مكّنت التكنولوجيا الأفراد من الحصول على التدريب. فقد اعترف الكثير من الإرهابيين  خلال محاكمتهم بأنّهم استخدموا ألعاب فيديو مثل "نداء الواجب: الحرب الحديثة"، و"فورتنايت"، و"سبايرو ذا دراجون" كأداة "للتدريب"، مؤكدين أنّ ألعاب الفيديو تقدّم العديد من المهام والتحديات للّاعبين، ممّا يساعد في إعدادهم لشنِّ هجمات فعلية.

وفي الإطار ذاته، عبّرت الأمم المتحدة خلال اجتماع سابق لمجلس الأمن عن القلق إزاء الطريقة التي تسيء بها هذه المجموعات استخدام التطورات في الابتكار التكنولوجي وتتعامل معها للنهوض بأجنداتها. يتضمن ذلك استخدام ألعاب الفيديو على الإنترنت والمنصات المجاورة لتجنيد الأعضاء والدعاية والتواصل وحتى التدريب على الأعمال الإرهابية، على حدّ تعبيرها.

وقالت الأمم المتحدة في ملخص لاجتماع نشرته عبر موقعها الإلكتروني: إنّ مكتب مكافحة الإرهاب سيواصل العمل بشكل وثيق مع كيانات الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك المديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب، لكفالة معالجة إساءة استخدام الإرهابيين للتكنولوجيات الجديدة والناشئة كأولوية شاملة.

ولم تتوقف التحذيرات عند مراكز الدراسات والأبحاث والمنظمات العالمية، بل تجاوزتها لتصل إلى الأجهزة الأمنية، فقد دعت الشرطة الاتحادية الأسترالية الأهالي أخيراً لمتابعة ما يفعله أولادهم على الإنترنت، محذرة من أنّ لديها أدلة تشير إلى استهداف جماعات إرهابية متطرفة  لمنصات الألعاب، لتجنيد المراهقين.

وقالت الشرطة في بيان نقلته شبكة (سكاي نيوز) نهاية العام الماضي: إنّ تلك الجماعات المتطرفة تقوم بتعريض شبان صغار السن لمحتوى خطير، يتضمن إعادة نشر أحداث إرهابية حقيقية عبر منصات الألعاب الإلكترونية.

وأشارت الشرطة إلى أنّ المحتوى المتطرف على منصات الألعاب الإلكترونية بات يمثل "مصدر قلق" لسلطات إنفاذ القانون.

وأوضحت أنّ ألعاباً شائعة تمكّن اللاعبون فيها من إنشاء سيناريوهات قد تكون دموية، وتسجيلها للآخرين، بحيث تتم مشاركتها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومن خلال الاستعانة بألعاب الفيديو لن يضطر الإرهابيون أثناء تخطيطهم لعمل خطير للتحدث أو تبادل الرسائل المكتوبة، ممّا يصعّب من مهمة الجهات الأمنية، إذ يكفي أن يمرروا فيما بينهم رسائل خفية عبر الألعاب التي يمارسونها.

وبما أنَّ الألعاب من العناصر الأساسية للثقافة الشعبية، وبما أنّ المنظمات المتطرفة تسعى باستمرار لاستخدام المراجع والأدوات المستمدة من ثقافة العامّة، فلا غرابة في أن يتم استخدام ألعاب الفيديو من قِبل المنظمات المتطرفة لأغراض مختلفة، بما في ذلك تلقين الأطفال، وتجنيد الشباب ومناشدة جمهور واسع، وتسهيل التطرف وبناء واقعهم المثالي بشكل تفاعلي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية