قانون التجديف في باكستان: هل هو لترويع الأقليات الدينية؟

قانون التجديف في باكستان: هل هو لترويع الأقليات الدينية؟

قانون التجديف في باكستان: هل هو لترويع الأقليات الدينية؟


19/08/2023

يعد التجديف مسألة حساسة في باكستان ذات الغالبية المسلمة، حيث يمكن لأي شخص يعتبر أنه أهان الإسلام أو شخصيات إسلامية أن يواجه عقوبة الإعدام.

وينص قانون التجديف على حظر سبّ للقرآن الكريم والإسلام والنبي محمد، عليه السلام، ويتم معاقبة من يتهم بذلك، وفي 28 حزيران (يونيو) عام 1994 حثّت منظمة العفو الدولية رئيسة الوزراء الباكستاني، آنذاك، بينظير بوتو لتغيير القانون لأنه يتم استخدامه لترويع الأقليات الدينية. وقد حاولت بوتو ذلك لكنها لم توفق. وقد تعرض السياسيون ممن حاولوا تغيير القانون إلى القتل، وفق تقرير لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية. كما قتل شهباز بهاتي الوزير المسيحي في الحكومة الباكستانية وحاكم البنجاب سلمان تيسير المؤيد بدوره لإصلاح القانون حول اهانة الإسلام العام 2011.

 وتشير منظمات حقوقية إلى أنّ المسيحيين يعانون، وبقية الأقليات الدينية، من اضطهاد مزدوج ديني واجتماعي.، ومن المشاكل التي تواجه مسيحيي باكستان قانون التجديف الذي يثير الكثيرَ من الجدلِ، حيث وجهت إلى مئات من المسيحيين جنباً إلى جنب بعض المسلمين اتهامات متكررة بإهانة الإسلام. 

رجل دين باكستان: دنّس المسيحيون القرآن الكريم. على جميع المشايخ والمسلمين الوقوف صفاً واحداً والتجمّع أمام المسجد. الموت خير لكم من أن تقفوا متفرجين

 وفي أحدث المواجهات التي استهدفت مسيحيين بسبب "التجديف" ما جرى الأسبوع الماضي، حيث أضرم مئات المسلمين في باكستان، الأربعاء، النيران في أربع كنائس وقاموا بتخريب مقبرة في مدينة فيصل أباد، حيث اتهمت عائلة مسيحية بتدنيس القرآن، وفق ما أفاد مسؤولون محليون نقلت عنهم وكالة الأنباء الفرنسية.

وبناء على تسجيلات مصوّرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدم زعماء محليون مكبرات الصوت في المساجد لحض أتباعهم على التظاهر.

 وقال رجل دين وفق أحد التسجيلات "دنّس المسيحيون القرآن الكريم. على جميع المشايخ والمسلمين الوقوف صفاً واحداً والتجمّع أمام المسجد. الموت خير لكم من أن تقفوا متفرجين".

وفي تسجيل آخر، هتفت الحشود وطالبت بمعاقبة المتهمين بالتجديف بينما تم إنزال صليب من على إحدى الكنائس.

وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي حشوداً مسلّحة بعصي وحجارة تقتحم منطقة يشكل المسيحيون غالبية سكانها في المدينة، بينما تصاعد الدخان من كنائس وتناثرت قطع الأثاث المتفحمّة في الشوارع.

كما تم تخريب مقبرة مسيحية ومكتب للحكومة المحلية فيما طالبت الحشود السلطات بالتحرّك.

 

وقال الناطق باسم جهاز الإنقاذ في المدينة 1122 رانا عمران جميل لوكالة الأنباء الفرنسية إنّ النيران أُضرمت في أربع كنائس، فيما لم ترد أي معلومات عن وقوع إصابات.

وقال القس الباكستاني آزاد مارشال في مدينة لاهور المجاورة إنّ المسيحيين يشعرون بـ"ألم عميق وضيق" إزاء الأحداث.

وتابع في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) "نطالب بالعدالة وبتحرّك أجهزة إنفاذ القانون والمسؤولين عن إقامة العدل وضمان سلامة جميع المواطنين التدخل فوراً وضمان بأن تكون لحياتنا قيمة في أرضنا".

في غضون ذلك، حذرت مفوضية حقوق الإنسان الباكستانية من أنّ قوانين التجديف في الدولة الواقعة في جنوب آسيا تستخدم سلاحاً لاستهداف الأقليات الدينية وتصفية حسابات شخصية.

المسيحية في باكستان

تُشكل المسيحية في باكستان ثالث أكثر الديانات إنتشاراً بين السكان بعد الإسلام والهندوسية على التوالي، ويُشكل المسيحيون حوالي 2.0% من سكان باكستان، أي حوالي 3.9 مليون شخص، وذلك وفقاً لتقديرات عام 2019، وهي ثاني أكبر أقلية دينية بعد الهندوسية في المجتمع الباكستاني. 

يتبع نصف مسيحيي باكستان الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والنصف الآخر الكنائس البروتستانتية. وينتشر المسيحيون جغرافياً في جميع أنحاء إقليم البنجاب، في حين يقتصر وجودها في بقية المحافظات في الغالب في المراكز الحضرية. هناك ما يقدر بثلاثة ملايين مسيحي يعيشون في إقليم البنجاب الباكستاني، ويُشكلون 75% من مجمل السكان المسيحيين في باكستان.

وتنحدر غالبيّة المجتمعات المسيحية الباكستانية من المتحولين الهندوس أبناء الطبقات السفلى من منطقة البنجاب، في عهد الاستعمار البريطاني. هناك طائفة من الرومان الكاثوليك ميسورة الحال تتمتع بتعليم جيد في كراتشي مكوّنة من المهاجرين التاميل والغوان وقد وصلوا كراتشي عند تطوير البنية التحتية في المدينة من قبل البريطانيين خلال الفترة الاستعمارية بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.

يُمنع على غير المُسلمين من الوصول إلى منصب رئيس الدولة أو رئيس الوزراء في باكستان. كما يُمنع المسيحيون من أن يكونوا قضاة في محكمة الشريعة الفيدرالية

 وفي الوقت نفسه هناك عدد قليل من الجماعات البروتستانتية التي تقوم بالاضطلاع بمهام تبشيريّة في باكستان ولها مقار عديدة ولها مدارس في كراتشي، رغم أنّ معظم أعضائها هناك هاجر خارج البلاد بسبب القيود ضدهم. وفقاً لدراسة "المؤمنون في المسيح من خلفية مسلمة: إحصاء عالمي" وهي دراسة أجريت من قبل جامعة سانت ماري الأمريكيّة في تكساس سنة 2015 وجدت أنّ عدد المسلمين الباكستانيين المتحولين للديانة المسيحية يبلغ حوالي 5,500 شخص.

التمييز ضد المسيحيين

يتعرض المسيحيون إلى جانب الأقليات الأخرى غير المسلمة، للتمييز في الدستور الباكستاني، بحسب "بي بي سي"، ويُمنع على غير المُسلمين من الوصول إلى منصب رئيس الدولة أو رئيس الوزراء. علاوة على ذلك، يُمنع المسيحيون من أن يكونوا قضاة في محكمة الشريعة الفيدرالية، والتي تتمتع بسلطة إسقاط أي قانون يُعتبر غير إسلامي. وبسبب الإضطهادات والتمييز الذي يتعرض له المسيحيون في البلاد هاجر عدد من المسيحيين الأكثر ثراء إلى كندا وأستراليا.

يعد المسيحيون من بين الشرائح الأفقر في المجتمع الباكستاني

 وأدّت الإتهامات بالتجديف في أغلب الأحوال، كما جرى الأسبوع الماضي، إلى اندلاع أعمال عنف جماهيرية استهدفت المسيحيين، في حين عمد إسلاميون مسلحون أيضاً إلى استهدافهم. ومنذ تسعينيات القرن العشرين، وجهت اتهامات لعشرات المسيحيين بازدراء القرآن أو التجديف بحق النبي محمد، على الرغم من أنّ خبراء يقولون إنّ أغلب الاتهامات تذكيها خلافات شخصية. وقامت الجماعات الحقوقية والإنسانية بتوثيق حالات يقوم بها الإسلاميون، كما زعمت، باستهداف الفتيات المسيحيات والهندوسيات لإعتناق الإسلام بشكل قسري ومن خلال الخطف.

ويعد المسيحيون من بين الشرائح الأفقر في المجتمع الباكستاني. ويوجد عدد كبير منهم في كراتشي، جنوبي البلاد، كما توجد كثير من القرى المسيحية في البنجاب ومدينتي لاهور وفيصل أباد.

وتعد لاهور واحدة من المدن التي يكثر بها المسيحيون في باكستان، وكانت هذه المدينة هدفاً لحركة طالبان.

هل المسيحيون جماعة مؤثرة؟

كان أغلبية المسيحيين الباكستانيين يعملون في بلدات ضمن الحاميات العسكرية. وكذلك في كل مدينة ضمن الحاميات العسكرية كانت هناك مناطق تُعرف باسم لال كورتي، كان سكانها عادة من المسيحيين.

غير أنّ المجتمعات المسيحية، كما تتابع "بي بي سي" باتت منحصرة في أفقر قطاعات المجتمع وتعمل في أدنى الوظائف. وكانت قرى بأكملها في مناطق في البنجاب يقطنها مسيحيون يعملون كعمال ومزارعين.

وهناك قطاعات من المجتمع المسيحي ميسورة الحال تتمتع بتعليم جيد واستقرار في مدينة كراتشي، وهي قطاعات جاءت من ولاية غوا الصغيرة في الهند أثناء الاستعمار البريطاني.

والأمر المشترك بينهم جميعاً هو الشعور بالضعف، نظراً لهجرة عدد من المسيحيين الأكثر ثراء إلى كندا واستراليا بعد أن أصبح جو انعدام التسامح في باكستان لا يطاق، وفق التقرير.

بعيداً عن التوترات، يتعايش المسلمون والمسيحيون في الغالب بمحبة كافية تحول دون اندلاع مشاحنات بصفة منتظمة.

لكنّ الاتهامات بالتجديف أدت في أغلب الأحوال إلى اندلاع أعمال عنف جماهيرية استهدفت المسيحيين، في حين عمد إسلاميون مسلحون أيضاً إلى استهدافهم.

وقضت محاكم ابتدائية بإعدام كثيرين، غالباً ما أبطلتها محاكم أعلى درجة لعدم توافر الأدلة أو للتوصل إلى أنّ المُدّعين يستهدفون أشخاصاً لأسباب مادية.

وفي عام 2012، كانت أصبحت فتاة مسيحية، تُدعى رمشة مسيح، أول شخص غير مسلم ينال البراءة في قضية تجديف، وذلك بعد اكتشاف أنّ رجل دين مسلم محلي وراء الاتهام.

مواضيع ذات صلة:

- اشتباكات بين أنصار عمران خان والسلطات الباكستانية... تفاصيل

- مزاعم الهجوم الانتحاري على زعيم الإخوان في باكستان

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية