في ظل القلق من لقاحات فيروس كورونا.. كيف نُميّز الحقائق من الشائعات؟

في ظل القلق من لقاحات فيروس كورونا.. كيف نُميّز الحقائق من الشائعات؟


31/03/2021

بعد تنفّس العالم الصعداء إثر البدء بحملات التلقيح ضد فيروس كورونا الذي يؤشر بقرب انفراج الأزمة العالمية التي بدأت في أواخر العام 2019 ولا زالت آثارها على حياة سكان العالم الصحية والاجتماعية والاقتصادية قائمة حتى هذه اللحظة، انتقل العالم إلى محطة جديدة في الحرب الشرسة ضد الفيروس، تتمثّل بطمأنة الناس والحدّ من مخاوفهم حول المطاعيم، والبحث في حقيقة الشائعات المُنتشرة حوله، سيما وأنّ المطاعيم كافة لا زالت جديدة والمعلومات حولها مُبهمة لدى العامة، وهو الأمر الذي يزيد من حجم الشائعات وخطورتها.

فما الذي نعرفه عن اللقاحات حتى الآن، وما هي أبرز الشائعات المنتشرة حولها؟ وما هو رأي المنظمات الصحية فيها؟

ما هي أهمية اللقاح؟

تؤكد منظمة الصحة العالمية على موقعها الإلكتروني أنّ لقاحات كوفيد-19 توفّر الحماية من المرض، نتيجة لتحفيز الاستجابة المناعية لفيروس كورونا-سارس-2، وتحفيز المناعة عن طريق اللقاح يعني الحدّ من مخاطر الإصابة بالمرض والآثار المترتبة عليه، ولا يعني ذلك أنّ اللقاح يحمي كُلياً من الإصابة بالفيروس أو يمنع الإصابة، بل يحدّ من المخاطر المصاحبة للإصابة.

الجزيئات الرئيسية التي تحمل المعلومات في الخلية وتقوم بتوجيه عملية إنتاج البروتين

وتساعد المناعة التي يكتسبها الجسد المُتلقي للقاح على محاربة الفيروس في حال التعرض له، فضلاً عن حماية الأشخاص المحيطين به، ذلك أنّ حماية مُتلقي اللقاح من العدوى ستُقلّل من احتمالات نقل العدوى إلى الآخرين، سيما الأشخاص المعرّضين بشدة لمخاطر الإصابة بالمضاعفات الوخيمة لمرض كوفيد-19، مثل مقدمي الرعاية الصحية وكبار السن والمسنين، وسائر الأشخاص المصابين بأمراض أخرى، ما يعني أنّ فاعلية اللقاح تترتب بشكل أساسي على تلقيه من قِبل أكبر عدد مُمكن من الناس.

كيف يعمل اللقاح وما حقيقة تأثيره على الحمض النووي للإنسان؟

إنّ آلية عمل جميع اللقاحات واحدة؛ وهي تعليم الجسم على التعرّف على مسبّب المرض لإنتاج استجابة مناعيّة، وثمة عدة تقنيات لتحقيق ذلك في حالة الأمراض الفيروسيّة، منها استخدام "فيروس ميت"وهي فئة اللقاحات "المُعطِلة"؛ مثل لقاحات شركتي سينوفاك وسينوفارم الصينيتين.

رغم اختلاف التقنيات المستخدمة في إنتاج لقاحات كورونا، إلّا أنّ الأعراض الجانبية المصاحبة لها متشابهة إلى حدّ ما وهي أعراض طفيفة بشكل عام

وهناك لقاحات "الوحدة الفرعية" التي تعتمد على البروتينات، التي تُحفّز على إحداث استجابة مناعية بدون الفيروس نفسه، فضلاً عن اللقاحات الأكثر ابتكاراً والتي تُسمّى بـ "لقاحات الناقل الفيروسي"، والتي تستخدم فيروساً آخر يتم تحويله وتكييفه لمحاربة كوفيد-19، وهي التقنية التي اختارتها جامعة أكسفورد والروس والتي تستخدم فيروسات غدية.

وثمة مشاريع تعتمد على لقاحات تحتوي جزءاً من الحمض النووي للفيروس RNA، وهي منتجات تجريبية تستخدم من المواد الجينية المُعدلّة، مثل لقاحات فايزر.

وقد تسبّب هذا النوع الأخير ببعض اللّبس لدى الناس، نظراً لاحتوائه جزءاً من الحمض النووي للفيروس، حيث تمّ تداول شائعات تُشير إلى أنّها تُغيّر الحمض النووي للإنسان. 

منظمة الصحة العالمية: تحفيز المناعة عن طريق اللقاح يعني الحدّ من مخاطر الإصابة بالمرض والآثار المترتبة عليه

ورداً على هذه الشائعات، أكّد العالم الجيني الفرنسي أكسل كان أنّ مرسال الحمض النووي الريبي RNA الموجود في اللقاح يعيش لفترة محدودة في جسم الإنسان؛ إذ إنّه بعد خلق مستضدات فيروسيّة بوقت قصير سيُدمّر الحمض الريبي، مُشيراً إلى وجود حمض نووي ريبي في جسم الإنسان أكثر بملايين المرات من الكمية الموجودة في اللقاح. 

اقرأ أيضاً: تعاون صيني إماراتي لإنتاج لقاحات كورونا بسعر ميسر... تفاصيل

ويؤكّد العلماء أنّ العملية التي تحدث في جسم الإنسان المُتلقي للقاح لا يُمكن بأي شكل من الأشكال أن تُغيّر الحمض النووي له؛ إذ قالت الدكتورة ماريا فيكتوريا سانشيز من مختبرات IMBECU-CCT-CONICET بالأرجنتين إنّ تحويل المعلومات الجينية إلى بروتينات فيروسيّة يحصل داخل السيتوبلازم وليس داخل نواة الخليّة التي تتضمّن الحمض النووي للإنسان، وفق ما أوردت وكالة "فرانس برس".  

وأوضح عالم المناعة جان دانيال لو ليافر أنّ "القول إنّ مرسال الحمض النووي الريبي الذي يدخل الجسم عبر اللقاح يمكن أنّ يغيّر الحمض النووي للإنسان يشبه إلى حدّ ما قول إنّ الطفل يمكن أن يلد أمّه". 

الجدل حول لقاح أسترازينيكا

ازدادت مخاوف الناس حِدة من لقاحات كورونا بعد تداول أخبار حول اتخاذ بعض دول الاتحاد الأوروبي إجراءً احترازياً بوقف استخدام لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19، بناءً على تقارير تشير إلى حدوث حالات نادرة من اضطرابات تخثر الدم لدى أشخاص تلقَّوا هذا اللقاح، وكان آخر هذه الدول ألمانيا التي اقتصرت استخدامه على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً بسبب "تأثيرات جانبية نادرة لكنها خطيرة للغاية"، وفق ما أورد موقع "دوتشه فيله".

اقرأ أيضاً: ما يمكنك وما لا يمكنك فعله بعد تلقي اللقاح

وقد تلقّت منظمة الصحة العالمية هذه الأنباء بجدية وأصدرت بياناً حولها يؤكد أنّ "التطعيم ضد كوفيد-19 لن يحدَّ من الأمراض أو الوفيات الناجمة عن أسباب أخرى، ومن المعروف أنّ حالات الانصمام الخُثاري كثيرة الحدوث؛ فالانصمام الخُثاري الوريدي هو ثالث أكثر أمراض القلب والأوعية الدموية شيوعاً على مستوى العالم". 

القول إنّ مرسال الحمض النووي الريبي الذي يدخل الجسم عبر اللقاح يمكن أنّ يغيّر الحمض النووي للإنسان يشبه القول إنّ الطفل يمكن أن يلد أمّه

وأشارت المنظمة إلى أنّه من الشائع خلال حملات التطعيم المكثفة أن تشير البلدان إلى أحداث ضارة محتملة تالية للتطعيم "ولا يعني ذلك بالضرورة أنّ الأحداث مرتبطة بالتطعيم في حد ذاته، ولكن التحري عنها من الممارسات الجيدة ويدل على نجاح نظام الترصُّد وعلى وجود ضوابط فعالة".

وقالت المنظمة إنّها تتواصل بانتظام مع الوكالة الأوروبية للأدوية والهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم، للاطلاع على أحدث المعلومات الخاصة بمأمونية لقاحات كوفيد-19، مؤكدة أنّ اللجنة الاستشارية العالمية المعنية بمأمونية اللقاحات التابعة للمنظمة تعكف على إجراء تقييم دقيق لأحدث البيانات المتاحة بشأن مأمونية لقاح أسترازينيكا، وأنّها ستعلن عن النتائج لعامة الناس فور الانتهاء من استعراض البيانات.

إلى ذلك، أوصت المنظمة باستمرار التطعيمات، مُشيرة إلى أنّ "فوائد لقاح أسترازينيكا تفوق مخاطره".

هل يحتوي لقاح أسترازينيكا على أجنة بشرية؟

انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو مدته 5 دقائق، لسيدة تتحدّث عن لقاح أسترازينيكا/أوكسفورد، حيث تُشير إلى أنّه يحتوي على خلايا "أم آر سي-5"، وهي خلايا من أجنّة بشريّة.

لقطة من الفيديو المنتشر

وبحسب وكالة "فرنس برس"؛ فإنّ السيدة وقعت في التباس بسبب اطّلاعها على دراسة نشرتها جامعة بريستول، التي أشارت إليها في الفيديو، حيث تتحدّث الدراسة عن اختبار العقار على خلايا الأجنّة البشريّة وليس عن استخدامها في تركيبته.

هل يُسبّب لقاح فايزر العقم لدى النساء؟

تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تدّعي أنّ لقاح شركتي بَيونتك/فايزر ضدّ كوفيد-19، يسبّب العقم لدى النساء، حيث تدعّي الشائعة أنّ اللقاح "يحتوي على بروتين سبايك يسمى سينسيتين-1 وهو حيوي لتكوين المشيمة البشرية عند النساء، ما يؤدي إلى العقم عند النساء لمدة غير محددة"، وأنّ اللقاح ومن خلال تدريب الجسم على تكوين استجابة مناعيّة تُهاجم البروتين الفيروسيّ، سيؤدّي إلى مهاجمة بروتين المشيمة والتسبّب بالعقم، بسبب تشابهٍ في جزء صغير بين الأحماض الأمينيّة المكوّنة للبروتينين.    

أوصت منظمة الصحة العالمية باستمرار التطعيمات باستخدام لقاح أسترازينيكا وأكّدت أنّ فوائد اللقاح تفوق مخاطره

ورداً على هذه الشائعة، قالت الأستاذة المساعدة في العلوم الميكروبيولوجيّة في جامعة يورك داسانتيلا غوليمي كوترا إنّ تقنيّة مرسال الحمض النووي الريبي (RNAm) التي يعتمدها لقاح فايزر، لا تعمل بهذه الطريقة؛ إذ إنّ مرسال الحمض النووي الريبي يزوّد الخلايا بتعليمات لصناعة بروتين الشوكة الخارجيّة للفيروس (سبايك)".

وأشارت غوليمي إلى أنّ هذا النوع من اللقاحات لا يحتوي على بروتينات من الفيروس، بل على تعليمات للخلايا لتنتج بروتيناً يولّد استجابة مناعيّة تعلّم الجسم الدفاع عن نفسه عندما يصاب بالفيروس الحقيقي. 

تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تدّعي أنّ لقاح شركتي بَيونتك/فايزر ضدّ كوفيد-19، يسبّب العقم لدى النساء

وأكّدت غوليمي كوترا أنّ "المخاوف من احتمال مهاجمة الأجسام المضادّة للبروتين الفيروسيّ بروتين المشيمة ضئيلة جداً، لأنّ سلسلة الأحماض الأمينيّة المتطابقة بينهما صغيرة للغاية"، مُشيرة إلى أنّ الجهاز المناعي للإنسان يتعرّف إلى البروتين المستهدف كاملاً، ولا تقتصر العمليّة على سلسلة قصيرة من الأحماض الأمينيّة.  

وهو ما أكّدته الأستاذة في جامعة لايبزيغ أنيت بيك سيكينجر، والتي قالت إنّه "لو كانت هذه الفرضيّة صحيحة، لكانت كلّ امرأة حامل أصيبت بكوفيد-19 تعاني من العقم، وهذا ما لم يحدث".

لو كانت فرضيّة سينسيتين-1 صحيحة لكانت كلّ امرأة حامل أصيبت بكوفيد-19 تعاني من العقم، وهذا ما لم يحدث

بدورها، أكّدت شركة فايزر عدم وجود أيّ بيانات تشير إلى أنّ لقاح فايزر/بيونتيك يسبب العقم، حيث قالت المتحدثة الإعلامية باسم الشركة ديرفيلا كين إنّ "عدد الأحماض الأمينية المشتركة بين البروتين الفيروسيّ وسينسيتين-1، وهو أربعة، أقصر من أن يسبّب استجابة مناعيّة ضدّ بروتين المشيمة". مشيرة إلى أنّ "لجنة مراقبة بيانات الدراسة لم تبلّغ عن أية مخاوف جديّة تتعلّق باللقاح".   

إلى ذلك، نشرت منظمة الصحة العالمية فيديو نفت فيه كافة الشائعات المتداولة حول تسبّب لقاحات كورونا المختلفة بالعقم، بالإضافة إلى تفنيدها شائعات حول تغيير الفيروس للحمض النووي للإنسان واحتوائه على مواد كيميائية ضارة.

التجسّس

تقول الشائعات المُنتشرة في معظم بلدان العالم إنّ لقاحات كورونا تحتوي على جسيمات صغيرة يمكنها تسجيل البيانات الخاصة لمتلقّي اللقاح، فضلاً عن إشاعات أخرى تدعّي وجود خطة لرجل الأعمال الأمريكي الشهير بيل غيتس لزرع شرائح تجمع المعلومات عن مُتلقّي اللقاح. 

الادعاء باحتواء اللقاح على شرائح للتجسّس عارٍ من الصحة، وذلك لاستحالة الأمر تقنياً؛ إذ إنّ العلم لم يكتشف بعد تقنية تستطيع إدخال روبوتات أو شرائح إلى الجزيئات النانوية في اللقاح

ورغم توصّل العلم الحديث إلى إمكانات هائلة خاصة في مجال التجسّس، واهتمام مختلف حكومات ودول العالم بالفعل بالتجسّس على مواطنيها، إلّا أنّ الادعاء باحتواء اللقاح على شرائح للتجسّس عارٍ من الصحة، وذلك لاستحالة الأمر تقنياً - حتى اليوم على الأقل -؛ إذ إنّ العلم لم يكتشف بعد تقنية تستطيع إدخال روبوتات أو شرائح إلى الجزيئات النانوية في اللقاح"، وهو ما أكّده خبراء تقنيون لوكالة "فرانس برس". 

الآثار الجانبية للقاح

تتمثّل الإشكالية الأساسية في التعاطي مع لقاح فيروس كورونا في الخلط بين الآثار الجانبية للقاح والتي تُعدّ أمراً عادياً يصاحب تلقّي أي لقاح لأي مرض أو فيروس آخر، بل قد تُصاحب تناول بعض الأدوية حتى تلك التي تُصرف دون وصفة طبية، وبين الآثار المُدمّرة والتي قد تُسبّب حالات مرضية مُزمنة تقود إلى الوفاة كما تدعّي بعض الشائعات، لذا؛ من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ لقاحات فيروس كورونا المختلفة قد تُسبّب آثاراً جانبية عديدة تختلف حِدة ظهورها على مُتلقي اللقاح من شخص لآخر بحسب التاريخ الطبي والحالة الصحية والعمر.

من المُمكّن أنّ يُسبّب اللقاح رد فعل تحسسي (anaphylaxis) في بعض الحالات النادرة، والذي تظهر أعراضه مباشرة بعد تلقي اللقاح

ورغم اختلاف التقنيات المستخدمة في إنتاج لقاحات كورونا، إلّا أنّ الأعراض الجانبية المصاحبة لها متشابهة إلى حدّ ما وهي أعراض طفيفة بشكل عام، وتختفي عادة خلال يوم أو يومين بعد التطعيم، أبرزها التعب العام في الجسم، آلام في العضلات، ألم وتورم واحمرار مكان إعطاء حقنة المطعوم، صداع، ارتفاع طفيف في درجة الحرارة وقشعريرة، ومن المُمكّن أنّ يُسبّب اللقاح رد فعل تحسسي (anaphylaxis) في بعض الحالات النادرة، والذي تظهر أعراضه مباشرة بعد تلقي اللقاح.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية