فوانيس رمضان مهنة موسمية محملة بالفرح لأهل غزة

فوانيس رمضان مهنة موسمية محملة بالفرح لأهل غزة

فوانيس رمضان مهنة موسمية محملة بالفرح لأهل غزة


28/03/2023

مع حلول شهر رمضان تنشط صناعة الفوانيس في قطاع غزة بين عدد من العائلات الفلسطينية التي تتخذ من هذه الحرفة مهنة موسمية، ومصدر رزق في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية.

ويعتبر الفانوس بأشكاله وألوانه وأحجامه المختلفة من أبرز مظاهر الاستعداد لاستقبال شهر رمضان في البلاد العربية والإسلامية.

كما يعتبر الفانوس المُضيء رمزا لفرحة الأطفال خلال الشهر، فيقبلون على شرائه في ظل تعدد الخيارات المتاحة أمامهم سواء الفوانيس المصنوعة محليا أو منافستها المستوردة من الخارج.

الفلسطينية عُلا أبوسليم (33 عاما)، واحدة من العشرات من الفلسطينيين الذين يعملون في صناعة الفوانيس قبل أشهر من حلول رمضان.

وأبوسليم، وهي أم لثلاثة أطفال، تصارع الوقت كي تنجز نحو 700 قطعة من الفوانيس الرمضانية المصنوعة يدويا بأدوات بسيطة.

وتعمل في مهنة المشغولات اليدوية داخل منزلها الواقع بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، الذي حوّلته إلى ورشة مؤقتة لصناعة الفوانيس.

وقبل أيام من حلول رمضان تتزين شوارع قطاع غزة ومنازله بالفوانيس والأهلّة البلاستيكية المضيئة.

ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة في غزة إلا أن الفلسطينيين يعبّرون عن فرحتهم بالشهر بإمكاناتهم البسيطة بشراء الفوانيس والأهلّة الخشبية أو البلاستيكية. ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن نحو مليون ونصف مليون فرد من سكان غزة البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة فقر بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع لأكثر من 16 عاما.

وتقول أبوسليم إنها بدأت بتنفيذ طلبية أحد التجّار والمقدرّة بنحو 700 فانوس قبل نحو 3 أشهر ونصف الشهر كي تنجزها وفق الموعد المحدد.

وتضيف، إنها تخصص ساعات المساء لإنجاز هذه الحرفة اليدوية، فيما تُفرد ساعات النهار لقضاء مهامها المنزلية ومتطلبات الأمومة ورعاية الأطفال.

وتجلس أبوسليم بين مجموعة من العيدان الخشبية والقطع القماشية الرقيقة، ذات الألوان والزخارف الهندسية والنباتية المختلفة التي تستخدمها في صناعة الفوانيس.

وتقول، وهي تثبّت الأعواد الخشبية على القطع القماشية، لصناعة هيكل الفانوس، إنها “بدأت بصناعة الفوانيس كمهنة منذ أكثر من عامين”.

وتوضح أنها “حوّلت هوايتها في صناعة الأشكال الجمالية إلى مهنة توفر لها مصدرا للرزق وكي تعينها وعائلتها على تكاليف الحياة”.

وتشير إلى أنها بدأت صناعة الفوانيس باستخدام الأوراق الملوّنة والكرتون، لكنها ومع تطوير مهارتها بشكل مستمر بدأت باستخدام الأعواد الخشبية والقماش.

وقالت إنها اعتمدت في تطوير مهاراتها في الحرف اليدوية بشكل شخصي وبالاعتماد على مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت.

كما باتت أبوسليم تضيف الإضاءة متعددة الألوان إلى هذه الفوانيس حتّى تشكل عامل فرح خاصة للأطفال الذين ينظرون إليه.

وتلفت إلى أن موعد بدء العمل بالفوانيس قبل شهر رمضان يختلف من صانع إلى آخر، وذلك نظرا للكمية التي تُطلب منه والوقت المتبقّي حتى حلول الشهر الفضيل.

وتتنوع أحجام الفوانيس التي تصنعها أبوسليم بين الكبير والمتوسط والصغير، حيث تختلف أسعارها باختلاف الحجم لكنها تبقى ضمن القدرة الشرائية للمواطنين. وتواجه السيدة الفلسطينية عددا من الصعوبات خلال رحلتها في صناعة الفوانيس الرمضانية، يتمثّل أبرزها في انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

هذا الانقطاع يدفع أبوسليم لتكثيف ساعات عملها ليلا، فتقتطع من وقت نومها وتعمل تحت ضغط الوقت كي تلتزم في تسليم الفوانيس في الوقت المحدد.

وتقول “الكهرباء تسبّب في تقليل الإنتاجية، لأن العمل مرتبط بها بشكل أساسي”، وتردف “أضطر للعمل في وقت متأخر من الليل وحتى ساعات الفجر فأحظى حينها بساعتين أو ثلاثة فقط من النوم”.

وتضطر أبوسليم لتحمل هذا الضغط الهائل، والذي يزيد من أعبائها، للحفاظ على مصدر رزقها الذي يساعد في توفير أساسيات الحياة لعائلتها. كما تعاني السيدة من ارتفاع تكلفة بعض المواد الخام التي تستخدمها في صناعة الفوانيس، ما يرفع قليلا من تكلفة الإنتاج.

لكن هذه الصعوبات، وفق أبوسليم، قابلة للتجاوز ولا تشكل عائقا أمام الاستمرار في هذه المهنة وغيرها من الحرف التي تعتمد بالشكل الأساسي على الإبداع والشغل اليدوي.

وفي المواسم غير المرتبطة برمضان، تعكف أبوسليم على صناعة منتجات تعتمد بالشكل الأساسي على حرفة التطريز والكروشيه فضلا عن صناعة بعض الأثاث المنزلي الذي يعتمد على اليد أكثر من الآلات.

وتشير إلى أنها تصنع التحف المنزلية من خلال إعادة تدوير بعض المستلزمات المنزلية والحياتية والتي لم تعد لها فائدة. وتلفت إلى أنها تعتمد في تسويق منتجاتها بشكل أساسي عن طريق عرض عينات منها في المحال التجارية، فضلا عن استغلال موقع فيسبوك لهذا الغرض.

ولا تكاد مدينة أو بيت فلسطينييْن يخلوان من فانوس رمضان وزينته الجميلة ذات الألوان الزاهية، وقد كان حاضرا في الأسواق بأيد عاملة محلية، وصنع بحُب في فلسطين.

وفي فلسطين احترف الأجداد والآباء هذه العادة، فكانت الفوانيس تصنع في البداية من خشب الأبنوس وتُضاء بالزيت، ثم انتشرت الفوانيس المعدنية كتقليد شائع بين العائلات تزين بها موائدها.

وتشتهر القدس وغزة ونابلس بصناعة الفوانيس محليا وبيعها في السوق بأحجام وألوان مختلفة ومتميزة، حيث يتسابق الحرفيون على رسم التصاميم المبهرة على هياكلها بأناملهم المُحِبة، فمنهم من يخطّ عليها آيات قرآنية أو عبارات وأسماء حسب الطلب.

ويضفي الفانوس رونقا خاصاً على المائدة وتضيئه العائلات في أنحاء مختلفة من المنزل، ولا يمكن أن يمر رمضان دون فانوس، إلا أن البعض في فلسطين يرفض ربطه بالدين الإسلامي، لأنه يُستخدم في كافة المناسبات ولدى كافة الطوائف في البلاد. بل هو موروث وتذكير بالماضي وعاداته، حين كان الناس يعيشون دون كهرباء ويحتمون بضوء القنديل.

ولا تقتصر طقوس رمضان على إضاءة الفانوس، بل تتعداها إلى تزيين الشوارع والأحياء بحبال من الزينة المضيئة، فيهرع الشبان وأهل الحارات في القدس ونابلس وطولكرم ورام الله وكل المدن إلى نصب الزينة في الشوارع العامة التي يسلكها الزوار رفقة الأناشيد والأغاني الرمضانية والفلسطينية.

وتقول الروايات إن كلمة فانوس إغريقية الأصل، لكنه انتشر انتشارا واسعا في الدول العربية، منذ تاريخ دخول المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة عام 358 هجريا، أين استقبله حشد بمصابيح تشبه الفوانيس، تزامنا مع حلول شهر رمضان.

ومنذ ذلك الوقت استمر استخدام الفوانيس للإنارة في رمضان. وهناك راوية أخرى تقول إن الخليفة الفاطمي كان حين يستطلع هلال شهر رمضان يرافقه حشد من الأطفال في الشوارع حاملين فوانيس لإضاءة الشارع، فأصبح ذلك طقسا سنويا. وهناك روايات أخرى تقول إن الناس كانوا يحملون فوانيس في مناسبة ما تزامنت مع حلول شهر الصيام، فأصبح ذلك عادة انتشرت بين الشعوب الإسلامية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية