خلافات جبهتيْ لندن وإسطنبول: ما موقف اخوان مصر؟

خلافات جبهتيْ لندن وإسطنبول: ما موقف اخوان مصر؟


09/12/2021

تابع الكثيرون باهتمام ما يحدث من خلافات إخوانية، بين ما تسمى بجبهة منير أو لندن، وجبهة حسين أو إسطنبول. هذه في التسميات الإعلامية الشائعة تبدو غير دقيقة، بالنظر الى أنّ كليهما لم يسيطر فعلياً على ولاء قواعد الإخوان سواء في لندن او إسطنبول، حيث يتوزع ولاء الأعضاء الموجودون في البلدين بين كلا الجبهتين، فضلاً عن وجود قطاع أكبر لا زال يتنظر كلمة إخوان الداخل دون أن يعطي ولاءه لمنير أو حسين.

في آخر التطورات بين الفريقين بعد إقالات متبادلة، وتدشين موقعين إلكترونيين؛ الأول هو "إخوان أون لاين" الذي تسيطر عليه مجموعة محمود حسين، وموقع "إخوان سايت" الذي تم تدشينه مؤخراً بعد أن فشل منير في استعادة الموقع القديم.

موقف إخوان الداخل يرى أنّ ما تواجهه الجماعة مجرد أزمة تنظيمية ناتجة عن تدخل الأجهزة الأمنية واختراق جبهتي الصراع، لذا أتصور أنها ستلتحف بالكمون حتى لو طال

وكشفت مصادر خاصة لـ"حفريات" عن انقلاب جديد على منير من قبل حسين، حيث تحدث الأخير عن أنه اجتمع عبر دائرة إلكترونية مؤمنة مع 37 عضواً من مجلس شورى إخوان مصر، وحصل على تأييدهم لما اتخذه من قرارات بحق منير، كما حصل على دعم 16 عضواً من أصل 26 عضواً من مجلس الشورى الإخواني موجودون في تركيا، بينما لم يدعم منير منهم سوى 10 أعضاء، وبالتالي أصبحت قرارت حسين تحظى وفقاً لذلك بتزكية أغلبية ما تبقى من مجلس الشورى سواء داخل مصر أو خارجها، وهذا ما يبدو من آخر فصول الخلاف التنظيمي بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: قراءة بين السطور

وفقاً للمصادر نفسها، تم عزل منير نهائياً من أية مسؤوليات تنظيمية في الداخل أو في الخارج، هو ومكتبه ومجلس شورى تركيا الذي أجرى الانتخابات التي كان قد قام بها منير، وأعفى بموجب نتائجها مجموعة حسين والقيادات الستة المحسوبة عليه.

خلال هذا الأسبوع ستعلن جبهة حسين عن مكتب إرشاد جديد ولجنة إعلامية جديدة، رغم أنه وفقاً لهذه المصادر لا زالت بعض المكاتب موالية لمنير، مثل مكتب الصومال وماليزيا ونصف إخوان إسطنبول، لكنها قد تسلم هي الآخر بسلطة حسين، بعد أن سلم إخوان لندن بسلطة حسين.

ويبقى السؤال ما هو الموقف الحقيقي لإخوان مصر؟

اقرأ أيضاً: كيف تصبح السجون ميداناً لإعادة تأهيل المتطرفين التائبين؟

يجب التأكيد في البداية أنّ إخوان مصر لم يعودوا على قلب رجل واحد ولا يدينون لقيادة واحدة، بالنظر لحالة السيولة التنظيمية التي ضربت التنظيم بعد خروجه من حكم مصر والقبض على جلّ هيكله التنظيمي.

وعندما ألقي القبض على معظم أعضاء مكتب الإرشاد، الهيئة العليا التي كانت تدير التنظيم وقتها، هرب عدد قليل من أعضائه منهم محمود حسين ومحمود عزت ومحمد كمال.

في غضون ذلك، ظهرت أزمة من الأحق بقيادة التنظيم، وظل الارتباك سيد الموقف بين تعليمات تأتي من الأقوى والأبرز داخل مجلس شورى الجماعة، وما تبقى من أعضاء المكاتب الإدارية للمحافظات، ولم يعد القرار داخل التنظيم مركزياً لأول مرة، حيث برزت مجموعتان تمثلان نهجين متباينين الأولى مجموعة محمود عزت التي تضم محمود حسين وإبراهيم منير في الخارج، والتي كانت تراهن على كمون طويل بعد أن فشلت في إطلاق الفوضى في الساحة المصرية،عبر ما أسمته الحراك السلمي الذي كان انسجاماً مع دعوات المرشد محمد بديع، الذى أطلق شعاره من مسرح رابعة "سلميتنا أقوى من الرصاص".

اقرأ أيضاً: الإخوان ومشاهد الانقسام: أين ذهبت الربانية؟

هنا برز دور محمد كمال المنعوت  بعبدالرحمن السندي في اتهام له من قبل بعض أعضاء جبهة محمود عزت بأنه يريد جر الجماعة إلى العنف من جديد، وهو ما انخرط فيه كمال بالفعل عبر سيطرته على اللجنة الإدارية العليا أو مكتب الإرشاد الجديد للجماعة الذى ألتأم في شباط (فبراير) 2014، وانخرط هذا المكتب في أحداث عنف أودت بحياة محمد كمال في النهاية، حيث أصبحت الجماعة مجموعتين من وقتها إحداهما تمثل ما تبقى من جبهة محمد كمال واتجاهه وهم هيئة المكتب العام في الخارج، ومجموعة محمود عزت قبل أن يحسم الأمر لصالح الأخير وتتوارى جبهة المكتب العام، قبل أن ينطلق خلاف جديد داخل جبهة محمود عزت بعد اعتقاله في سياق صراع على الأموال والصلاحيات بين منير وحسين، قبل أن يصل الى تلك المحطة الأخيرة.

إخوان مصر حتى الان يبدو أنهم يديرون التنظيم في الداخل ضمن ما يسمى الحفاظ على خط الدفاع الأخير وهو خط الأسرة، التي تحافظ على الشحنة الأيديولوجية للأعضاء عبر تأكيد وتعميق الصلة بين الأعضاء وتطوير شكل الأسرة، وهي اللقاء الأسبوعي الدوري ليتمظهر في أشكال متنوعة دون حرص على الدورية التي قد تجلب متابعات أمنية، وهم بارعون في فنون التخفي الى حد كبير.

اقرأ أيضاً: خطورة الخلط بين التديّن والتطرّف

 وبعيداً عن الشريحة التي حسمت أمرها لجبهة منير أو حسين يبقى القطاع الأكبر من الأعضاء منتظراً لكلمة قيادات السجون، التي تحرص على توجيه أعضائها بالصمت  والانتظار والحفاظ على صلتهم بالجماعة وببعضهم، دون التورط في الحديث عن الخلاف الحقيقي داخل الجماعة، الذي يعتقد البعض أنه مجرد مشهد تمثيلي يحاول لفت انتباه الإعلام وصرف الأنظار عن التنظيم الفعلي والمرشد السري، جرياً على منطق تاريخ الجماعة التي عرفت هذه الصيغ المراوغة.

لجأت الجماعة الى صيغ غير مركزية في الإدارة، لا تقدم على اتخاذ قرارات مصيرية، حيث يبقى هذا الأمر مفوضاً لقيادات السجون، بينما تبقى أية مساع متعلقة بالحفاظ على إيمان الأعضاء بالفكرة وتبديد أية شبهات يتعرضون لها، فالغاية هي الأهم لقيادات السجون.

اقرأ أيضاً: كيف تختار جماعة الإخوان الهيكل القيادي لها؟

المؤكد أنّ الخلاف حقيقي وليس مشهداً للإلهاء أو الخداع الإستراتيجي كما يعتقد البعض، والجماعة تعيش أخطر أزماتها، لكنها رغم ذلك تلتحف بالصبر والكمون وتنتظر لحظة الصعود من جديد، لذا قد لا يعد مشهد الخلاف هو المشهد الوحيد في شرح مآلات الجماعة بالنظر إلى أنها تاريخياً عرفت أزمات مشابهة، لكنها كانت قادرة على تجاوزها عبر قيادة أتت في أجواء انفتاح مكنتها من استعادة ترميم التنظيم.

المؤكد أنّ الخلاف حقيقي وليس مشهداً للإلهاء أو الخداع الإستراتيجي كما يعتقد البعض، والجماعة تعيش أخطر أزماتها، لكنها رغم ذلك تلتحف بالصبر وتنتظر لحظة الصعود من جديد

لم تنخرط عناصر الجماعة أو قيادات منها في داخل او خارج مصر في أجراء أية مراجعات تشمل الأهداف أو الأفكار أو السلوك، جل المراجعات تمحورت حول السلوك التنظيمي الأمثل في مواجهة الدولة المصرية أو باقي الدول التي تواجهها الجماعة.

يمكن التصور من خلال ذلك أنّ الجماعة كما هي كفكرة ومشروع سياسي، قد تكون منفتحة على تغيير الإطار التنظيمي الذي أصبحت تراه كوسيلة يمكن تغييرها أو تطويرها بما يحقق أهدافها، لذا ركزت جبهة منير على هذا الأمر ضمن دعايتها لاستعادة ولاء أعضاء كانوا قد جمدت عضويتهم أو تواروا.  

اقرأ أيضاً: لماذا لن ينجح الإخوان بممارسة السياسة؟

موقف إخوان الداخل يرى أنّ ما تواجهه الجماعة مجرد أزمة تنظيمية ناتجة عن تدخل الأجهزة الأمنية واختراق جبهتي الصراع، لذا أتصور أنها ستلتحف بالكمون حتى لو طال، لكن هذه الأزمات لا شك ستنعكس على صورتها التي حاولت أن تحافظ عليها في سبيل إعادة التجنيد لأفكارها من جديد، وهو الهدف التي تضرر في رأيي بشكل كبير ما يجعلها في المستقبل غير قادرة على أن تعود كما كانت رقماً صعباً في المعادلة المصرية أوحتى في الإقليم والعالم.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية