بنكيران والتهديد بـ "المليونيات" المتوهمة أو "التكفير"... محاولة إخوانية لنشر الرعب بالمغرب

بنكيران والتهديد بـ "المليونيات" المتوهمة أو "التكفير"... محاولة إخوانية لنشر الرعب بالمغرب

بنكيران والتهديد بـ "المليونيات" المتوهمة أو "التكفير"... محاولة إخوانية لنشر الرعب بالمغرب


13/03/2024

تصريحات صاخبة ومواقف مفخخة تسعى مرة أخرى للتعبئة والتحريض، فضلاً عن رفع درجة الاستقطاب المجتمعي والسياسي. ينطبق ذلك على تحركات إخوان المغرب والذراع السياسية لهم حزب العدالة والتنمية (المصباح). الذي تكبد قبل أعوام هزيمة فادحة بالانتخابات، تسببت في سقوط مروع عن الحكم، والكشف عن تآكل شعبية الحزب، وفقدانه أيّ حاضنة، لا سيّما مع إخفاقه في تنفيذ الوعود بالتنمية والعدالة. وعلى لسان زعيمهم عبد الإله بنكيران حاول المرة تلو الأخرى الانخراط في قضايا محلية وإقليمية بحيث يجد مساحة في المجال العام والفضاء السياسي لكنّه يفشل، الأمر الذي بلغ مداه مع تورط بنكيران في دعوات للتظاهر ووصف المعارضين بـ "الأفاعي".

سيرة العنف والتكفير

في غضون أيام قليلة لم تتجاوز الأسبوع، عاود الحزب الإخواني وعلى لسان أمينه العام نشر دعوات تحريضية تهدف إلى تنظيم "مسيرات مليونية"؛ لمعاداة المطالبات الحقوقية من قبل أحزاب وقوى مدنية، بشأن مدونة الأسرة. بنكيران وفق ما نشر من تسجيل صوتي على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، أكد على استمراره في دعم النزول إلى الشوارع وتنظيم احتجاجات إذا لم تستجب الدولة إلى توجهاته الإيديولوجية، ومطابقتها بقانون الأسرة الجديد، ومواجهة أيّ ميل آخر نحو التحديث المخالف لقناعاته السياسية بالعنف والفوضى. وقال بنكيران: "لو احتجنا إخراج مسيرة مليونية أو أكثر، فسنقوم بذلك (...) إذا نجحنا في ذلك، فسأكون سعيداً. نحن لا نملك إلا إخراج المواطنين، ماذا فيها إذا أخرجنا مسيرة مليونية إلى الشارع؟".

وقد شنّ الزعيم الإخواني حرباً شرسة على القوى المدنية والمجتمعية، الحقوقية والحزبية، التي تحاول تقديم مقاربة حداثية متقدمة بشأن قانون الأسرة، ووصفهم بـ "الأفاعي"، بل إنّه اعتبر أنّ تلك المحاولات تهدف إلى "تخريب الأسرة والمجتمع". تشبيه الأفاعي، الذي له حمولة دينية إيديولوجية مباشرة لتصنيف المعارضين، يتوافق مع رغبة الجماعة الدائمة لوضع خصومها في دائرة المنبوذين دينيّاً بل وتكفيرهم، وطردهم من دائرة الإيمان، بحيث يمكن بسهولة توجيه سهام النقد والتشنيع حد التصفية المعنوية والمادية والقتل بالنهاية. ولم يتورع بنكيران عن وصف رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأنّه "يحارب الإسلام"، بل و"الخروج عن الأحكام الدينية والشرعية". وقال إنّ القوى التي تسعى لتعديل قانون الأسرة، الذي ينظم عملية الزواج والطلاق وتوزيع الميراث، إنّما "تحارب القرآن وشرع الله". وتوجه في حديثه لقادة الأحزاب اليسارية، قائلاً: "سأحترمكم إذا قلتم للمغاربة لا نريد القرآن والمذهب المالكي، وإن كنتم تقولون هذا الأمر بطريقة مغلفة، حينما تتحدثون عن (المحافظة)، وهذا كتاب الله تريدون تغيير أحكامه، والمجتمع لا يتفق على ذلك، فأين الديمقراطية؟".

 

شن الزعيم الإخواني حرباً شرسة على القوى المدنية والمجتمعية، الحقوقية والحزبية، التي تحاول تقديم مقاربة حداثية متقدمة بشأن قانون الأسرة، ووصفهم بـ "الأفاعي".

 

في حديثه لـ (حفريات) يوضح المفكر المغربي سعيد ناشيد أنّ هزيمة حزب (العدالة والتنمية) كانت "حتمية في ظل عدم قدرته على تحقيق وعوده الانتخابية، والتي هي مجرد وسيلة ليراكم بها شعبية، سرعان ما انهارت بعد ما تكشفت للقوى الاجتماعية انتهازية الإسلاميين ومراوغتهم للوصول إلى السلطة بأيّ ثمن. والوعود مثلها مثل الحديث عن الديمقراطية مجرد كلام في الهواء". 

مراوغات الإسلاميين الدائمة

وقال ناشيد: إنّ قادة الإسلام السياسي في ظل فقدانهم الشرعية، وسقوطهم السياسي، وانحسارهم المجتمعي، وذلك في فترة قصيرة بعد مرحلة "التمكين"، التي أعقبت أعوام الربيع العربي، يسعون إلى العودة مرة جديدة من خلال عدة وسائل براغماتية، "حيث إنّ هناك غلبة للخطاب الديني والإيديولوجي؛ بعدما فشلوا في الترويج لأنفسهم من خلال الخطاب الخدمي الاجتماعي والمعيشي، وقد تكرر ذلك في حوادث عديدة، مثل ربط الزلزال الذي حدث بأنّه نتيجة للذنوب والمعاصي"، وهذه المحاولات الدينية المتشددة ما هي إلّا وسيلة تقليدية في لحظات الهزيمة التاريخية للإسلام السياسي؛ لترميم الكتلة المنتمية لهم تنظيمياً أو المتعاطفة، فضلاً عن نشر الرعب في الفئة التي قد "تزعجها الإشارات الدينية عن غضب الله من تفاقم المعاصي، وبالتالي تصبح معادة الإخوان مروقاً وسبباً في عدم طاعة الله، وتلقي عقابه". 

لكنّ المفكر المغربي يؤكد في حديثه لـ (حفريات) أنّ هذا الخطاب الإسلاموي، إنّما يؤكد "عدم سماحة الإسلام السياسي، والذي حاول أن يؤكد في عشرية الربيع العربي السوداء أنّه ديمقراطي ولديه قبول بالتشاركية والتعددية ونبذ العنف. وفي الحقيقة، هذا التيار تهدف كل خططه إلى تحقيق الطاعة والجبرية السياسية والدينية بالإكراه، أو ستكون النتيجة هي التكفير". 

 

يوضح المفكر المغربي سعيد ناشيد لـ (حفريات) أنّ هزيمة حزب العدالة والتنمية كانت حتمية في ظل عدم قدرته على تحقيق وعوده الانتخابية التي هي مجرد وسيلة ليراكم بها شعبية.

 

المثير للسخرية أنّ بنكيران، مطلع الشهر، قاد هجوماً شرساً آخر، وذلك بخصوص تجريم زواج القاصرات، وهدد بمليونية احتجاجية، الأمر الذي جعل رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، يردّ وينخرط في نقاش محموم. وقال في حوار مع (العربية): إنّه يؤمن بالحوار المجتمعي في كل ما يخص الشأن المغربي، وألمح إلى امتعاضه من "لجوء الرجل (أي عبد الإله بنكيران) إلى التهجم على مواقف القوى الديمقراطية ومواقفها ومذكراتها التحديثية بخصوص إصلاح مدونة الأسرة، وبمنطق تحريفي، عوض أن يركِّز على الدفاع عن مواقفه". واعتبر أنّ الزعيم الإخواني "حاول التحريض على القوى الديمقراطية باستعمال قاموس التخوين والتكفير"، وشدّد على أنّ ذلك لا يمكن القبول به في ظل مجتمع كان خياره التنوع والتشاركية؛ من خلال قيم الديمقراطية وفق مبادئ الدستور. 

وقال حموني: إنّ ظاهرة تزويج القاصرات "تكاد تصير قاعدة وليس استثناءً، ولأنّ المكان الطبيعي للفتاة هو المدرسة". ووفق العربي فقد "أشار إلى أنّ دراسات علمية برهنت أنّ أضراراً جسيمة تلحق بالفتيات والمجتمع؛ بسبب الزواج المبكر دون (18) عاماً. أمّا عن تهديد رئيس الحكومة السابق بتنظيم مسيرة مليونية رداً على مقترحات تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تشمل دعوة لمنع تزويج القاصرات وإلغاء تجريم الإجهاض وإصلاح منظومة الإرث، فقد قال: "التلويح باللجوء إلى الشارع من أجل حسم قضايا رهن التشاور والتداول المؤسساتي، أمر لا يمكن فهمه سوى أنّه محاولة للتأثير على الهيئة الوطنية المكلفة بتحضير مشروع إصلاح مدونة الأسرة. هذه الدعوات (التهديد بالتظاهر والمليونيات) لا تشكل أيّ خطر على أيّ شيء... ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه".

وعقّب على الجدل بشأن إصلاح مدونة الأسرة قائلاً: "الملك محمد السادس عندما أطلق ورش إصلاح المدونة، نَبَّه إلى اختلالات النص والتطبيق، ودعا إلى إصلاح في إطار ثوابت الأمة المغربية، ومنها الدين الإسلامي المعتدل والمبني على الاجتهاد المنفتح، وشكَّل لذلك لجنة لتحضير مشروع الإصلاح. حزب التقدم والاشتراكية قدّم مذكرة متزنة ومتوازنة بهذا الشأن رسمياً إلى اللجنة المكلفة بالموضوع، تستند إلى مرجعية الدستور، بما يحمله من تأكيد على الدين الإسلامي وعلى التزام المغرب بمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً". ولفت إلى أنّ تلك المذكرة "ترتكز على الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتحولات المجتمع منذ آخر صيغة للمدونة في 2004".

الصفحة الرئيسية