جلدم أتاباي شانلي
تشير استطلاعات الرأي التركية إلى أن تأييد حزب العدالة والتنمية الحاكم سيتراجع دون 40 بالمئة في الانتخابات المحلية المقبلة إذا لم تتحسن الظروف الاقتصادية للسكان.
ويحذر مراد ساري رئيس وكالة كونسنسس للأبحاث من أن أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها تظهر أن 65 بالمئة يصفون العام الماضي بأنه “سيئ” وأن 80 بالمئة يقولون إنهم يواجهون متاعب اقتصادية.
وخلص ساري إلى أن الناخبين سيعاقبون الحزب الحاكم في الانتخابات المقررة في مارس 2019 إذا لم يشهد العام الحالي إنجاز التوقعات الاقتصادية.
لكن انتظر! ألم يسجل الناتج المحلي الإجمالي التركي نموا مدهشا بنسبة 7 بالمئة العام الماضي؟ فكيف يواجه غالبية السكان “مصاعب اقتصادية” في حين تفخر الحكومة بالإعلان عن أعلى معدل نمو في العالم؟
ليس ساري وحده الذي يشير إلى هذه الملاحظة التي تقلق الحكومة. فقد واجهت تركيا موقفا مشابها في انتخابات 2009 عندما هوت نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية إلى 38.6 بالمئة. واعتبر ذلك وقتها عقابا للحكومة على بطء تحركها في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي أدت لانكماش الناتج المحلي بنسبة في خانة العشرات.
بعد ذلك، وفي ظل تدفقات نقدية عالمية هائلة ساعدت الحكومة في تقليص التضخم إلى خانة الآحاد في ظل قوة الليرة، نجحت الحكومة في زيادة تأييدها إلى 46 بالمئة في الجولة التالية من الانتخابات.
آراء كونسنسس قيمة ليس فقط لأنها أكبر وكالة استطلاعات ولها مصداقية، لكن أيضا لأنها تذكرنا مجددا بحالة الاقتصاد التركي المثيرة للاستغراب التي تفسر بأحد احتمالين؛ إما أنه يوجد خطأ في أرقام النمو أو أن النمو ليس جيدا بما يكفي للشعب التركي لسبب ما رغم تسجيله رقما قياسيا على المستوى العالمي.
معالجة النمو ستكون بداية سهلة. ويقول خبراء الرياضيات والنمو إنه لا يمكن التعويل على الإحصاءات الأخيرة للناتج المحلي الإجمالي.
وراجعت تركيا أرقام النمو في ديسمبر 2016 وعززت أداءها الاقتصادي بقوة. ويعود بدء المراجعات إلى عام 2009 وما بعده في ظل اختلال هيكلي في الفترات السابقة. في ظل مساعي الوفاء بمعايير الاتحاد الأوروبي تطلبت تطبيق أساليب جديدة للحساب وجمع البيانات.
وبعد المراجعة، أصبح الناتج المحلي الإجمالي أعلى 20 بالمئة من القراءات القديمة في الفترة من 2009 وحتى 2015.
التباين في النمو عن معدلات الاستهلاك والاستثمارات ملفت للانتباه حيث أن النمو المرتفع في الاستثمارات مدفوع بقطاع الإنشاءات بدرجة كبيرة. ومن الأرقام الأخرى غير العادية معدل الادخار الذي جرى تعديله من 15 إلى 24.8 بالمئة في الناتج المحلي خلال فترة المراجعة.
ويوضح إريك مايرسون أستاذ الاقتصاد السويدي كيف تبدو بيانات الناتج المحلي الجديدة غير متجانسة مع مؤشرات اقتصادية أخرى. وقد استخدم 8 متغيرات تعبر بشكل جيد عن الناتج المحلي وهي: مؤشر الإنتاج الصناعي واستهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني اكسيد الكربون وحركة البضائع والركاب والقروض البنكية وتراخيص البناء.
وأظهرت نتائجه كيف كان نمو الناتج المحلي الإجمالي التركي في المراجعة، أعلى بشكل صارخ مما تشير إليه المتغيرات السابقة بين 2010 و2015.
ويرى الاقتصادي التركي كوركوت بوراتاف أنه بدلا من بناء إحصاءات الناتج المحلي من مسوحات عن الإنتاج فإن أرقام المراجعة اعتمدت على سجلات محاسبة بيروقراطية لوزارات المالية والداخلية وهيئة تنظيم الأعمال المصرفية وإيرادات الضرائب.
كل تلك التعليقات تثير تساؤلات عن الأسلوب الجديد لحساب الناتج المحلي الذي يضع النمو في الربع الثالث من 2017 عند 11 بالمئة وعند 7 بالمئة عن العام برمته. ولهذا لا عجب أن يظهر استطلاع كونسنسس أن 80 بالمئة من السكان يواجهون متاعب اقتصادية رغم بيانات النمو المرتفع في معايير القياس الجديدة.
وبافتراض أن أرقام الناتج المحلي صحيحة بعض الشيء وأنها تظهر بطريقة جيدة المتغيرات التي شهدها الاقتصاد منذ 2001، فإننا نظل بحاجة لتفسير نتائج استطلاعات كونسنسس. لماذا يشعر الشعب التركي بضغوط اقتصادية رغم ارتفاع النمو إلى رقم في خانة العشرات؟
هل التضخم هو السبب؟ ربما أصبح النمو أمرا هامشيا بالنسبة للشعب المضغوط بشدة من تراجع القوة الشرائية في ظل ارتفاع التضخم وهو ما تسبب في تراجع التوقعات.
هل هذا هو الوقت المناسب أمام حكومة حزب العدالة والتنمية لتدرك مدى خطورة الآثار الجانبية لارتفاع التضخم؟ وكيف يقضي التضخم المرتفع على جهود الحزب لتعزيز النمو رغم أرقامه القوية، إن كان ينبغي تصديق سلامة الأرقام الجديدة للناتج المحلي الإجمالي؟
وكيف تظل جهود تسجيل معدلات نمو مرتفعة دائما أمرا هامشيا كما أنها تتسبب في ارتفاع التضخم في ظل الظروف الحالية؟
هل النمو المرتفع بمفرده يعالج كل المشكلات التي يراها حزب العدالة والتنمية؟ أم سيكون من الأفضل السعي إلى خفض التضخم حتى لو أدى لنمو أقل حتى يشعر الناس بالأمان في الاستثمار والإنفاق والتخطيط للمستقبل.
ولأن مسار الاقتصاد يؤثر بلا شك في نتائج الانتخابات، فإن أداء حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة سيكشف مدى نجاح الحكومة في إدارة الاقتصاد.
عن "العرب" اللندنية