دخل الصراع العسكري في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهره الثالث، ورغم تعدد السيناريوهات المستقبلية لهذا الصراع إلا أنّ أضعفها، كما يبدو حتى الآن، الوصول إلى تسوية توقف نزيف الدم السوداني، ويبدو أنّ أقرب السيناريوهات المستقبلية هو استمرار الصراع بحجمه ومستواه الحالي، بمعنى عدم قدرة أيٍّ من طرفي الصراع على حسم المعارك وتحقيق انتصار على الطرف الآخر، فيما السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تصاعد حدة المعارك وباتجاهات جديدة وتراكمية، وهو ما يتكشف يوماً بعد يوم، تفضي لمناطق نفوذ يتم تقاسمها بين الجيش والدعم السريع ودخول أطراف محلية وإقليمية بالإضافة إلى أطراف أخرى دولية ستعمل على تغذية أسباب الصراع في السودان، وبما يحقق استراتيجياتها في السودان وجواره، وبالتالي طرح سيناريوهات تقسيم السودان مجدداً.
الأدلة والشواهد التي تؤيد أنّ الأزمة تذهب باتجاهات أكثر تعقيداً وتصعيداً، واحتمالات تحول السودان إلى ليبيا جديدة، أو الذهاب باتجاه نماذج عربية أخرى، ما زالت تعيش فوضى واستعصاءات في الوصول إلى تسويات، كما هو حال سوريا واليمن، تبدو في ازدياد وبناء تراكمي، فعلى صعيد الهدن التي تم الاتفاق عليها والتي تزيد عن (12) هدنة، بما فيها الهدن التي تم الاتفاق عليها بإشراف أمريكي ـ سعودي، كانت نتائجها محدودة جداً، وتم الانقلاب عليها من قبل الجانبين، وارتفع عدد العمليات التي استهدفت بعثات دبلوماسية ومقار سفارات، بالتزامن مع ازدياد عمليات السطو والسرقة، وما يتردد عن احتلالات للمستشفيات والمدارس ومنازل المواطنين من قبل قوات الدعم السريع، مع صعوبات في تقديم خدمات الإغاثة للمنكوبين السودانيين، ووصول أعداد اللاجئين والنازحين السودانيين إلى ما يقارب (3) ملايين، وتقديرات دولية تحذّر من مجاعات قادمة تشمل أكثر من (15) مليون سوداني، بالإضافة إلى تحذيرات من تفشي الأوبئة والأمراض، ويبقى توسع الصراع ليشمل مناطق أخرى في السودان، لا سّيما في دارفور وكردفان مؤشراً على سيناريوهات قاتمة ستصعب أيّ مبادرات لتحقيق وقف إطلاق النار تمهيداً لتسوية، يبدو أنّها أصبحت بعيدة المنال.
الأدلة التي تؤيد أنّ الأزمة تذهب باتجاهات أكثر تعقيداً وتصعيداً، واحتمالات تحول السودان إلى ليبيا جديدة، أو الذهاب باتجاه نماذج عربية أخرى، ما زالت تعيش فوضى واستعصاءات في الوصول إلى تسويات، تبدو في ازدياد وبناء تراكمي
ربما انطلق الصراع على المستوى العسكري في 15 نيسان (أبريل) الماضي، بمرجعية خلافات بين قائدي الجيش (عبد الفتاح البرهان) والدعم السريع (حميدتي) على النفوذ والمصالح الاقتصادية، لكن بعد شهرين من القتال لم يعد مناسباً توصيف القتال بأنّه مجرد خلاف بين الرجلين، فقد ثبت أنّ هذا الاقتتال على المستوى الداخلي بين مشروعين مختلفين حدّ التناقض، إذ إنّ السودان ـ حتى قبل 15 نيسان (أبريل) - شهد خلافات بين القوى السياسية والجيش، في إطار الاتفاق الإطاري، وحصلت انشقاقات جرّاء انحياز أطراف القوى السياسية لحميدتي أو البرهان، وقد أصبحت صورة المشهد في السودان بعد انطلاق المعارك وفقاً لمسارين؛ الأول: يقوده الجيش ومعه قوى يمينية توصف بأنّها من فلول النظام السابق وتنظيم الإخوان، وقوات الدعم السريع ومعها قوى مدنية وعلمانية تخشى عودة الإخوان إلى الحكم من خلال الجيش، لا بل توجه اتهامات للإخوان بتصعيد الخلافات مع الدعم السريع والقوى المدنية.
على الصعيد الإقليمي، واضح أنّ القوى الإقليمية الفاعلة في الملف السوداني هي: المملكة العربية السعودية والإمارات بالإضافة الى مصر، حيث ترتبط هذه الدول بعلاقات وثيقة مع طرفي الصراع، وبإمكانها ممارسة ضغوط على البرهان وحميدتي لإنجاز وقف لإطلاق النار تمهيداً لإنجاز تسوية شاملة في السودان، لا سيّما بعد انضمام الإمارات ومصر إلى مفاوضات جدة التي تقودها واشنطن والرياض، وبالتزامن من غير المتوقع أن يحقق الاتحاد الأفريقي أيّ نتائج تذكر، في ظل انحيازات دول جوار السودان لأحد طرفي النزاع، كما ورد باتهامات الجيش السوداني للقيادة الكينية بأنّها منحازة لقوات الدعم السريع وتؤوي فارين منه في كينيا.
في دلالة على انكشافات الموقف الدولي في الأزمة السودانية، يبرز موقف واشنطن التي فرضت عقوبات على مصانع وشركات وقادة تتبع لطرفي النزاع، مع ملاحظة أنّها لم تشمل حميدتي أو البرهان
وفي دلالة على انكشافات الموقف الدولي في الأزمة السودانية، يبرز موقف واشنطن التي فرضت عقوبات على مصانع وشركات وقادة تتبع لطرفي النزاع، مع ملاحظة أنّها لم تشمل حميدتي أو البرهان، بالتزامن مع تسريبات أمريكية حول تلقي الدعم السريع مساعدات عسكرية من مجموعة (فاغنر)، بما فيها أسلحة تشمل صواريخ مضادة للطائرات وقذائف وطائرات مسيّرة تم إدخالها من ليبيا، بالإضافة إلى مساعدات أخرى من سوريا، ومن جوار السودان، لا سيّما من دولة أفريقيا الوسطى، وربما كان في تطور الحرب التي تشهدها الخرطوم، وتحديداً ما تردد عن استخدام الدعم السريع طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للطائرات، ما يشير إلى أنّ قوات حميدتي تلقت بالفعل مساعدات من أطراف خارجية، رغم أنّ الدعم السريع ينفي اتهامات بتلقيه مساعدات عسكرية من الخارج.
ليس في الأفق ما يشير إلى أنّ حلولاً تلوح في الأفق لحلّ الصراع في السودان، بل إنّ التطورات تشير إلى أنّ السودان ذاهب باتجاه المزيد من الفوضى، لا سيّما أنّه أصبح مؤكداً عدم قدرة أيّ من الطرفين على حسم الصراع في الخرطوم، وانتقال هذا الصراع بصورة حروب قبلية في مناطق أخرى بالسودان، يضاف إلى ذلك تضارب مصالح القوى الدولية في السودان، وتحديداً بين أمريكا وروسيا والصين، فمعلومات الدوائر السرية الأمريكية تشير إلى انتشار (فاغنر) في (9) دول أفريقية من بينها السودان، ويبدو أنّ الحرب الأمريكية ضد (فاغنر)، والتي جاءت بعد الحرب الروسية الأوكرانية، قد انطلقت في أفريقيا، خاصة أنّ النفوذ الأوروبي في أفريقيا أصبح أقلّ تأثيراً، على خلفية إرث استعماري تستثمر روسيا والصين تسويقه وإعادة إنتاجه.