الإخوان وتزييف التاريخ: كتابات الصلابي الطائفية عن الدولة الفاطمية

الإخوان وتزييف التاريخ: كتابات الصلابي الطائفية عن الدولة الفاطمية

الإخوان وتزييف التاريخ: كتابات الصلابي الطائفية عن الدولة الفاطمية


31/08/2023

أي مصداقية تُرجى لشخص يتصدر للكتابة في التاريخ، يعنون كتاب بجملة فرعية "وفق الله صلاح الدين فقضى عليها". إنه واحد من أبرز رجالات الإخوان المسلمين الذين تصدوا للكتابة في التاريخ؛ غزير الإنتاج، معدوم الجدة، لا يملك خشية الباحث من الخطأ، فيكفيه أن يستغل اسم الإسلام، لينال المصداقية، ووراءه جماعة كبيرة وماكينات إعلامية ضخمة ودور نشر بالمئات، صنعوا منه مؤرخاً، إنّه الليبي علي محمد الصلابي.

في كتابه المعنون بـ "الصراع بين أهل السنّة والرافضة- نشر الصفحات المطوية من تاريخ الدولة العبيدية الفاطمية" يتصدى الصلابي بثقة لم يجرؤ باحث جاد في أكاديميات العالم العريقة على ادعائها، ليكتب تاريخاً كاملاً عن الدولة الفاطمية، التي دامت (969 - 1171) من التاريخ الميلادي، وكانت عاصمتها مدينة القاهرة في مصر، في 176 صفحة فقط.

لا إنكار على الصلابي في مسعاه للتأليف في التاريخ؛ لكن تلك مسؤولية كبيرة يعرفها الباحث الرصين. أما مثل الصلابي الذي تنتظره دور النشر المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين لتنشر له وتطبع مؤلفاته، وتروجها لتملأ البلاد العربية، دون وجود هيئة تحرير تراجع وتقيم، فهو بمثابة إعلان عن يقين مطلق، لا يليق بالباحث ادعائه، إلا أنّ كان مدعياً للحق باسم الدين، كحال التيارات الدينية التي لا تتورع عن كل فعل طالما آمنت بأنّها من تحتكر الحق والإسلام.

81 كتاباً

يُحصي أحد المواقع الإلكترونية لنشر الكتب، 81 كتاباً، قابلين للتحميل الإلكتروني، للمؤلف علي محمد الصلابي، تتوزع ما بين التاريخ والعقيدة الإسلامية، وأغلبها في التاريخ الإسلامي. أما عن تحصيله العلمي، فقد حصل على درجة الليسانس من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة المنورة عام 1993، ثم التحق بجامعة أم درمان الإسلامية في كلية أصول الدين، قسم التفسير وعلوم القرآن، لينال منها درجتي الماجستير عام 1966 ثم الدكتوراة عام 1999، وهو من مواليد العام 1963 في مدينة بنغازي الليبية.

يستغل اسم الإسلام لينال المصداقية

وخلال 20 عاماً، ملأ الصلابي المكتبة العربية بعشرات المؤلفات في التاريخ الإسلامي، رغم أنّه لم يحصل على درجة علمية في تخصص التاريخ من إحدى الكليات المرموقة، بل كان تخصصه في العلوم الدينية، التي انطلق منها للتأليف في التاريخ، ولهذا ليس غريباً أنّ يضع جملته "وفق الله صلاح الدين فقضى عليها" أسفل عنوان كتابه عن الدولة الفاطمية.

الصلابي في مقدمة كتابه يتحدث عن الدولة العبيدية "الفاطمية" الرافضية منذ نشأتها وحتى سقوطها، ويسلط الأضواء على أسباب نجاح الدولة الباطنية في الشمال الأفريقي، ويبين حقيقة الصراع بين الرافضة وأهل السنة، ويذكر أساليب الرافضة المتنوعة في محاربة أهل السنة".

يتصدى الكاتب الإخواني علي الصلابي بثقة لم يجرؤ باحث جاد على ادعائها ليكتب تاريخاً كاملاً عن الدولة الفاطمية في 176 صفحة فقط

وصدر الكتاب في طبعته الأولى عام 2007، وجاء في 176 صفحة. فهل يمكن اختصار تاريخ الدولة الفاطمية التي تعتبر إحدى الدول الإسلامية المهمة، التي لا تختلف عن الدول الأموية والعباسية وبقية الدول التي عرفتها مناطق العالم الإسلامي سوى في العقيدة التي تحملها نخبها، في 176 صفحة فقط. بالطبع تكفي بالنسبة لكاتب لم يُكلف نفسه عناء البدء بدراسة مصادر التاريخ عن تلك الحقبة الزمنية والاطلاع على الدراسات العربية والأجنبية السابقة في هذا الباب. فهي دولة حكم عليها لأنّ حكامها من إحدى فرق الشيعة، وأنّها "رافضية، تعادي أهل السنّة، وتحارب الإسلام"، فمثل هذه العقلية التي تؤمن باحتكار الصواب والحق لا تحمل أية قيم ومبادئ وأدبيات حول البحث العلمي، فضلاً عن مناهجه.

أي منهج للصلابي؟

يقول الباحث في التاريخ الإسلامي، ومؤلف كتاب "الدعوة الإسماعيلية في مصر"، الذي كان رسالته في الماجستير من جامعة القاهرة، حسن حافظ، بأنّ الصلابي لا يعتمد على منهج من مناهج الكتابة التاريخية، وهو صاحب أداة لتخريب وإفساد الكتابة التاريخية.

 وأوضح حافظ بأنّ ما يفعله الصلابي هو مجموعة من الجرائم في حق الكتابة التاريخية والمنهج التاريخي وعلم التاريخ؛ كونه مشبعاً بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تقوم على اختلاق تاريخ، ليس له علاقة بما جرى على أرض الواقع من أحداث تاريخية.

الباحث حسن حافظ لـ"حفريات": الصلابي مشبع بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تقوم على اختلاق تاريخ ليس له علاقة بما جرى على أرض الواقع

ولفت إلى أنّ الصلابي يختصر الأحداث التاريخية في رواية واحدة، بلا اشتباك أو محاولة لتحليل الأحداث السياسية والثقافية، ويعتمد على التفسير الديني من أجل تصوير الأشخاص المحسوبين على المذهب الرسمي للإسلام (مذهب السلطة) في صور مثالية، من وجهة نظر المدرسة الإخوانية في تشويه التاريخ، مقابل تشويه أي خصم تاريخي لهذه المنظومة الفكرية.

يقول الباحث في التاريخ الإسلامي، بأنّ نتيجة هذا النهج نراه في تعامل الصلابي مع الدولة الفاطمية؛ إذ لا يقتصر على التشويه، بل يتناولها باحتقار شديد، ويعمل على تشويه كل ما له علاقة بتاريخهم لإثبات مقدمات في ذهنه، وهي أنّ الفاطميين بما أنّهم شيعة فهم أعداء للدين، باعتباره محتكر الحقيقة والصوابية الدينية.

في فهرس كتاب الصلابي عن الدولة الفاطمية، لا توجد فصول مخصصة لتناول المباحث الأساسية عن الدول، على غرار؛ علاقة السلطة بالمجتمع ونمط الإنتاج الاقتصادي والعمران والعلاقات الخارجية والنظم الإدارية .. إلخ، بينما ضم الكتاب فصولاً عن القادة الإسلاميين المفضلين عند الصلابي، مثل عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، ومرّ مرور الكرام على خلفاء الدولة الفاطمية، مانحاً إياهم نصيباً وافراً من التشويه والسباب والاتهامات.

حسن حافظ: تشويه الوعي التاريخي

أما من اجتهد من الباحثين لدراسة تاريخ الدولة الفاطمية بمنهجية وحيادية كما يتطلب البحث العلمي، فيقول عنهم الصلابي في كتابه "هذا كله نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا، بل إنّ المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق أو بالفكر الشيعي، أو بذلت لهم أموال لطمس الحقائق".

ويتابع مبدياً ما يخفيه من توظيف الفاطميين لضرب الشيعة في إيران "لتعرف أنّ الأفكار لا تموت وإنما تتغير الأشكال والوجوه والمسوح، وأنّ هؤلاء الملاعين من أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سراً وإعلاناً ليلاً ونهاراً للقضاء على العقيدة البيضاء الناصعة التي تلقفتها جموع أهل السنة والجماعة".

كراهية الشيعة

يقول الباحث التاريخي، حسن حافظ، لأنّ الدولة الفاطمية مثلت تحدياً كبيراً جداً للدولة العباسية السنّية، فمن الطبيعي أنّ يكون لها نصيبٌ وافرٌ من عمليات التشويه التاريخية، التي بدأت منذ عهد الصراع العباسي الفاطمي، على يد أهل السنّة في العراق والشام، بدعم من الدولة العباسية.

 ويشدد حافظ على أنّ تلك الهجمة كانت مفهومة في إطار الصراع السياسي بين دولتي العباسيين والفاطميين، لكن غير الطبيعي هو انتزاع هذا الصراع من سياقه التاريخي، وترديده على أنّه دوجما دون أي فهم.

وأفاد حافظ لـ"حفريات" بأنّ تشويه الفاطميين الشيعة مرتبط أساساً بالكراهية العميقة للشيعة عموماً، خصوصا بعد نجاح الخميني في إقامة دولة شيعية في إيران، باتت تمثل تحدياً للعقل السنّي المعاصر.

وأفاد بأنّه انطلاقاً من ذلك يُفهم استدعاء الصلابي الدولة الفاطمية لتشويهها، من أجل إعطاء مساحة لتشويه الدولة الإيرانية الشيعية المعاصرة، مع العلم أنّه يتغاضى عن الاختلاف العقدي بين الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية والجمهورية الإيرانية التي تتبنى المذهب الشيعي الإمامي الإثني عشري.

لم تختلف الدولة الفاطمية عن دول العالم الإسلامي سوى في العقيدة

يؤكد حافظ على أنّ محاولة تشويه الدولة الفاطمية أو استبعادها من سردية التاريخ المصري وتاريخ المنطقة، هي محاولة بائسة ومكتوب عليها الفشل؛ لأنها في النهاية تاريخ دولة مثل تاريخ دول حكمت المنطقة؛ على غرار الرومان والبيزنطيين والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين. وأفاد الباحث التاريخي، بأنّ التاريخ لا يمكن حذفه أو التخلص منه، لكن يمكن تقبله فقط، ولا يمكن العبث به، لأنّ ذلك يؤدي إلى تشويه الوعي التاريخي، ونمو حالة من الجبن الفكري، تنتج عن عدم القدرة على الاشتباك مع فترات التاريخ المختلفة.

ويختم حافظ بأنّ دراسة الخلافة الفاطمية بشكل نقدي يشكل مأزقاً للإسلاميين؛ لأنّهم بنوا رؤاهم الفكرية على نظرية المؤامرة والتآمر الكوني على الإسلام والمسلمين. وشدد على أنّ الدراسات النقدية المبنية على الوثائق وكتب المصادر والكشوفات الأثرية والمراجع، تكشف عن جرائم الإخوان والإسلاميين بحق التاريخ، الذين يريدون خلق تاريخ خطي من زمن البعثة النبوية إلى يومنا هذا، يخدم في النهاية أيديولوجية الجماعة وأهدافها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية