أثر الفكر الإخواني في نشر التطرف بأوروبا.. السويد أنموذجاً

أثر الفكر الإخواني في نشر التطرف بأوروبا.. السويد أنموذجاً

أثر الفكر الإخواني في نشر التطرف بأوروبا.. السويد أنموذجاً


02/03/2024

هشام الجندي

تشكل جماعة “الإخوان المسلمين” في أوروبا والعواصم الغربية المختلفة حالة انعزالية تهدد المجتمع الأوروبي الذي يعطي الأولوية للحقوق المدنية للأفراد ضمن الأعراف والقيم المواطنية الحديثة. لكن الجماعات الإسلاموية تواصل فرض الأولوية للانتماء الديني المتشدد على حساب الجوامع المشتركة والإنسانية والتي تجعل كافة البشر أمام الدولة من دون تمييز، بل لهم الحقوق والواجبات نفسها على قاعدة مساواة تامة قانونية يؤطرها الدستور وتحميها المؤسسات المختلفة.

التصورات الأيديولوجية التي تطرحها تلك التنظيمات، تؤدي إلى مجتمعات موازية في الغرب، قوامها العرب والمسلمين المهاجرين، حيث تكون هذه العناصر أمام إغراءات خطاب الإسلام السياسي المتشدد الذي يرفض الاندماج ويفتح شروخاً عميقة تباعد بين الطرفين، وتصبح المجتمعات العربية والمسلمة داخل أوروبا منفصلة شعورياً وذهنياً وفي عزلة تامة عن باقي المجتمع المنفتح.

ومن هنا، يسعى قادة التنظيمات إلى العمل بتكتيكات مختلفة لتشكيل مصائد لتعبئة وتجنيد الأفراد وربما تسفيرهم إلى مناطق التوتر والصراع الإقليمي كما حدث في سوريا والعراق، فضلاً عن تنفيذ هجمات في أوروبا.

“الجهاد” عنوان “الإسلام” حتى النصر!

الغرب في عقل وذهن الجماعات الإسلاموية المتشددة والمنتشرة في العواصم الأوروبية منذ خمسينات القرن الماضي، هي “دار حرب” وهي “قوى الاستكبار العالمي”، بل هم المستعمرون المعادون للإسلام كدين وقيمه، ومن ثم، فهو خصم لا يمكن التوافق معه أو التعايش والحوار الثقافي والحضاري، حيث إن هذا الطرف هو أبعد من كونه نقيض أو طرف لا يمكن الانسجام معه، إنما بالضرورة خوض صراع وجودي بدعوى تفويض ديني يتطلب أن يكون “الجهاد” عنوانه حتى ينتصر “الإسلام” وفق قناعاتهم.

وفي كتاب سيد قطب “معالم في الطريق” الذي يعد المؤسس الثاني لجماعة الإخوان بعد وفاة حسن البنا ومنظر العنف صاحب مقولات “الحاكمية” و”العصبة المؤمنة” والذي تحدث عن “الجيل القرآني” الذي يتعين أن يكون منعزلاً شعورياً ونفسياً عن المجتمع، تبشير صريح بنهاية الغرب وسيادة الرجل الأوروبي على العالم، وذلك في إشارة واضحة للسيادة بالمعنى الاستعماري لشحن العقل العربي والإسلامي بمشاعر المظلومية واستدعاء الفترة الكولونيالية من ذاكرته. ويقول: “إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست مادياً أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره، لأنه لم يعد يملك رصيداً من القيم يسمح له بالقيادة”. 

ويؤكد حتماً سيد قطب أن المآل السياسي المطلوب هو أن تكون “الأرض لله، ويجب أن تخلص لله، ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية لا إله إلا الله، وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي إلى طاغوت عربي، فالطاغوت كله طاغوت”.

تكريس العداء التام للآخر، ورفض أي وطن، سواء محلي أو أجنبي، ونفي أي حكم له صفة غير إسلامية بالمخرجات الأيدولوجية لتلك الجماعات والتنظيمية وبحسب رؤيتهم الشمولية العنيفة، هو الهدف المباشر الذي يجعل المرء تحت وصاية وإكراهات هؤلاء لا يخرج من حالة العزلة وعدم القدرة على الاندماج والتخطيط طوال الوقت لتنفيذ جرائم وأعمال إرهابية بحق المجتمع وأفراده سواء في بلدانهم أو في دول المهجر. 

وذلك يتضح من حديث سيد قطب منظر الإخوان والمعروف بتأصيل أفكار العنف والإرهاب وقد استمدت منها تنظيمي “القاعدة” و”داعش” بنية أفكارهما. وقال قطب: “إن هناك داراً واحدة هي دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتقام فيها حدوده، ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضاً، وما عداها فهي دار حرب، علاقة المسلم بها إما القتال، وإما المهادنة على عهد الأمان، ولكنها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين”.

مثلاً، رغم أن زعيم “حركة النهضة” (فرع جماعة الإخوان بتونس) راشد الغنوشي قد وجد في الغرب ملاذاً آمناً وكانت فرنسا وبريطانيا محطات لجوء وفيهما كان منفاه، وكان متورطاً في حوادث عنف على خلفية صراع مع نظام بورقيبه، وقد حكم عليه بالإعدام، بل هو الآن متهم ومعتقل في قضايا “إرهاب”، إلا أنه لا يتوانى عن وصف الغرب بأنه ضمن “التحديات” التي تقف أمام “الحركة الإسلامية”. 

وبالتالي هذا الأمر ككل يعكس فشل هذا القيادي الإسلاموي في الاندماج مع الغرب بل هو يقود ضمن أفراد تنظيمه مخطط تنامي العنف وتعميم العزلة بين أجيال المهاجرين من العرب والمسلمين في العواصم الأوروبية لتحقيق الأغراض السياسية والتنظيمية. فيقول في كتابه: “الحركة الإسلامية ومسألة التغيير” أن “التحدي الرابع (للحركة الإسلامية) يتمثل في العداء الغربي للإسلام وأمته، ولئن ذكر أن عدداً من الغربيين انجذب نحو الإسلام فإنه يؤكد أن الغالبية لاتزال تجهله وبالتالي تناصبه العداء”.

نشر الإسلام في أوروبا

وفي الموقع الرسمي للغنوشي، ألمح إلى وجود دور لما أسماه “الحركة الصهيونية” و”التي انبثت بسمومها وتغلغلت منذ أكثر من قرنين في أعماق النسيج الغربي في آدابه وكنائسه، فضلاً عن إخطبوطها الإعلامي والاقتصادي وتغلغلها في مراكز القرار السياسي والإداري وحتى العسكري. ويدعو الغنوشي إلى العمل على إيجاد استراتيجية تهدف إلى فك الارتباط بين الإخطبوط الصهيوني والحضارة الغربية”. وهذا خلط مقصود بين الغرب وإسرائيل لتعميق العداء التقليدي من ناحية دينية متشددة وتهييج المشاعر السلبية.

وبحسب “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات”، فإن الأمر لا يختلف بشكل كبير مع جيل جديد من الإسلاميين الذي ولدوا وعاشوا بالغرب، مثل حفيد مؤسس جماعة الإخوان طارق رمضان، والذي سبق وتم اتهامه في قضية تحرش مثيرة للجدل، والذي يقول “إن المسلمين يجب أن ينظروا إلى أوروبا على أنها “دار الشهادة”، أي هو نفسه المعنى، بأن تكون ضمناً دار حرب، “مما يعني أنه يمكن أيضاً اعتبار أوروبا دار الدعوة والرسالة لجماعة الإخوان”.

ووفق المركز الأوروبي “فهو (أي طارق رمضان) يعتقد أن على المسلمين واجب “الشهادة” ونشر الإسلام في أوروبا. وبما أن الجماعة تضع نفسها ممثلاً للمسلمين في السويد، فهذا يمنح الجماعة الفرصة للتحكم في كيفية تمثيل الإسلام أو تمثيل الجاليات المسلمة وبناء المشكلة التي تواجه المسلمين في السويد. بناءً على ذلك، طور نشطاء الإخوان المسلمين استراتيجية تدعم احتواء موقف المجتمعات الأوروبية السائدة من الإسلام والمسلمين. في هذا الصدد، يرفض الإخوان المسلمين كل أنواع الانتقادات الموجه ضدهم أو إلى مصطلح “الإسلاموفوبيا””.

وتابع: “تستخدم جماعة الإخوان مصطلح “الإسلاموفوبيا” لتقويض أخلاق وسلوكيات الأفراد والجماعات بدلاً من مناقشة الأمور الواقعية. هذا النمط من العمل فعال لجماعة الإخوان المسلمين الذين يستخدمونه للدفاع عن مشروعهم الإسلاموي. باستخدام هذا المصطلح، يمكنهم نشر التصور الخاطئ بأنهم مسلمون عاديون معرضون لـ “الإسلاموفوبيا” بدلاً من كونهم جزءا من “أيديولوجية تحول اجتماعيا”.  تعتبر هذه الاستراتيجية في سياق سياسي علماني، مثمرة بالنسبة للإسلامويين لكي يُنظر إليهم على أنهم الضحية”.

تحذيرات من تضاعف أثر الإخوان

وقبل أيام، حملت دراسة “للمركز السويدي لدراسات الأمن الدولي والإرهاب”، تحذيرات جمة من الدور المشبوه الذي تؤديه مساعي جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر وعدد من البلدان العربية، بل إن “المركز السويدي” حذر من تضاعف أثر هذا الدور والذي يبدو أكثر خطورة من تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، مشيراً إلى أن تغلغل هذه الجماعة بفكرها المتشدد في المجتمع يبدو سريعاً من خلال النوافذ التي تجد لها شرعية وتؤدي للانتشار السريع وجذب المؤيدين، لا سيما مع المنصات المتوفرة في الفضاء الإلكتروني وكذا المساجد ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والتنموية.

وفي ظل هذا الدور الذي يعتمد على آليات انتشار خفية ولا تبرز ما يبطنه التنظيم، فإن تقويض حركة الصعود الإسلاموي تبدو صعبة ومعقدة، وقد رجحت الدراسة الصادرة عن “المركز السويدي” أن تبقى تأثيرات الجماعة من الناحية السياسية قائمة ولها تأثيراتها، خاصة مع شبكاته المجتمعية وهيمنته على المساجد واصطفافه مع أحزاب مختلفة بالسويد.

وقال “المركز السويدي” إن الهجمات الإرهابية التي وقعت في العديد من الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة كشفت عن الصلات الأيديولوجية المُتطرّفة المباشرة وغير المباشرة بين جماعة “الإخوان المسلمين” ومُرتكبي تلك الهجمات.

“جماعة الإخوان” التي بدأ انتشارها في السويد، سبعينات القرن الماضي، راكمت نفوذاً خطيراً من خلال ارتباطاتها بالمجتمعات التي بها أغلبية من المهاجرين المسلمين، وهم يميلون إلى خطابها السياسي والديني، فضلاً عن ارتباطاتها الأخرى بالأحزاب السويدية، الأمر الذي يجعل تفكيك كل ذلك بشبكاته المالية وحصولهم على دعم وموارد من جهات شتى، له صورة معقدة تضاعف من الأعباء التي تواجهها الجهات الأمنية، والتي اكتشفت، بحسب “المركز السويدي”، مؤخراً وجود صلات عضوية بين الجماعة وآخرين من تيار الإسلام السياسي، من جهة، وعمليات الإرهاب بالعواصم الغربية، وقد ثمن المركز بدراسته موقف البرلمان النمساوي بحظر الإخوان. 

ويضاف لذلك، أن الجماعة متهمة بتقديم دعم إسناد لوجستي للتنظيمات المسلحة والإرهابية في مناطق الصراع وبؤر التوتر بسوريا والعراق، وساهمت في تجنيد وتعبئة مواطنين سويديين بتلك التنظيمات ومنها “داعش” و”القاعدة”.

ونقل موقع “24” الإماراتي عن المركز السويدي إشارته المهمة بالدراسة أنه “تم تحويل ملايين عديدة من دافعي الضرائب السويديين إلى الفرع السويدي لأكبر منظمة إسلامية في العالم “الإخوان المسلمون” الذين تمكّنوا من تقديم أنفسهم كممثلين للأقليات المسلمة وإنشاء تمثيل حكومي ليتم استشارتهم بشأن القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين بشكل عام. والاعتراف بجماعة الإخوان كممثل للإسلام والمجتمع المسلم يعني بالنسبة للجماعة الإرهابية فرصاً واسعة لوصول إلى الموارد المالية الحكومية، وهو ما يمكنهم من زيادة تأثيرهم الأيديولوجي بين المسلمين الآخرين، والقُدرة على احتكار تفسير النصوص الإسلامية في السويد وفقاً لأيديولوجية الإخوان ومصالحهم. ونجحت جماعة الإخوان في التسلل إلى العديد من الأحزاب السياسية السويدية أو المجموعات المؤثرة الأخرى لزيادة النفوذ السياسي. كما وتمكّن العديد من السياسيين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين من الحصول على مناصب عليا داخل الأحزاب القائمة في السويد”.

السويد أنموذجاً 

وتعمل جماعة “الإخوان المسلمين” في السويد تحت إشراف اتحاد المنظمات الإسلاموية في أوروبا (FIEO)، ويتبع لها الرابطة الإسلامية في السويد (IFIS) العضو المؤسس في ذلك الاتحاد، وتعتبر الرابطة الذراع السويدية لجماعة الإخوان، وفق “المركز السويدي”. 

ومن المنظمات الإخوانية كذلك المجلس الإسلامي السويدي، منظمة الإغاثة الإسلامية في السويد، جمعية ابن رشد الدراسية، رابطة الشباب المسلم في السويد، التجمّعات الإسلامية الموحدة في السويد، والمدرسة الإسلامية السويدية. وكذلك مسجد ستوكهولم الذي يعد اليوم أشهر مؤسسة لجماعة الإخوان في السويد. وأيضاً مسجد جوتنبرغ. 

كما وأسس عضو سابق في حزب الوسط الليبرالي السياسي السويدي ميكيل يوكسل في 2020، حزباً جديداً في السويد يسمى الحزب الإسلامي “نيناس”، غير أن الحزب أجبره على الاستقالة في الانتخابات السويدية للبرلمان الأوروبي على خلفية مزاعم بصلته بمنظمات خارجية متطرفة. 

ويدعو برنامج الحزب إلى أن يُصبح المسلمون في السويد أقلية رسمية متجانسة على أساس تعريف محدد للإسلام واتبّاع الشريعة في أوروبا.

وحصل المجلس الإسلامي الذي يهيمن عليه الإخوان في السويد على عدد من المناصب الثابتة في القوائم الحزبية مقابل دعمه على مدى السنوات الماضية للديمقراطيين الاشتراكيين. ومن ثم، فقد ازداد عدد الحركات والجماعات التابعة للتنظيم الإرهابي، والتي تحصل على تمويلات من الخزينة العامة للدولة.

عمل الإسلام السياسي في السويد على بناء الجسور الاقتصادية والاجتماعية والدينية مع الأحزاب السويدية، وأسس الإخوان خلايا سرية للاستقطاب والتجنيد، والسيطرة على التعليم وفق شبكات مُعقّدة كان من الصعب اكتشافها وتتبّعها.

ولكن السويد، إلى جانب دول أوروبية عدة، أدركت بشكل متأخر مخاطر الإسلام السياسي بكل أطيافه وخاصة جماعة “الإخوان المسلمين”. ورغم أن الجماعة الإرهابية بدأت العمل بشكل مبكر، لكن الحكومات المُتعاقبة لم تتخذ التدابير المطلوبة للحد من أنشطة الجماعة إلا بعد عام 2011 مع تصاعد ما سمي بـ “الربيع العربي”.

وفي مقابل ذلك تأتي التحذيرات من أن المشاعر العنصرية التي تحظى بشعبية كبيرة لدى اليمين الأوروبي المتطرف تصب في مصلحة  جماعة “الإخوان المسلمين” التي تستغل ذلك بهدف كسب المزيد من المؤيدين والداعمين.

عن "الحل.نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية