صواريخ الحوثي ضد الإمارات... السياقات اليمنية والمآلات الإيرانية

صواريخ الحوثي ضد الإمارات... السياقات اليمنية والمآلات الإيرانية


27/01/2022

يطرح التصعيد الذي تمارسه جماعة أنصار الله الحوثية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا التوقيت، عبر توجيه مسيّرات وصواريخ إيرانية الصنع ضد أهداف مدنية إماراتية في عمليتين خلال أقلّ من أسبوع، يطرح جملة من التساؤلات حول أسباب وسياقات هذا التصعيد، بما في ذلك ارتباطاته بالقيادة الإيرانية وكيفية تفسير التصعيد بالتزامن مع تطورات إيجابية تشهدها العلاقات السعودية الإماراتية مع إيران، والتطورات الميدانية حول سير المعارك والمواجهات في اليمن، وما لا يتم الحديث عنه، وهو دور حزب الله اللبناني في هذا التصعيد، وفيما يلي قراءة لهذا التصعيد، وفقاً لسياقاته.

القيادة الإيرانية

يرتبط التصعيد الحوثي ضد الإمارات بمرجعيات إيرانية متضاربة؛ فطهران مع بعض وكلائها في المنطقة "ميليشيا حزب الله اللبناني ومجاميع عراقية تابعة للحشد الشعبي العراقي" هي الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال تزويدهم بالأسلحة والمستشارين وخبراء من الحرس الثوري الإيراني، في مجالات تجميع الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتتكرر إعلانات  البحرية الأمريكية حول ضبط سفن إيرانية محمّلة بالأسلحة والمتفجرات في طريقها إلى الحوثيين في اليمن، بما فيها ضبط سفينة تابعة للحرس الثوري في خليج سلطنة عُمان تحمل متفجرات في طريقها إلى اليمن، وهي السفينة ذاتها التي تم ضبطها قبل أشهر وهي تحمل أسلحة رشاشة للحوثيين.

بيد أنّ إطلاق صواريخ ومسيّرات "حوثية" ضد أهداف مدنية إماراتية في أبو ظبي يتعارض مع سياقات استئناف العلاقات الإيرانية، بما فيها علاقات أمنية ودبلوماسية، وهو ما يرتب على إيران تقديم إجابات حول دورها في هذه العملية، رغم إعلانها في بيان صدر عن الخارجية تأكيدها أنّ العنف والسلاح لن يحقق السلام في المنطقة، في إشارة غير مباشرة لرفض عمليات التحالف ضد الحوثيين والردّ الحوثي على الإمارات.

 

يرتبط التصعيد الحوثي ضد الإمارات بمرجعيات إيرانية متضاربة؛ فطهران مع بعض وكلائها في المنطقة هي الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال تزويدهم بالأسلحة والمستشارين وخبراء من الحرس الثوري الإيراني

 

وبالتزامن مع كل ذلك، يبقى التصعيد الحوثي ضد الإمارات في إطار حسابات إيرانية مرتبطة بمفاوضاتها النووية في فيينا، والتي من الواضح أنّها تسير وفق استراتيجية تنفذها القيادة الإيرانية وهي: إطلاق يد الوكلاء في التصعيد، ليس في اليمن وحده، بل في لبنان وسوريا والعراق وفي قطاع غزة أيضاً، وباستخدام الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، فيما تصدر طهران خطاباً دبلوماسياً متوازناً، وكأنّها لا علاقة لها بما يجري في هذه الساحات، لا سيّما أنّ علاقاتها ودعمها لهؤلاء الوكلاء أحد أبرز الملفات المطروحة للبحث والتفاوض، إلى جانب البرنامج الصاروخي والطائرات المسيّرة، والتدخل السلبي لفيلق القدس في المنطقة.

تطورات الحرب في اليمن

لا شكّ أنّ مجريات الحرب تشير إلى تحولات عميقة على الأرض تدل مخرجاتها على خسارات متوالية للحوثيين في العديد من المناطق والمحافظات، بما فيها محافظات جنوبية ووسطى، شملت معاقل حوثية في صعدة وعمران، وأهدافاً حيوية في صنعاء والمحافظات المحيطة بها.

ويدرك الحوثيون أنّ انخراط فيالق العمالقة المدعومة من الإمارات إلى جانب الجيش الوطني اليمني كان له الأثر الأبرز في تغيير موازين القوى في العمليات على الأرض، من هنا فمن غير الممكن عزل الصواريخ والمسيّرات الحوثية عن كونها جاءت في إطار ردود الفعل على دور الإمارات في الهزائم الحوثية الجديدة، والتي تقترب من دخول قوات الشرعية والعمالقة إلى مأرب، وقد أضعفت الضربات الجوية للتحالف قبضة الحوثيين داخل صنعاء وما حولها، ومؤكد أنّ محاصرة ميناء الحديدة من قبل قوات التحالف وحرمان الحوثي من استخدامه نقطة استقبال للدعم الإيراني، بما فيه من أسلحة وصواريخ، ستلعب دوراً باتجاه حسم المعارك ضد الحوثيين.

 

اقرأ أيضاً: هذا ما ينتظر الحوثيين في اليمن

تطورات المعارك على الأرض تؤكد أنّها ليست في مصلحة الحوثيين، وما لم يخضع تقدم الجيش الوطني اليمني والعمالقة لحسابات سياسية، فإنّ الأسابيع القادمة ستكون حاسمة بمزيد من الهزائم للحوثيين، تتجاوز هدف إجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بظروف وسياقات جديدة عنوانها فقدان إحدى أهمّ أوراقهم، وهي السيطرة على الأرض.

دور حزب الله اللبناني في المعارك الأخيرة

ليس جديداً القول إنّ حزب الله اللبناني يشارك عبر مستشارين وخبراء في العمليات القتالية التي تجري في اليمن بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، لكنّ حضور وانكشاف دور حزب الله في العمليات الأخيرة كان واضحاً ومعلناً، ليس فقط عبر فيديوهات تمّ بثها من قبل قوات التحالف لاجتماعات من قيادات حزب الله مع قيادات حوثية وإيرانية فقط، بل أيضاً من خلال اعترافات علنية من قبل كوادر حزب الله اللبناني "محمد رعد".

لكنّ الجديد حول دور حزب الله في اليمن، وفقاً لتسريبات أمنية جديدة، أنّ مستشاري حزب الله هم الذين اقترحوا خطة الهجوم الحوثي على مأرب، بهدف تحسين الموقف التفاوضي لإيران مع السعودية، وفي مفاوضات فيينا، وهو ما عارضه السفير الإيراني السابق لدى الحوثيين "حسن أيرلو"، والذي تؤكد مصادر أمنية موثوقة أنّه قُتل إلى جانب قيادات حوثية وخبراء من حزب الله اللبناني، في ضربات التحالف الجوية لمخابئ ومراكز تخزين وتجميع أسلحة وصواريخ إيرانية وأهداف عسكرية في مطار صنعاء على خلفية اختراقات أمنية واسعة، وهو ما ولّد خلافات بين إيران وأوساط من الحرس الثوري الإيراني مع حزب الله، وهو ما يفسّر دور حزب الله وإصراره في الردّ على الإمارات بهذه العملية.

خسائر حوثية جرّاء العملية

 لم تتجاوز عملية إطلاق الصواريخ والمسيّرات الحوثية على الإمارات مقاربة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية في العراق وسوريا إضافة إلى لبنان؛ إذ تنحصر بما تحققه من تفاعل إعلامي ورسائل إيرانية لحلفائها وقواعدها بقدراتها وصمودها، ارتباطاً بحجم الخسائر الناتجة عنها، والتي تقتصر على "أضرار مادية محدودة جدّاً، وإصابات محدودة في صفوف المدنيين".

 

يدرك الحوثيون أنّ انخراط فيالق العمالقة المدعومة من الإمارات إلى جانب الجيش الوطني اليمني كان له الأثر الأبرز في تغيير موازين القوى في العمليات على الأرض

 

 وبالمقابل، فقد قوبلت العملية بحركة تضامن دولية واسعة مع الإمارات، وأعادت طرح جدالات في أمريكا حول إعادة تصنيف الحوثي جماعة إرهابية، وأظهرت العملية أوساطاً أمريكية كانت ترى إمكانية للتفاهم مع الحوثيين بمواقف أضعف، لا سيّما بعد ثبوت رعاية القيادة الإيرانية للحوثيين ودعمهم، وهو ما سينعكس خلال مفاوضات إيران النووية وأدوارها الإقليمية.

وبموازاة ذلك، كان في دعوة الناطق العسكري باسم الحوثيين للدول والشركات الكبرى لعدم الاستثمار في الإمارات بوصفها منطقة غير آمنة ما يُذكّر ببيانات القاعدة ودعوة سكان العمارات العالية والأبراج لمغادرتها بعد 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، بالإضافة إلى كونها تكشف حقيقة ضرب أهداف مدنية في الإمارات.

 

اقرأ أيضاً: هزيمة الحوثيين صارت واردة

ورغم ما يبدو من مكاسب قد تحققها إيران في هذه العملية، إلّا أنّ استهداف دولة تمارس من خلالها إيران الكثير من عملياتها التجارية والمالية، وفي الوقت الذي تواجه فيه الإمارات ضغوطاً أمريكية لتشديد العقوبات على إيران، فإنّ خسائر إيران تبدو أكثر بكثير ممّا نتوقع، وربما ترسل رسالة إيرانية مشفرة تؤكد أنّ كثيراً من مسيّرات وصواريخ وكلائها في المنطقة "الإيرانية الصنع" أصبحت تخضع لحسابات أوساط في القيادة الإيرانية، تعكس خلافات وفجوات عميقة ستتبلور بشكل أوضح كلما اقتربت إيران من توقيع اتفاقها مع أمريكا، فقد بات مؤكداً أنّ الاتفاق الموعود سينعكس على تماسك ووحدة القيادة الإيرانية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية