تونس.. ما دلالات عودة اتحاد الشغل إلى الساحة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية؟

تونس.. ما دلالات عودة اتحاد الشغل إلى الساحة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية؟

تونس.. ما دلالات عودة اتحاد الشغل إلى الساحة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية؟


04/03/2024

بعد أن خسر معركة لي الأذرع التي خاضها ضد السلطة السياسية القائمة لاستعادة دوره كشريك في صنع القرار، يبدو أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر مركزية نقابية في البلاد، أشهر مجدداً ورقة الشارع بدعوى الدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية، إذ تظاهر آلاف من أنصاره، السبت، أمام مقر رئاسة الحكومة في العاصمة، رافعين شعارات تندد بما أسموه الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي.

تحرك قد يزيد، بحسب مراقبين، من حالة الجفاء في العلاقة المتوترة بين السلطة التونسية والمنظمة النقابية، التي اعتبروا أنّها تناور من أجل تسوية سياسية جديدة يكون له فيها دور مؤثر.

ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى منظمة مدنية تونسية، تضم ما لا يقل عن 80 في المائة من موظفي الدولة، وتأسس في 20 كانون الثاني/يناير 1946 على يد الزعيم النقابي فرحات حشاد، الذي اغتالته فرنسا بمدينة رادس جنوب تونس العاصمة في 5 كانون الأول/ديسمبر 1952.

تصعيد جديد

وخلال التحرّك النقابي بساحة القصبة على مقربة من مقر الحكومة، انتقد أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي ما اعتبره "تكميماً للأفواه" من قبل السلطة فيما وصف بأنّه تصعيد جديد من المنظمة العمالية لكبح جهود الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد التي تقوم بها السلطات.

وقال الطبوبي في كلمة أمام التجمع العمالي، إنّ الاتحاد "لا يقبل تكميم الأفواه وزرع الرعب والتخويف والتخوين" فيما يبدو أنّه تحد للحكومة وكذلك للرئيس قيس سعيّد المتواجد في الجزائر.

قيس سعيّد

كما ندد الاتحاد، الخميس، بتوقيف عضو مكتبه التنفيذي الطاهر البرباري، على خلفية ما وصفها "قضية مفتعلة" قبل إطلاق سراحه فيما تشير مصار الى أن الملف متعلق بالتفرغ النقابي المثير للجدل فيما يؤكد قادة الاتحاد أنّها تأتي للضغط من أجل احباط مظاهرات السبت.

وقال الأمين العام للاتحاد إنّ البلاد تشهد "انتهاكات خطيرة للحقوق النقابية..ما يعد خرقاً للمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس".

 

يعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى منظمة مدنية تونسية تضم ما لا يقل عن 80 في المائة من موظفي الدولة

 

هذا ووجهت قيادات نقابية من الاتحاد الذي يملك نفوذاً تقليدياً في تونس، انتقادات للسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة منذ إطاحته بالنظام السياسي في 2021، بسبب إيقافات لنقابيين للتحقيق في قضايا فساد وتعطيل العمل.

كذلك، وجه الطبوبي في الفترة الماضية رسائل مباشرة إلى السلطة السياسية القائمة، معتبراً أنّ المنظمة الشغيلة التزمت بالحكمة والرصانة طيلة الفترة الماضية داعيا إلى توفير الأرضية الملائمة لما أسماه "إنقاذ البلاد".

واستنفد الاتحاد العام للشغل كافة أوراقه خلال معركة لي الأذرع التي خاضها من أجل ابتزاز السلطة السياسة القائمة، كما فشل في تأليب الشارع على الرئيس التونسي الذي تحظى قراراته بتأييد واسع، فيما يذهب بعض التونسيين إلى حد المطالبة بوضع حد لما يصفونه بـ"تغوّل" النقابات والذي مثل أحد أسباب الأزمة في تونس.

مناورة أو استعراض قوة؟

تعليقاً على ذلك، اعتبر المحلل السياسي التونسي عبدالرزاق الرايس، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أنّ اتحاد الشغل يهدف من خلال هذا التحرك الاحتجاجي إلى إثبات "أنّ منظمته مازالت حاضرة في المشهد السياسي وتقوم بدورها".

وأوضح المحلل السياسي التونسي، أنّ "الاتحاد دخل في معركة كسر عظام مع السلطة التونسية"، مشيرًا إلى أنّه "رغم مساندته لمسار 25 تموز/يوليو 2021 الذي انتهجه الرئيس قيس سعيّد إلا أنّ السلطات التونسية ترفض الحوار مع هذه المنظمة النقابية نظرا لملفات الفساد التي تتورط فيها"، على حد قوله.

وبحسب المحلل التونسي، فإنّ "هذه المنظمة (اتحاد الشغل) تجد صعوبة في تعبئة النقابيين والمواطنين التونسيين مثلما برز ذلك في التحركات العمالية الأخيرة، إضافة إلى وجود مزاج شعبي ينتقد الاتحاد في العلن بسبب مشاركته في الحكم خلال فترة الإخوان، فضلاً عن حالة التغول إلى وصل إليها بعد 2011، واعتباره طرفًا رئيسًا في أي تشكيل وزاري، بل إنه لم تكن تعطى الثقة لحكومة إلا بعد استشارته".

من جهته، قال الباحث التونسي في العلوم السياسية محمد العربي العياري إنّ قيادة اتحاد الشغل “تتحرك للاستثمار في الظرفية السياسية”، غير مستبعد أن يكون الاتحاد قد فهم أنّ “هناك جبهة سياسية تعارض توجهات قيس سعيد قد بدأت تتشكل” فسعى الاتحاد لأن يكون من ضمنها.

وتابع العياري في تصريح لـ”العرب” أنّ “الاتحاد لا يراهن على قوته الشخصية بقدر ما يراهن على تطورات الساحة، ويظهر الآن في ساحة القصبة ليقول إننا قادرون على قلب المعطيات”.

ولفت العياري إلى وجود “تناقض رهيب وصارخ لاتحاد الشغل، والمركزية النقابية لا تحسن العمل النقابي ولا السياسي، بل مجرد استعراض قوة لا غير”.

تباين في المواقف

وكان الاتحاد قد أيد في البداية خطوة الرئيس قيس سعيّد بحل البرلمان في 2021 لمكافحة الفوضى السياسية ولكنه اعترض لاحقاً على سياساته “في الانفراد بالسلطة” والقرارات المصيرية للبلاد، وانتقد الطبوبي تطبيق “إملاءات صندوق النقد الدولي” على حساب التونسيين.

ولطالما شدد قيس سعيّد على أنّ الحق النقابي يكفله الدستور التونسي، مؤكداً رفضه لتحويله إلى وسيلة لتحقيق مآرب سياسية، في رسائل غير مباشرة موجهة إلى قيادة اتحاد الشغل.

 

استنفد الاتحاد العام للشغل كافة أوراقه خلال معركة لي الأذرع التي خاضها من أجل ابتزاز السلطة السياسة القائمة كما فشل في تأليب الشارع على الرئيس التونسي

 

وكانت البلاد قد توصلت إلى اتفاق أوّلي مع صندوق النقد الدولي نهاية العام 2022 للحصول على قرض وضخّ ملياري دولار في اقتصادها، لكن المفاوضات تعثّرت حين رفض الرئيس قيس سعيّد الإصلاحات التي أوصت بها المؤسسة المالية الدولية معتبراً أنّها تهدد السلم الاجتماعي في البلاد.

في الأثناء، يواجه الاقتصاد التونسي صعوبات، إذ اقتصر النمو عام 2023 على 0.4 بالمئة، وفقًا للمعهد الوطني للاحصاء، فيما تشهد البلاد معدلات تضخم مرتفعة تصل إلى 8 في المئة على أساس سنوي بسبب ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة.

وتمكنت تونس من تسديد ديونها للعام الماضي مخالفة كافة توقعات وكالات التصنيف الدولية، بعد أن سجلت بعض القطاعات الاقتصادية تعافياً مثل السياحة التي تعتبر أهم محركات الاقتصاد التونسي.

بالمقابل، دأب الاتحاد العام التونسي للشغل على الدفع بأنصاره إلى الشارع كلما أحس بأنّه بات على الهامش، فيما لم تلق مبادرته التي أنهى إعدادها ويروج لها على أنّها تشكل خارطة طريق لتسوية ما يصفها بـ"الأزمة السياسية"، أي تفاعل من طرف الرئيس التونسي الذي رفض الرضوخ لكافة الضغوطات التي مارستها المنظمة.

مواضيع ذات صلة:

ما السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

- لماذا اختار اتحاد الشغل التونسي التصعيد ضد الرئيس قيس سعيّد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية