الغرب والتحالف المشبوه مع الإخوان: هكذا تكلمت مارغريت تاتشر

الغرب والتحالف المشبوه مع الإخوان: هكذا تكلمت مارغريت تاتشر

الغرب والتحالف المشبوه مع الإخوان: هكذا تكلمت مارغريت تاتشر


02/08/2023

تظل مراقبة أنشطة شبكات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، وتحديداً، في بريطانيا، أمراً ملحاً، لا سيّما مع التواجد أو بالأحرى التوغل التاريخي للإسلاميين الذي مر بمحطات مهمة. وهي محطات كانت فيها الجماعة، بدرجات متفاوتة، تؤدي أدواراً وظيفية لعواصم أوروبية، بالأخص لندن. كما أنّ الجماعة استفادت من أوضاع عديدة، قانونية وسياسية، ساهمت في تكوين منظومتها المعقدة المرتبطة بمصالح مباشرة لدى بعض حكومات الغرب.

ومن المهم التذكير بالتصريح الشهير لرئيس وزراء بريطانيا، السيدة الحديدية، إنّ "مصلحتنا تستدعى دعم عودة المنطقة إلى تقاليدها الدينية العميقة"، عبر بوابات تنظيمات إسلامية على رأسها الإخوان.

بريطانيا والإخوان.. تاريخ التآمر

ذكرت وثائق بريطانية سرية تم الإفراج عنها من قبل الخارجية البريطانية، مؤخراً، وفق قانون حرية المعلومات، أنّ لندن اعتمدت على حواضن جماعة الإخوان باعتبارها منصة لشن هجوم و"حرب نفسية ودعائية" على الرئيس جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي. وقالت الوثائق البريطانية السرية، إنّ بريطانيا قامت بالترويج إلى منشورات تحمل اسم الإخوان زوراً لجهة تلفيق التهم إلى الجيش المصري أثناء انخراطه في الحرب باليمن. وقد كانت اليمن، وقتذاك، ميداناً محتدماً بالصراع بين "نظام عبد الناصر الجمهوري الجديد من جانب، والسعودية وبريطانيا الاستعمارية من جانب آخر".

وزعمت أحد المنشورات بأنّ القوات المسلحة المصرية باليمن "ليست مسلمة لأنّها تقتل المسلمين بالغاز". ووفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في نسختها العربية، فقد روّج المنشور، الذي أصدر باسم "جمعية الإخوان المسلمين الدولية"، للانتقادات والحجج داخل مصر وخارجها ضد التدخل العسكري المصري في اليمن، والذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب عام 1967 أمام إسرائيل. وقال إنّه "إذا كان لا بد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟".

الدكتور عبد السلام القصاص

وتابع: "ركز المنشور على أنّ الجيش المصري استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين". ووصف المصريين بأنّهم "كفرة وأبشع من النازيين".

وقال: "أيّها الإخوان المؤمنون إنّ هذه الجرائم الفظيعة المخيفة التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرم استعماله دولياً في الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية... هذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنّهم مؤمنون".

جماعة الإخوان التي أخفقت في مشروع "التمكين" بمصر، كما في غيرها من البلدان بعد الربيع العربي، اصطدمت بالإرادات الشعبية التي حطمت أوهام القوة والتنظيم

وعليه، فالامتيازات التي تحظى بها الجماعة الأم للإسلاميين في بريطانيا لا تعد مباغتة؛ إذ إنّ هناك قرابة (60) منظمة داخل بريطانيا، بحسب ما كشف المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ومقره ألمانيا، فيما تنامت حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أنّ تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار. وقد حصلت شركات الإخوان ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.

منظمات الإسلاميين بالغرب

ومن بين هذه المنظمات، الرابطة الإسلامية في بريطانيا(MAB)؛ وهي تمثل أبرز كيانات الإخوان بالمملكة وأسّسها القيادي السابق والمنشق كمال الهلباوي. وتضم قيادة حزب (MAB) قيادات إخوانية مثل عزام التميمي، الناشط السابق في حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية)، ومحمد صوالحة، العضو السابق في حماس. وأسامة التكريتي نجل زعيم الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين.

ويضاف إلى ذلك، منظمة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا، وهي مؤسسة إسلاموية بارزة، مرتبطة بشكل وثيق بشبكة الإخوان المسلمين، ولها فروع في أكثر من (20) دولة. تمتعت بقدر كبير من الوصول إلى المسؤولين الحكوميين البارزين. إذ تضمنت فعاليات الإغاثة الإسلامية خطابات للأمير تشارلز. كما أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية أول جمعية خيرية إسلامية متخصصة تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية لمشاريع في القارة الأفريقية عام 1994. وفي عام 2012، أغلق العملاق المصرفي السويسري UBS حسابات الإغاثة الإسلامية و "منع التبرعات القادمة من عملائه إلى المؤسسة الخيرية"، على خلفية مخاوف من تمويل الإرهاب، وبعد أربع سنوات، فعل بنك HSBC الأمر ذاته.

الباحث عبد السلام القصاص لـ"حفريات": العلاقة بين شبكات الإخوان والمخابرات البريطانية تطورت لدرجة التحالف المتين في مراحل منها الغزو السوفييتي لأفغانستان

وهناك المجلس الإسلامي في بريطانيا (MCB) التي تعد أكبر منظمة دعم سياسي تعمل باسم المسلمين في بريطانيا، تأسّست عام 1997 على يد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهى منظمة جامعة لأكثر من (500) مؤسسة إسلامية منتشرة في جميع أنحاء بريطانيا. وفي عام 2009 قررت بريطانيا وضعها تحت الرقابة على خلفية دعمها لعمليات العنف.

نهاية العام الماضي، أوضحت وثيقة شملت مراجعة مهمة لبرنامج "بريفينت" الحكومي (Prevent) لمكافحة التطرف في بريطانيا، بأنّ أموال دافعي الضرائب البريطانيين استخدمت "لتمويل جماعات تروج للتطرف".

إذاً، العلاقة بين الإخوان وبعض الحكومات الغربية، وبخاصة بريطانيا، التي تعد "أحد معاقل الجماعة، وفرت لها ملاذات آمنة بعد فشلها في الحكم بمصر والإطاحة الشعبية بمحمد مرسي في غضون أقل من عام"، كما سبق وحدث في فترة "الشتات مع حكم الرئيس عبد الناصر"، لا تبدو "علاقة هجينة بل تفضح ارتباطات ومصالح وسياسة تقوم على البراغماتية. وفي ما يبدو أنّ لندن، بخلاف غيرها من البلدان مثل فرنسا وألمانيا، غير عازمة على إنهاء أو القطيعة مع الميراث الإسلاموي وتوظيف قوى الإسلام السياسي"، حسبما يوضح الباحث المصري المختص في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص.

الإرادات الشعبية والاحتماء الإخواني بالغرب

ووفق القصاص، في حديثه لـ"حفريات"، فإنّ العلاقة بين شبكات الإخوان والمخابرات البريطانية قد تطورت لدرجة التحالف المتين في مراحل منها الغزو السوفييتي لأفغانستان، حيث جرى تدريب "المجاهدين" وتوفير السلاح والمال لهم، بل إنّ رئيسة وزراء بريطانيا زعيمة حزب المحافظين في الفترة بين منتصف السبعينات وحتى مطلع التسعينات، مارغريت تاتشر، قالت إنّ "مصلحتنا تستدعى دعم عودة المنطقة إلى تقاليدها الدينية العميقة".

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول الصحفي المصري المختص في الشؤون السياسية، أحمد البرديني، إنّ جماعة الإخوان التي أخفقت في مشروع "التمكين" بمصر، كما في غيرها من البلدان بعد الربيع العربي، "اصطدمت بالإرادات الشعبية التي حطمت أوهام القوة والتنظيم. لكنّ اللافت أنّ الجماعة الأم لقوى الإسلام السياسي كانت تتطلع إلى دعم الغرب وواشنطن بهدف استعادة النفوذ والسيطرة مرة أخرى. ورغم عقود انكشفت فيها مخاطر وكوارث التحالف المشبوه بين الحكومات الغربية وقوى الإسلام السياسي، بعد التفجيرات التي تعرضت لها بلجيكا وفرنسا ولندن وغيرهم، في ظل صعود اليمين الأوروبي المتطرف، وخطابات الكراهية المتبادلة، إلا أنّه من الواضح أنّ السياسة والارتباطات البراغماتية تجعل وجود ضرورة لبقاء هذه الروابط الخفية والمعلنة".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية