السودان بلد الميليشيات والحركات المتمردة... "أين الجيش"؟

السودان بلد الميليشيات والحركات المتمردة... "أين الجيش"؟

السودان بلد الميليشيات والحركات المتمردة... "أين الجيش"؟


11/09/2023

فاقمت جماعة الإخوان المسلمين منذ استيلائها على السلطة 1989، وسيطرتها التامة على قيادة القوات المسلحة على مدى (30) عاماً، من تأسيس الميليشيات المسلحة التابعة لها والمساندة للجيش مجازاً، الأمر الذي أضعفه وحطّ من قدراته وخفّض من تمويله.

كان الجيش السوداني مُغرماً دائماً بتأسيس الميليشيات لمواجهة التمردات المتواترة في أطراف البلاد، خصوصاً في جنوب السودان وجبال النوبة بمنطقة جنوب إقليم كردفان، حيث شرع نظام الرئيس السابق جعفر النميري (1969ـ 1985) في إطلاق أول ميليشيا قبلية مساندة للجيش تحت عنوان (القوات الصديقة)، من أجل محاربة حركة أنانيا المتمردة في جنوب السودان. ومنذ ذلك الوقت تناسلت الميليشيات بمتوالية هندسية حتى بلغت ذروتها في حقبة حكم الإخوان (1989 ـ 2019).

الدعم السريع

في الآونة الأخيرة، شهد السودان جدلاً كبيراً حول قوات الدعم السريع، وخلال الحرب الراهنة قام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بحلها مرتين، الأمر الذي أثار سخرية واسعة وأصبح محل تندر في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر مراقبون أنّ التضارب في القرارات الصادرة عن الجيش السوداني عائد إلى سيطرة جماعة الإخوان على مفاصله، وأنّها تفعل ذلك من أجل إظهار ضعف وتردد قيادة الجيش وتهيئة الرأي العام توطئة للانقضاض عليها، إذا ما مضت في طريق المفاوضات السلمية لحل النزاع القائم.

أكاديمياً ـ وبحسب  قاموس أوكسفورد ـ  فإنّ الميليشيا: "قوة عسكرية يتم تكوينها من المدنيين لدعم جيش نظامي في حالات الطوارئ"، ويبدو أنّ هذا التعريف لا ينطبق على قوات الدعم السريع في نسختها الأخيرة التي أجاز قانونها المجلس الوطني (برلمان جماعة الإخوان) عام 2017، حيث أشار إليها كقوة عسكرية مساندة للجيش السوداني تأتمر بأمر قانون القوات المسلحة في التسليح والتنظيم والقوانين العسكرية. 

 قائد الجيش عبد الفتاح البرهان

لكن عقب سقوط نظام البشير وتولي المجلس العسكري الانتقالي السلطة أصدر  رئيسه عبد الفتاح البرهان في آب (أغسطس) 2019 مرسوماً بإلغاء المادة الخامسة من قانون الدعم السريع الخاصة بخضوعها لقانون القوات المسلحة، وقد جاء المرسوم على النحو الآتي: "تُلغى المادة الخامسة من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017، الخاصة بخضوعها لقانون القوات المسلحة، بجميع فقراتها، مع إعادة ترقيم مواد القانون؛ وفقاً لذلك"، وبالتالي أصبحت لقوات الدعم السريع استقلالية في الحركة واتخاذ القرار.

هاتوا برهانكم

يُشاع، ولا أحد يستطيع إيراد دليل قاطع على ذلك، أنّ قوات الدعم السريع كانت ضمن ميليشيا الجنجويد سيئة السمعة، والتي ارتكبت جرائم حرب يندى لها الجبين في إقليم دارفور غرب السودان.

كان الجيش السوداني مُغرماً دائماً بتأسيس الميليشيات لمواجهة التمردات المتواترة في أطراف البلاد، خصوصاً في جنوب السودان وجبال النوبة بمنطقة جنوب إقليم كردفان

الواقع أنّ الجنجويد أيضاً لم يؤسسها الشيخ موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد العربية في شمال إقليم دارفور، كما لم يكن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو جزءاً منها في أيّ وقت، كما أنّه ليس ابن عم موسى هلال كما يشاع ويروج، بل هما ليسا من قبيلة واحدة، فهلال ينتمي إلى قبيلة المحاميد، وحميدتي ينتمي إلى قبيلة الماهرية، ويجمعهما كيان كبير يطلق عليه اسم (الرزيقات).

إذاً، من هو مؤسس الجنجويد؟

الإخونجية وراء كل شيء

أسس حزب المؤتمر الوطني (إخوان) ميليشيا الجنجويد لمواجهة التمرد الذي انتظم إقليم دارفور 2013 من خلال حركتي تحرير السودان (علمانية)، والعدل والمساواة (إخوان)، واستدعى لها وزير الدولة بالداخلية السابق أحمد هارون، وهو هارب الآن من سجن كوبر بالخرطوم إلى شرق السودان، كما أنّه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بجانب شخص آخر يدعى علي كوشيب كان يتبع لميليشيا الاحتياطي المركزي التي قننت لاحقاً تحت اسم (قوات الاحتياطي المركزي) وألحقت بوزارة الداخلية، وكان قيادياً فعالاً في ميليشيا الدفاع الشعبي الإخوانية.

 ويمثل كوشيب الذي يأتي رابعاً في قائمة المسؤولين السودانيين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، والتي تضم (51) شخصاً، أبرزهم الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير دفاعه السابق عبد الرحيم حسين، وأحمد هارون؛ يمثل الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في مواجهة (50) تهمة متعلقة بجرائم حرب، بعد أن سلم نفسه طواعية عام 2020.

 الشيخ موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد العربية في شمال إقليم دارفور

ويُعدّ الرجل أول متهم سوداني يُسلم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنّه يُمثل المتهم الرابع في قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بعد الرئيس السوداني السابق عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين ووزير الداخلية حينذاك أحمد هارون.

الجيش زعيم الجنجويد

لاحقاً، استعانت الحكومة بالشيخ موسى هلال لتجنيد أبناء القبائل العربية في ميليشيا الجنجويد، وأصبح أحد قادتها. أمّا حميدتي، فقد كان تاجراً للجمال بين السودان وليبيا وتشاد ومصر وغرب أفريقيا، ثم كوّن قوة عسكرية من أبناء قبيلته لحماية قوافلهم، وما لبث أن تمرد على حكومة الخرطوم عام 2007، حتى تم استدعاؤه للعودة مجدداً إلى طوع الحكومة التي أسست له قوات الدعم السريع ودربت أفرادها ومنحتهم رتباً عسكرية نظامية وأتبعتها لجهاز الأمن والمخابرات، قبل أن تشرع لها قانوناً خاصاً أجيز بالإجماع في برلمان الإخوان عام 2017، وصارت بموجبه تابعة لرئاسة الجمهورية، مثلها مثل (الحرس الجمهوري)، وبالتالي تم تقنينها.

ليس كمثله بلد

يعجّ السودان، بما ليس موجوداً في أيّ بلد آخر في العالم، بالعشرات من الميليشيات التي تتبع للحكومة أو المتمردة عليها، وقد أسهم الجيش السوداني بشكل أساسي في تكوين هذه الميليشيات؛ الأمر الذي دفع بعض الجماعات العرقية إلى التمرد عليه وتكوين ميليشيات مماثلة للدفاع عن نفسها أمام جبروت السلاح.

أسس حزب المؤتمر الوطني (إخوان) ميليشيا الجنجويد لمواجهة التمرد الذي انتظم إقليم دارفور 2013 من خلال حركتي تحرير السودان (علمانية)، والعدل والمساواة (إخوان)

لكن لم يحدث في تاريخ السودان أن تناسلت الميليشيات إلى هذه الدرجة إلّا خلال حكم جماعة الإخوان، ومن أهم الميليشيات التابعة للجيش والحكومة: القوات الصديقة، المراحيل، الجنجويد، حرس الحدود، الاحتياطي المركزي، الدفاع الشعبي، الأمن الشعبي، المجاهدون، الدعم السريع (سابقاً) قبل تقنينها، الشرطة الشعبية، أخوات نسيبة (ميليشيا نسائية إخوانية)، كتائب الظل، كتيبة البراء بن مالك، وحالياً تشرف الحركة الإسلامية السودانية (إخوان) بالتعاون مع الجيش على تدريب ميليشيات جديدة تحت عنوان (المُستنفرون). 

بالنسبة إلى الميليشيات المسلحة المتمردة على الحكومة، فإنّ بعضها وقّع اتفاقيات سلام معها، وما يزال البعض متمرداً، وأبرز تلك الميليشيات المسماة بحركات الكفاح المسلح: الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال بقيادة مالك عقار، حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل، حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، تجمع قوى التحرير بقيادة الطاهر حجر، حركة الجبهة الثالثة (تمازج) بقيادة محمد علي قرشي "أسستها الاستخبارات العسكرية"، مؤتمر البجا التصحيحي بقيادة زينب كباشي، مؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد، الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داود، مؤتمر البجا المكتب القيادي برئاسة أبو محمد أبو آمنة، مؤتمر البجا القيادي برئاسة عبد الله موسى، مؤتمر البجا للكفاح المسلح بقيادة فكي علي أوهاج، الحركة الشعبية شمال القوى الثورية. 

وهذا غيض من فيض، فكيف يتصرف الجيش السوداني مع كل هذه الحركات والميليشيات المنشطرة عن بعضها البعض والمتناسلة من (أب واحد)؟ وهو الجيش السوداني نفسه الذي حكم البلاد أكثر من نصف قرن، وانصرف عن مهامه الأساسية إلى ممارسة الحكم والسياسة والتجارة بالحد الأدنى من الوعي والإمكانيات البشرية، فأغرق البلاد والعباد في فوضى عارمة، لا مخرج منها إلا بعودته إلى الثكنات وتخليه عن الحكم، كما يقول مراقبون.

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية