أزمة دير الزور: محاولات مشبوهة لجر المنطقة إلى صراع طائفي ونزاع قومي.. ما القصة؟

أزمة دير الزور: محاولات مشبوهة لجر المنطقة إلى صراع طائفي ونزاع قومي.. ما القصة؟

أزمة دير الزور: محاولات مشبوهة لجر المنطقة إلى صراع طائفي ونزاع قومي.. ما القصة؟


10/09/2023

على ما يبدو هناك مصالح، أو بالأحرى أطماع؛ جعلت قوى خارجية تقوم بتحريك أزمة متوهمة عبر تأجيج نزاع بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة دير الزور. هذا الوتر الحساس والدقيق يخفي حسابات أخرى خفية تبحث عن حصة من نفط المنطقة الغنية بشمال شرقي سوريا. فقوات سوريا الديمقراطية تضم بين قواتها ممثلين من العرب والسريان والآشوريين ومختلف مكونات المنطقة، ولا توجد سابقة توتر على أساس طائفي أو هوياتي وقومي.

غير أنّ الحكومة في دمشق وحلفاءها من الميليشيات الإيرانية تسعى لتوتير الوضع وبعث مشكلة أمنية؛ لغرض حلحلة نفوذ الولايات المتحدة وقوات (قسد)، فضلاً عن الاستحواذ على النفط لحل أزمة النظام المالية والاقتصادية بفعل العقوبات.

دور تركي مشبوه

ولم تكن تركيا بعيدة عن هذا الصراع المصنوع، سواء بالتحريض وشن خطابات كراهية تسعى لتفجير الخلافات القومية، أو تحريك القوات المدعومة من أنقرة في المنطقة للانخراط في الاشتباكات. وقامت عناصر من ميليشيات الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، والمتهم بـ "جرائم حرب"، وفق التقارير الأممية، بتنفيذ هجمات ضدّ مناطق الإدارة الذاتية. كما صرح أردوغان بأنّ العشائر العربية هم أصحاب تلك المناطق الأصليين وتنظيم "واي بي جي"، مجرد تنظيم "إرهابي"، لايعترف بحق الناس في الحياة، وعلى الدول الداعمة لهذا التنظيم معرفة ذلك.

هذا الصراع الذي تقوده أطراف خارجية لديها مصالح مشتركة، تزامن مع توترات محتدمة حصلت في سماء شمال شرقي سوريا، بين مسيّرات أمريكية ومقاتلات روسية، وما سبقها من هجمات متفرقة من الميليشيات الإيرانية على نقاط تابعة للقوات الأمريكية. وعليه شهدت محافظة دير الزور شرق سوريا اشتباكات دامية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لشمال وشرق سوريا، وعدد من العشائر العربية.

لم تكن تركيا بعيدة عن هذا الصراع المصنوع

الاشتباكات جاءت إثر اعتقال (قسد) أحمد الخبيل، وكنيته (أبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها. وأعلنت لاحقاً عزله، متهمة إيّاه بالتورط بـ "جرائم جنائية والاتجار بالمخدرات وسوء إدارة الوضع الأمني"، وبالتواصل مع النظام السوري. وأثار توقيفه غضب مقاتلين عرب محليين مقربين من الحكومة السورية، الأمر الذي وصل ذروته مع تنفيذ هجمات ضد نقاط تابعة لقوات (قسد)، واندلاع اشتباكات في عدة قرى.

تنامت الأحداث بسرعة، واتسعت رقعة القتال في دير الزور خلال الأيام الأخيرة، إذ فتحت العشائر العربية عدة جبهات، فضلاً عن تدخل بعض الأطراف والجهات الإقليمية بشكل غير مباشر، وإطلاق خطابات للتجييش والتعبئة. وكلها كانت تتمحور حول تحريض العشائر ضد (قسد)، وأنّ هذه ثورة أبناء العشائر في المنطقة.

هذا الصراع الذي تقوده أطراف خارجية لديها مصالح مشتركة، تزامن مع توترات محتدمة حصلت في سماء شمال شرقي سوريا، بين مسيّرات أمريكية ومقاتلات روسية

 

اللافت أنّ الأحداث التي كشفت عن خبيئة الدور التركي التحريضي، بل ودعم "الائتلاف السوري المعارض" التابع لأنقرة، فضلاً عن الخطاب الإعلامي للنظام السوري وحلفائه (إيران وروسيا)، تجعل الصورة أوضح في استنتاج الأهداف والمصالح المشتركة؛ حيث إنّ محاولة تفجير لغم الصراع القومي والعشائري جاء بهدف التمدد شرق الفرات والتفرد بحقل (العمر) النفطي، أكبر حقول النفط بسوريا، بجانب حقل (كونيكو) للغاز، وهذا لن يحدث سوى بحلحلة الوجود الكردي وإنهاء الدعم الأمريكي لـ (قسد).

ثمّة أطراف عدة تتقاسم النفوذ في دير الزور بشرقي سوريا. تقطن غالبية العشائر العربية في هذه المحافظة، التي تضم معظم حقول النفط السورية، والتي تسيطر فيها (قسد) المكونة من قوات كُردية وعربية وسريانية وآشورية، على الضفة الشرقية لنهر الفرات، بينما تسيطر قوات النظام السوري مع الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية  على الضفة الغربية لنهر الفرات.

في حين تتواجد القوات الأمريكية في قاعدة بحقل (العمر) النفطي، وكذلك في حقل (كونيكو) للغاز. وما يزال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي موجوداً هناك بخلاياه النائمة وذئابه المنفردة. وكثيراً ما تستهدف خلايا تابعة للتنظيم المتطرف قوات النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية على حدٍّ سواء.

تفاصيل الأحداث بشرق الفرات

الاشتباكات التي دارت وما تزال جارية منذ أسبوع في دير الزور شرق سوريا، أسفرت عن مقتل أكثر (71) شخصاً غالبيتهم مقاتلون، بينهم (9) مدنيين، وفق (المرصد السوري لحقوق الإنسان)، وارتفعت وتيرة التصعيد بعد عبور عناصر موالية لقوات النظام الفرات باتجاه مناطق الاشتباك، وأعلنت (قسد) حظراً للتجوال استمر ليومين متتاليين. وفي نهاية الشهر الماضي أطلقت (قسد) حملة أمنية تحت اسم "تعزيز الأمن" بدير الزور، هدفها ملاحقة خلايا تنظيم (داعش) الإرهابي، وتجار المخدرات الذين يتسللون من الضفة الغربية لنهر الفرات، بجانب متورطين بجرائم وانتهاكات بحق السكان.

الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية ومدير المركز الإعلامي، فرهاد شامي، صرح لموقع (حفريات) أنّ هذه العملية الأمنية جاءت بناءً على مطالب أهالي منطقة دير الزور، وتهدف إلى ملاحقة الخلايا الإرهابية وتجفيف حواضنها، واتهم شامي مقاتلين وصفهم بـ"المستفيدين من القيادي الموقوف (أبو خولة)، ومسلحين مرتزقة مرتبطين بالنظام السوري، بمحاولة خلق فتنة بين (قسد) وبين العشائر العربية في المنطقة".

المناطق الخاضعة لسيطرة (قسد) في دير الزور تتشكل من (127) قرية

كما أشار الناطق الرسمي باسم (قسد) إلى أنّه بعد تدشين قوات سوريا الديمقراطية حملة أمنية، رأت بعض الأطراف والجهات الخارجية أنّ هذه الحملة قد تؤثر على نشاطها وخلاياها في المنطقة بدير الزور، فحاولت إثارة الفتنة بين الأهالي و(قسد).

في بداية الاشتباكات سيطر مقاتلو العشائر العربية على (4) مناطق بدير الزور؛ وهي: (الشحيل، والبصيرة، والصبحة، والذيبان)، إلا أنّ (قسد) أعادت السيطرة على كل هذه القرى ما عدا قرية الذيبان، طبقاً لما أوضحه الناطق الرسمي باسم (قسد"، مضيفاً لـ (حفريات): "قواتنا تتقدم في مناطق جديدة بالذيبان، والأمور تتجه نحو الحسم".

من وراء تأجيج الصراع؟

المناطق الخاضعة لسيطرة (قسد) في دير الزور تتشكل من (127) قرية، وهي مساحة جغرافية واسعة. ولكنّ التوترات حصلت في (4) مناطق فقط، وحتى العشائر العربية كـ (الشعيطات)، والأفراد الأساسيين من عشيرة (العكيدات) كانوا إلى جانب (قسد)، ولم ينضموا إلى هذه الأحداث التي حرضت عليها أطراف تابعة للنظام السوري، والذين توغلوا في الضفة الغربية من نهر الفرات، وانضموا إلى بعض تجار المخدرات، وأشخاص على قائمة المطلوبين لارتكابهم عدة أعمال إجرامية، وطبعاً لدينا مشاهد مصورة تثبت توغل عناصر للنظام إلى هذه المنطقة، وفق ما يشير إليه شامي لـ (حفريات).

مدير المركز الإعلامي لـ (قسد) أكد أنّ الأحداث الجارية في دير الزور ليست اقتتالاً بين المكونين الكُردي والعربي، كما تروج له بعض الأطراف، بل هي عملية عسكرية تقوم بها (قسد) ضد مسلحين موالين لجماعة القيادي المعزول (أبو خولة).

فرهاد شامي: الأحداث الجارية في دير الزور ليست اقتتالاً بين المكونين الكُردي والعربي، كما تروج له بعض الأطراف

 

وفي حديثه عن الأحداث التي تجري في ديرالزور بين (قسد) والعشائر، اعتبر الصحفي السوري علي نمر أنّ الولايات المتحدة ساهمت في "تأجيج الصراع أكثر حين عمدت إلى محاسبة أحد قيادات المجلس العسكري في دير الزور، بطريقة أوحت وكأنّ الخلاف عربي-كُردي، بينما الأمر عكس ذلك تماماً"، موضحاً لـ (حفريات) أنّه كان بإمكانها وضع حدٍّ لهذا القيادي في عقر داره وبعيداً عن قيادة (قسد) العليا، خاصّة أنّه كان يعمل تحت إمرة قوات التحالف الدولي الحامية له، في المساحة المناطقية التي كانت تحت سيطرته منذ سقوط تنظيم (داعش) الإرهابي، وقد "عاث فيها المدعو (أبو خولة) فساداً وتنكيلاً، دون أدنى قواعد الاحترام لطبيعة المنطقة التي أساسها تاريخياً عشائري".

وأوضح نمر أنّ الآراء التي خرجت حول وجود خطة خارجية وراء تأجيج العشائر ضد (قسد) وأمريكا ليست "افتراءات؛ فإنّ جميع القوى الخارجية الموجودة على الأراضي السورية تعمل بالاستفادة من التناقضات القائمة لتحقيق مصالحها، وتنفذ أجنداتها وفق موازين القوى على الأرض".

ومن المعروف أنّ محافظة دير الزور بالذات تتواجد فيها جميع الأطراف الخارجية، بالإضافة إلى مختلف سلطات الأمر الواقع، مّما يعني وجود أجندات متعددة على مساحة جغرافية محددة، وكل أجندة في ماهيتها هي استهداف لغيرها أو عرقلة لمشاريعها المتناقضة مع الأخرى، لذلك لا حلول في الأفق، أو بالأحرى جميع الحلول مؤقتة، إلى حين تطبيق الحل السياسي مع القرار الدولي (2254) الذي يدعو إلى الانتقال السياسي السلمي، وخروج القوات الأجنبية كافة من الأراضي السورية.

لصالح من هذه التوترات؟

في شمال سوريا نفّذ مقاتلون موالون لأنقرة، قالوا إنّهم ينتمون إلى عشائر عربية، هجمات ضدّ مناطق سيطرة (قسد)، دعماً للمقاتلين المحليين في دير الزور. وتحدّث الإعلام الرسمي السوري عن قتال بين (قسد) ومقاتلين من (أبناء العشائر العربية). وأشارت صحيفة (الوطن) المقرّبة من الحكومة السورية إلى (قوات العشائر العربية).

فيما نشرت لونا الشبل، المستشارة الخاصّة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، على صفحتها الشخصية على منصة (فيسبوك) منشوراً تمجد فيه قتال العشائر العربية ضد (قسد)، فكتبت: "ما يحصل في دير الزور هو بطولات أبناء العشائر، أبناء سوريا الأبطال، وهم يحررون القرية تلو الأخرى. الأمريكي يقاتل معتمداً على العملاء...، والقائد والجيش يقاتلون بدعم أبناء الوطن الشرفاء... تحية حبّ لأبناء عشائر سوريا الوفية لتراب الوطن".

وفي المحصلة، أمسى من الواضح أنّ وراء تحريك هذه العشائر أطرافاً لها مصلحة مشتركة؛ تهدف لإضعاف (قسد) والوجود الأمريكي. وهم التحالف الروسي الإيراني والحكومة السورية، فضلاً عن الجانب التركي. ويبدو جلياً أنّ ما يحصل اليوم هو تحريض من هذه الأطراف على الانفلات الأمني في هذه المنطقة الجيواستراتيجية المؤثرة؛ لإحداث تغييرات ميدانية وسياسية تؤدي لتموضع قوى جديدة. وقد دعت واشنطن بدورها إلى الاستقرار. وأعلنت سفارتها في دمشق، مطلع الأسبوع، عن لقاء بين مسؤولين أمريكيين و(قسد) ووجهاء عشائر في دير الزور، اتُّفق فيه على ضرورة خفض العنف في أقرب وقت، والتحذير من مخاطر تدخل جهات خارجية في المنطقة.

علي نمر: رغم سقوط تنظيم داعش الإرهابي في آخر معاقله في بلدة الباغوز بدير الزور، إلا أنّ الخلايا النائمة له ما تزال موجودة وتنفذ عملياتها بين الفينة والأخرى

 

وختم الصحفي السوري علي نمر تعليقه، حول ردود فعل قوات سوريا الديمقراطية وأمريكا بعد إنهاء هذه التوترات، موضحاً أنّ الذي مهد لحدوث هذه التوترات يعلم مسبقاً أنّها لن تنتهي بين ليلة وضحاها، ويعود ذلك لسببين مهمين؛ الأول أنّ هذه المنطقة من سوريا، والمتاخمة لها من العراق، لم يستطع النظامان السوري والعراقي تاريخياً التحكّم بها بسبب العقلية العشائرية التي كانت قراراتها أقوى من الأجهزة الحكومية الموجودة التابعة للمركز، حتى إنّ العديد من القضايا العالقة كان يتم التوافق عليها بعد تدخل فروع العشائر في باقي الدول العربية، وخاصّة الخليج العربي.

أمّا السبب الثاني، فهو رغم سقوط تنظيم داعش الإرهابي في آخر معاقله في بلدة الباغوز بدير الزور، إلا أنّ الخلايا النائمة له ما تزال موجودة وتنفذ عملياتها بين الفينة والأخرى، ممّا يعني أنّ هذا التنظيم ما يزال خطره قائماً، وهو المستفيد الأول من هذه التوترات، وبإمكانه اللعب على وتر الاصطفافات العشائرية وارتكاب المزيد من الجرائم لإطالة أمد النزاع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية