حرب لا يتابعها أحد.. الانحياز الأمريكي يشعل النار في برميل البارود

حرب لا يتابعها أحد.. الانحياز الأمريكي يشعل النار في برميل البارود

حرب لا يتابعها أحد.. الانحياز الأمريكي يشعل النار في برميل البارود


11/01/2024

يبدو أنّ التركيز الإعلامي على الأحداث المأساوية في قطاع غزة خطف الأضواء من حرب أخرى تجري فصولها، بالتزامن مع المحرقة الصهيونية في القطاع، حيث تخوض الولايات المتحدة صراعاً حقيقياً مع الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، وقد انتهزت إيران التواطؤ الأمريكي مع إسرائيل من أجل كسب أرض جديدة في الشرق الأوسط، وسط ضغط هائل على القواعد والمصالح الأمريكية؛ الأمر الذي قد يدفع صناع القرار في الولايات المتحدة إلى التفكير في استراتيجية خروج جادة، بعد أن أصبحت القوات الأمريكية مكشوفة، وقد أصبحت هدفاً سهلاً للانتقام.

 وفي الواقع، وبحسب دراسة لموقع (inkstick) للدراسات الاستراتيجية، فإنّ التصرفات الأمريكية والإسرائيلية العدوانية تعزز ردود فعل مضادة وقوية من جانب طهران، كما أنّ دوافع إسرائيل المحتملة في استخدام وجود واشنطن؛ لتوسيع حربها مع حزب الله اللبناني، سوف تجعل الوضع أكثر إثارة للقلق.

برميل البارود المشتعل

يعكس تبادل إطلاق النار بين القوات الأمريكية، ومحور المقاومة الذي تقوده إيران، سيناريوهات مثيرة للقلق بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية، وسط الفشل المستمر في منع هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على المواقع الأمريكية، وخطوط الشحن البحري الدولي في البحر الأحمر.

في المقابل، تحاول إدارة بايدن تنفيذ نهج دبلوماسي منضبط، يركز على خفض التصعيد في نقاط الاحتكاك المحتملة والفعلية في المنطقة، وعدم المخاطرة بتعريض الجنود والمواطنين الأمريكيين للخطر. لكنّ استمرار دعم إسرائيل بهذا الشكل يمنح إيران مبررات قوية، وتأييداً شعبياً كبيراً في المنطقة، يمكنها من خلاله حلّ تناقضات الداخل من جهة، وإعادة تجميل شخصية حسن نصر الله الذي فقد شعبيته في المنطقة، من جهة أخرى.

التصرفات الأمريكية والإسرائيلية العدوانية تعزز ردود فعل مضادة وقوية من جانب طهران

وبحسب موقع (the hill) للدراسات العسكرية، فإنّه منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) استهدفت الميليشيات المدعومة من إيران القوات الأمريكية أكثر من (118) مرة؛ ممّا أدى إلى إصابة ما يقرب من (70) جندياً أمريكياً. وانخفضت الهجمات على المواقع الأمريكية بشكل ملحوظ خلال الهدنة بين إسرائيل وحماس، في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، باستثناء ما جرى في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث كان استهداف قاعدة أمريكية في سوريا هو الهجوم الأول خلال الهدنة.

تزامن ذلك مع نشاط كبير للميليشيات المدعومة من إيران في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، عبر ميليشيات الحوثي المتمركزة في اليمن، شمل الضربات الصاروخية، ومراقبة الطائرات بدون طيار للسفن الأمريكية، والاشتباك المباشر، وقد ردت الولايات المتحدة بإسقاط صواريخ، وإغراق قوارب للحوثي في البحر الأحمر، والسماح بشن ضربات على الجماعات المسلحة وأفرادها في سوريا والعراق.

سياسات أمريكا غير المفهومة في الشرق الأوسط تمنح طهران فرصة ذهبية لممارسة أدوار جديدة، وبسط هيمنتها على الجوار العربي، وإيجاد مبرر قوي لوجود الميليشيات التابعة، والتي أصبحت كل منها بمثابة دولة داخل الدولة

 

ومنذ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) أطلق المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن العديد من الطائرات بدون طيار، والصواريخ على السفن العسكرية والمدنية، وحاولوا أيضاً الاستيلاء عليها، احتجاجاً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وحتى الآن تمّ رصد أكثر من (26) هجوماً للحوثيين على السفن التجارية، التي تعبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وقد نجحت عمليات القصف في تعطيل خطوط الشحن والإمداد الدولية، حيث قامت شركة (ميرسك) وشركات الشحن الكبرى الأخرى بتعليق عبورها عبر الممرات المائية.

من جهتها، حاولت الولايات المتحدة التخفيف من حدة الاعتداءات من خلال عملية عسكرية تمّ إطلاقها في 18 كانون الأول (ديسمبر)، وتكوين فرقة عمل بحرية مكونة من (22) دولة، تعمل على الدفاع عن السفن من هجمات الحوثيين في المنطقة.

وفي 31 كانون الأول (ديسمبر) اشتبكت القوات الأمريكية والحوثية بشكل مباشر، عندما حاول مسلحون على متن (4) قوارب صغيرة الاستيلاء على سفينة حاويات ترفع علم سنغافورة، وردّت الولايات المتحدة بإغراق (3) من القوارب الـ (4)، ممّا أسفر عن مقتل (10) مقاتلين من الحوثيين.

ومن المحتمل أن توجه الولايات المتحدة ضربة جوية استباقية لإجهاض تحركات الحوثيين في المنطقة، وأكدت تقارير أمريكية أنّ مسؤولي البنتاغون قاموا بوضع قائمة بالأهداف المحتملة لضربها في اليمن، بما في ذلك مرافق تخزين الذخيرة الحوثية، وقواعد الرادار، ومواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار. وفي المقابل، أطلق زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي تهديدات بضرب السفن الأمريكية في البحر الأحمر، إذا استهدفت واشنطن قواته في اليمن.

حرب لا يتابعها أحد

تشير مصادر خاصّة إلى أنّ الميليشيات المدعومة من إيران تشعر بالإحباط من عدم فعالية الرد على العملية الإسرائيلية في غزة، وتطالب جماعات عراقية مسلحة  بضرورة دفع الولايات المتحدة ثمناً أعلى مقابل ما يحدث من انتهاكات في القطاع. ويحاول الحرس الثوري الإيراني احتواء حالة التذمر تلك، عبر عدة لقاءات قام بها إسماعيل قاآني نفسه مع قادة النجباء والوارثين وغيرهم، من أجل إحداث توازن داخل جبهة المقاومة الإسلامية الموالية، والتأكيد على أنّ التصعيد لا بدّ أن يقوم على تحركات متزنة.

حتى الآن تمّ رصد أكثر من (26) هجوماً للحوثيين على السفن التجارية

ومنذ منتصف تشرين الأول (أكتوبر) تعرّض الجيش الأمريكي لعشرات الهجمات في العراق وسوريا من قبل الميليشيات الموالية لإيران بالصواريخ والطائرات بدون طيار الهجومية أحادية الاتجاه، ممّا أدى إلى إصابة العشرات من أفراد القوات الأمريكية بجروح متفاوتة الخطورة.

وبحسب موقع (the hill)، ردّت الولايات المتحدة على الهجمات بشن ما لا يقلّ عن (6) ضربات انتقامية منفصلة؛ (3) منها في سوريا و(3) في العراق. ووقعت الضربات في سوريا في 26 تشرين الأول (أكتوبر) و8 و12 تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما وقعت الضربات في العراق في 20 و21 تشرين الثاني (نوفمبر) و25 كانون الأول (ديسمبر)، في وقت متأخر من يوم عيد الميلاد، وذلك في أعقاب هجوم بطائرة بدون طيار قبل أقل من (13) ساعة، من قبل مسلحين متحالفين مع إيران، على قاعدة أمريكية في أربيل بالعراق. وقد تركت تلك الضربة أحد أفراد الخدمة الأمريكية في حالة حرجة، وأصابت جنديين أمريكيين آخرين.

وكانت القاعدة الأمريكية نفسها هدفاً متكرراً للهجمات، بما في ذلك الحادث الذي وقع في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، عندما ضربت طائرة بدون طيار الثكنات هناك، لكنّها لم تنفجر.

دوافع إسرائيل المحتملة في استخدام وجود واشنطن؛ لتوسيع حربها مع حزب الله اللبناني، سوف تجعل الوضع أكثر إثارة للقلق

 

وللولايات المتحدة (2500) جندي في العراق، و(900) جندي في سوريا المجاورة، وتعمل هذه القوات على منع عودة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

من جهة أخرى، وللمرة الأولى منذ أكثر من عام، تعرّض مجمع السفارة الأمريكية في بغداد في 8 كانون الأول (ديسمبر) لهجوم بقذائف الهاون، ولم تعلن أيّ جماعة مسؤوليتها عن الحادث، على الرغم من أنّ الأدلة الأولية تشير إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران، ولحقت أضرار طفيفة بمرافق السفارة، بينما لم تقع إصابات.

العراق يطالب برحيل القوات الأمريكية

في حدث منفصل، استهدفت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي كاظم الجواري (أبو التقوى)، زعيم ميليشيات حركة حزب الله النجباء المدعومة من إيران، بعد هبوطه بالقرب من مقر أمني في بغداد.

والنجباء أحد أبرز ألوية الحشد الشعبي، وهي شبكة من الجماعات والميليشيات التابعة لإيران في العراق، والمسؤولة عن العديد من الضربات بطائرات بدون طيار وصواريخ، على القواعد التي تضم القوات الأمريكية في المنطقة.

الضربة الانفرادية أثارت غضب المسؤولين العراقيين؛ لأنّ الإجراء الأمريكي لم يكن بالتنسيق مع بغداد، وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أنّه سيبدأ مناقشات لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في بلاده، وقال إنّ الضربة الأمريكية انتهكت اتفاقية السيادة المتساوية بين البلدين، والتي بموجبها يُسمح للقوات الأمريكية بالتمركز في ولايات العراق. ومن جهته، زعم البنتاغون أنّه أخطر الحكومة العراقية قبل العملية.

وعليه، لا بدّ أن تدرك واشنطن أنّها سوف تدفع ثمناً غالياً جراء سياساتها غير المتزنة، وغير المفهومة في الشرق الأوسط، كما أنّها تمنح طهران فرصة ذهبية لممارسة أدوار جديدة، وبسط هيمنتها على الجوار العربي، وإيجاد مبرر قوي لوجود الميليشيات التابعة، والتي أصبحت كل منها بمثابة دولة داخل الدولة.

 مواضيع ذات صلة:

كيف ستؤثر قرصنة الحوثيين للسفن في البحر الأحمر على أسعار السلع والطاقة عالمياً؟

إعلاميان يمنيان لـ"حفريات": هكذا يستثمر الحوثيون في الحرب على غزة

الحوثيون يثيرون القلق العالمي... خطة إيرانية جديدة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية