ماذا بقي من تنظيم الإخوان بعد 10 سنوات من المواجهة؟

ماذا بقي من تنظيم الإخوان بعد 10 سنوات من المواجهة؟

ماذا بقي من تنظيم الإخوان بعد 10 سنوات من المواجهة؟


27/04/2024

 

أكثر من 10 سنوات مرّت على سقوط تنظيم الإخوان المسلمين ومحاكمة قياداته في مصر منذ قيام ثورة 30 حزيران/يونيو 2013؛ الذي عانى خلال هذا العقد عانت الجماعة من سقوط وانشقاق وانشطار، وتلقت الجماعة ضربات موجعة وانطفأت الفكرة، وتحولت الجماعة إلى ثلاث جماعات، تيار اسطنبول، وتيار لندن، والتيار العام، والثالث أقلهم تأثيرا.

ولم تقف الخسائر والهزائم عند حدود مصر، بل منيت الجماعة بخسائر وهزائم مماثلة في تونس والمغرب وموريتانيا والسودان ودول من الخليج، حتى إنه يمكن القول بأن ثورة 30 يونيو قضت على تنظيم الإخوان في الوطن العربي كله.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات تناول السنوات العشر الماضية التي ظل فيها قيادات الجماعة منقسمون ما بين المحاكمات في الداخل والشتات في الخارج، في دراسة سعت إلى الإجابة عن تساؤل يتعلق بوضعية التنظيم الحالية بعد هذه السنوات، وماذا بقيَ منه بعد عقد كامل من المواجهة؟ وذلك في دراسة حديثة عنوانها "الإخوان المسلمون بعد 10 سنوات من السقوط ومحاكمة القيادات".

الإخوان بعد 10 سنوات من المواجهة

تحدث منير أديب الباحث متخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، في الدراسة، عن دخول جماعة الإخوان في مواجهات عدة مع الدولة المصرية، منذ أن تم حل التنظيم عقِب ثورة 30 يونيو، التي مثلت نقطة فارقة، ليس للتنظيم في مصر فحسب، بل في المنطقة العربية.

وأدّت تلك الثورة بجماعة الإخوان إلى حافة الهاوية، نظرًا لأنها دفعتها إلى الانقسامات الفكرية والتنظيمية العميقة، التي ربما تكون أوجدت تنظيمًا جديدًا مختلفًا في السمات عن الشكل التقليدي للجماعة، والذي عرفناه طيلة عقود طويلة؛ نظرًا لأن التنظيم مرّ بتحولات دراماتيكية تركت بصماتها على التنظيم الذي قارب عمره المئة عام. 

هذه التحولات قد ترسم، بحسب الدراسة، مستقبل التنظيم، خاصة أن ثمة مؤشرات تدل على حالة التفكك التي يعيشها على الأقل منذ أن تم إلقاء القبض على محمود عزت، الذي كان يتولى منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس 2013، عقِب القبض على المرشد محمد بديع، بعد أيام من فضّ اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة، بالقاهرة الكبرى، بعد أن كان نائبًا للمرشد آنذاك.

ومرّت الجماعة بأزمات عدة، بعد دخولها في مواجهات مسلحة مع الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية والسياسية، بعد أن أسست الجماعة معسكرات تدريبية في مصر، بهدف تكوين ميليشيات مسلحة تابعة لها على غرار الحرس الثوري الإيراني، لمواجهة محتملة مع الجيش والشرطة.

واعتبرت الدراسة أن مواجهة الإخوان، خلال العقد الأخير، ضربت بُنى التنظيم الهيكلية، فباتت الجماعة ما بين أعضاء وقيادات يُحاكَمون في القاهرة على خلفية جرائم عنف ارتكبوها، أو على الأقل متهمون على خلفيّتها، وما بين أعضاء وقيادات فرّوا إلى الخارج بهدف الهروب من المواجهة أو الاستعداد لمواجهة النظام السياسي الذي قام على خلفية ثورة 30 يونيو 2013.

 

عانى خلال هذا العقد عانت الجماعة من سقوط وانشقاق وانشطار وتلقت الجماعة ضربات موجعة وانطفأت الفكرة وتحولت الجماعة إلى ثلاث جماعات

 

هذا وانقسم التنظيم ما بين أعضاء الداخل الذين باتوا بلا حراك بسبب المحاكمات التي تعرضوا لها، وبين قيادات الخارج الذين يستعدون لمعركة المواجهة والذين انشقوا على أنفسهم؛ ويبدو أن المواجهة صنعت تنظيمًا منقسمًا على نفسه؛ فعندما كان التنظيم قويًّا نوعًا ما في القاهرة ويقوم بمظاهرات احتجاجية عدة، بعضها كان منحازًا للعنف، كان إخوان الخارج يُريدون السيطرة عليه، حيث ظهرت في هذه الآونة ما سُمّي اللجنة الإدارية العليا التي تم حلّها أكثر من مرة بسبب الصراع بين إخوان الداخل وإخوان الخارج.

إلى ذلك، لفتت الدراسة إلى أن التقارب المصري-التركي من أهم التحولات التي مرّت بها حركة الإخوان المسلمين في تركيا؛ فزيارة الرئيس التركي الأخيرة خلّفت وراءها قرارًا تركيًّا بسحب الجنسية من محمود حسين، القائم بعمل المرشد لجماعة الإخوان، والمقيم في إسطنبول، وعليها قامت السلطات التركية بسحب جنسيته وإبطال جواز سفره الشخصي، خلال الأيام الماضية.

وهنا، تحولت تركيا من ملاذ آمن لقيادات الإخوان إلى محطة جديدة ينتقل منها الإخوان إلى وجهة أخرى قد تكون في إحدى الدول الآسيوية أو الإفريقية، أو يوزع الوجود بين عدد من البلدان، منها أوروبا التي يتوادّ فيها الإخوان منذ فترة ليست بالقصيرة، وسوف يكون الانتقال في هذه الحالة للأشخاص، وللاستثمارات أيضًا.

الإخوان المسلمون بعد سنوات من غياب القيادة التاريخية

الدراسة أشارت إلى أن ما يحدث داخل التنظيم هو انعكاس لحالة الانهيار التي يمرّ بها وليس دليلًا على سقوطه، خاصة وأنه مرّ بسنوات الضعف والتحلّل هذه في سنوات سابقة. فهناك من يتوقع عودة التنظيم من جديد، ويستندون في ذلك إلى الظروف السياسية ذاتها التي مرّ بها التنظيم عام 1954، وهناك من يرى أنّ ما حدث للتنظيم هو دليل على انهياره وليس دلالة على سقوطه فقط، فما يمرّ به التنظيم مجرد عرض لمرض أكبر يتعلق بتفكك أفكاره بعد أن شاخ ووصل لمرحلة العجز بعد عمره الطويل.

فكل جبهة تتخيل أن الإخوان كتنظيم وفكرة لم ولن تمُت، وأنّ الخلافات القائمة مجردُ اختلاف سوف ينتهي بخروج مرشد التنظيم محمد بديع من السجن، وربما قبل أن يخرج، برغم أن مجمل الأحكام التي صدرت بحقّه تصل إلى 125 سنة؛ ولذلك كل جبهة تدّعي أنها على الحق، خاصة أنها ترسم صورة للتنظيم تُقارِن من خلالها سلوكها؛ وبالتالي تنزع عن خصومها أي صفة، وربما تصفهم بالخارجين عن التنظيم.

فالجماعة، بحسب ما تعتقد، تُحوّل خسائرها تلك إلى مكاسب بتكرار قولها إنها “بقيت برغم كل ما عانته من قمع طيلة حِقَب عديدة سابقة، وستبقى برغم ما تواجهه حاليًّا، وهذا ما جعل قيادات التنظيم لا يعترفون بما تمرّ به الجماعة في الوقت الحالي؛ خاصة أن نظرتهم للتنظيم لم تتعدَّ التنظيم، وأنها متأثرة بفكرة التمكين التي يؤمن بها كل أفراد الإخوان، حيث يُدركون أن التنظيم سوف ينتصر يومًا ما، وبالتالي بطريقة واعية وغير واعية يهربون من فكرة الانهزام أو الانكسار.

“الإخوان” بين سيناريوهات التحلّل والعودة

وبحسب الدراسة، فقد دفعت التطورات التي مرّت بها جماعة الإخوان منذ 2013، إلى انزلاقها في أزمة تنظيمية نتيجة إطاحتها من السلطة، وهو ما ترتب عليه حدوث انقسامات داخلية بلغت ذروتها في عام 2021، حيث انقسمت الجماعة إلى تيارين أساسيين ومجموعات صغيرة أخرى. 

ومع انتقال قيادة الجماعة للخارج، انكشف عدم لياقة نظامها الداخلي للوضع الجديد، وبدأت تعاني مأزقين، يتمثل الأول في ارتباط النزاع بين الفِرق المختلفة بالخلاف حول صلاحيات المجلسَين (الشورى المصري أو الشورى العام) في إسناد القيادة، أما الآخر، فهو أن الجماعة تواجه تنسيقًا أمنيًّا إقليميًّا يَحول دون تكاملها التنظيمي. وفي ظل هذه الأوضاع، استمر الخلاف حول ملء الفراغ التمثيلي للجماعة مشكلةً دائمة.

 

أدّت تلك الثورة بجماعة الإخوان إلى حافة الهاوية، نظرًا لأنها دفعتها إلى الانقسامات الفكرية والتنظيمية العميقة

 

وبرغم هذا، ترى الدراسة أنه لا يمكن وصف التنظيم بأنه وصل إلى مرحلة التحلّل التي تنتهي معه كل المظاهر التنظيمية. فالاعتقاد بزوال التنظيم اعتقاد في غير محلّه؛ صحيح أن التنظيم ليس في أحسن حالاته ولا يمكن التقليل من حجم التحلّل التنظيمي في الوقت نفسه، ولكن هذا لا يَعني تحلّل الفكرة المؤسسة للإخوان، فتحلّل التنظيم شيء وتحلّل الفكرة شيء آخر، ولا يَعني تحلّل التنظيم تحلّل الفكرة، فلا أهمية لتحلّل التنظيم من دون تحلّل الفكرة المؤسسة.

هذا ويشير الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي إلى أن تنظيم الإخوان تعرّض لمواجهات مختلفة ومتنوعة على مدار سنوات النشأة الممتدة، ولكنه عاد للظهور من جديد، وربما بصورة تبدو أكثر قوة وقدرة على اختراق المجتمع، خاصة أن هذه المواجهات انصبّت على الإطار التنظيمي دون الاقتراب أو المساس بالفكرة المؤسسة. 

وخلص إلى أن الإخوان مازالوا قادرين على العودة إلى المشهد السياسي من جديد طالما كانت كل جهود المواجهة منصبّة على المواجهة الأمنية والعسكرية من دون مواجهة الفكرة المؤسسة للتنظيم، والتي مازال يجتمع عليها الكثير من الناس، فسيناريو التحلّل الوحيد مرتبط بالمواجهة الفكرية، وما تم تحقيقه في هذا السياق دون غيره.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية