جماعة الإخوان المسلمين: نبذ التسامح وإقصاء المختلف

جماعة الإخوان المسلمين: نبذ التسامح وإقصاء المختلف

جماعة الإخوان المسلمين: نبذ التسامح وإقصاء المختلف


09/05/2024

بنيت علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع الآخر على أساس إدراك الجماعة لنفسها إدراكاً ينبع من تصور يُصنف الآخر إما إلى مؤيد يقف معها أو خصم يكيد لها كيداً، وقد ارتبطت هذه العلاقة، على مدى السنوات المتعاقبة، بالمصالح الذاتية للجماعة وبالديناميات والتفاعلات بين تياراتها.

وهذا ما يؤكده الكتاب الجديد، الصادر مركز تريندز للبحوث والاستشارات في أبوظبي، الذي أطلق الجزء الثاني عشر من الموسوعة، خلال مشاركته في النسخة الـ33 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي اختتم مؤخراً.

ويرتبط موقف الإخوان من الآخر بحالة الضعف أو القوة التي تعيشها الجماعة، في الحالة الأولى تلجأ إلى التحالف والتماهي معه وتتودد له، وفي حالة القوة تنكــث باتفاقاتها وتسعى للهيمنة على الآخر والسيطرة عليه؛ لأنها تؤمن بأنها يجب أن تقود العالم بأسره انطلاقاً من فكرة "أستاذية العالم" الراسخة في عقليتها.

وقد توقف الفصل الأول من الكتاب، الذي أعدّه، الباحثون محمد سالم السالمي، وخالد عبد الحميد، ونورة الحبسي، عند تعامل الأدبيات الإسلامية الحركيـة مـع الآخر، مع الاقتصار تحديداً على صورة الآخر في الأدبيات الإخوانية، نسبةً إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928 .

أبرز 3 مرجعيات إخوانية

وتم الاشتغال في هذا الفصل على أهم الأسماء المرجعية، وهي ثلاثة بالتحديد، تحظى بشعبية وكاريزمــا يصعب أن نعاينها لدى أسماء أخرى من خارج هذا الثلاثي: يتعلق الأمر بالثلاثي حسن البنا، لأنه مؤسس الجماعة، وسيد قطب الذي تجاوزت شهرته مصر وأصبــح اسمه لصيقاً بتغذية أدبيات الإسلاموية الإخوانية أو الإسلاموية الجهادية، ويوسف القرضاوي الذي يبقى الأكثر غزارة في التأليف.

إقصاء الآخر في الأدبيات الإخوانية معضلة بنيوية

وفي سياق الاشتغال على أدبيات هذا الثلاثي، تم التركيز بشكل مكثف على ثلاثة أعمال مرجعية ضمن أخرى: "مجموعة الرسائل" الحسن البنا، و"معالم في الطريق" لســيـد قطب، و"أعداء الحل الإسلامي" ليوسف القرضاوي.

ويرى معدو الكتاب أنّ حضور الآخر في أدبيات الجماعة من خلال هذه النماذج التي تم التطرق إليها في هـذا الفصل حضور قار وبنيوي، وغالباً ما يُقصد به كل من يوجد خارج الجماعة، وقد بدأ التنظير لذلك مع حسن البنا، واستمر مع سيد قطب، وبقي كذلك مع يوسف القرضاوي.

وهناك مجموعة من التقاطعات في أدبيات الثلاثي من قبيل اختزال سيد قطب للجماعة المسلمة الحقيقية في إعادة تكرار تجربة «الجيل القرآني الفريد»، وهو الخيار نفســه الـذي يدعو إليه حسن البنا، في إطار التمييز عن الغير أو الآخر.

وتظل معضلة إقصاء الآخر في الأدبيات الإخوانية معضلة بنيوية، لا هي بالعرضية ولا بالعابرة، وهي التي تمهد لعقلية الاصطفاء والأستاذية والتمركز على الذات وممارسة التقية والبيعة.

 

أهم الأسماء المرجعية لدى الإخوان: حسن البنا، لأنه مؤسس الجماعة، وسيد قطب الذي غذى الإسلاموية الجهادية، ويوسف القرضاوي الأكثر غزارة في التأليف

 

أما محطة سيد قطب فهي، بحسب الكتاب، مفصلية في التنظير لحضور الآخر في أدبيات الجماعة، بحيث لو افترضنا أن لدينا سُلَّماً حول التسامح والتشدد في التعامل مع الآخر، فإننــا نجد رؤى سيد قطب في مستوى أعلى مقارنةً مع رؤى حسن البنا ويوسف القرضاوي.

وههنــا تطـرح ملاحظة بخصوص صورة الآخر في أدبيــات يوسف القرضاوي، إذ اتضح أن رؤاه قبل سنة 2000، كانت أقرب إلى رؤى سيد قطب، أما رؤاه بعد ذلك المنعطف، فكانت أقرب إلى رؤى حسن البنا، ومن أسباب ذلك التطورات الاستراتيجية التي مرت بالمنطقة العربية خلال هذه الحقبة.

تأرجح موقف الإخوان تاريخياً من الآخر المدني في مصر من التحالف إلى العداء؛ فتارة هاجمت الأحزاب والقوى المدنية ووصفتها بأنها سيئة الوطن الكبرى، وتارةً أخرى انضوت تحت لوائها ودخلا معاً إلى البرلمان، ثم ما لبث كل ذلك أن تغير بعد 2011، وأضحت الجماعة على عداء مع القوى المدنية.

التوافق الظاهري

واتسمت العلاقة بين الإخوان والآخر الإسلاموي غير المنتمي للجماعة في مصر بالتوافق الظاهري، واستفادت الجماعة منه لحشد تيارات الإسلام السياسي خلفها، بيـد أنّ الجماعة "التي لا تثق إلا بنفسها خسرت حلفاءها واحدا تلو آخر، ولم يبق معهـا إلا قلـة متشرذمة من بقايا الإسلاميين الذين دفعوا ثمناً باهظا للتحالف معها".

إشهار الكتاب في معرض أبوظبي الدولي للكتاب

وكان الكتاب الحادي عشر من "موسوعة الإخوان المسلمين"، أبرز كيف ناصبت جماعة الإخوان المسلمين الدولة الوطنية العربية العداء منذ نشأتها، واعتبرتها حجر عثرة في طريق وصولها إلى الحكم، وحاربت أسسها ومبادئها الحداثية، بوصفها مخالفة لأسس نوعية تَدَيُّن الجماعة، ولمبادئ هذا التَّدَيُّن التي اختصرت الإسلام فيها، وصادرته لحساب الإخوان. 

ودعا الكتاب، الذي أعده الدكتور محمد عبدالله العلي (الرئيس التنفيذي ومؤسس تريندز للبحوث والاستشارات الجديد)، والباحثة نورة الحبسي، والدكتور وائل صالح، إلى عدم الانخداع بأي تَطَوٌر أو تغَيٌر على مستوى الخطاب قد يعطي الانطباع بأنّ الجماعة قد تصالحت مع هذا الكيان السياسي الحديث، وتكيّفت مع مبادئه وأسسه الحداثية. فكل ذلك إنما هو نوع من الخداع والمخاتلة، بُغيَة اكتساب التعاطف معها والترويج لها ومساعدتها في الوصول إلى الحكم، على نحو ما سوف تبينه لنا الأفكار المؤسسة لرؤية جماعة الإخوان للدولة، وهي رؤية تتعارض مع التوجهات ذات النزعة العقلانية، كالتنوير والحداثة والدولة الوطنية.

 

النصوص المؤسسة للإسلامية، المتعلقة بمفهوم جماعة الإخوان للدولة، ترفض التنوع، وتجنح إلى الاعتقاد بأنها - وحدها - تمتلك الحقيقة المطلقة

 

إنّ النصوص المؤسسة للإسلامية، المتعلقة بمفهومهم للدولة، ترفض التنوع، وتجنح إلى الاعتقاد بأنها - وحدها - تمتلك الحقيقة المطلقة، ومن ثم فلا يمكن لها إلَّا أن تتعارض مع القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك. بل نستطيع القول إنّ اللجوء إلى العنف من طرف مَن يؤمن بتلك الأيديولوجيا ضد الآخر هو أمر مؤكد، ولا بُدَّ أن يظهر عاجلًا أو آجلًا. إذ إنّ الإسلامية رؤية شمولية سياسية حركية للدين، تعتقد أن هناك نموذجاً للحكم مُعَداً مسبقاً، يجب على المسلم تطبيقه أو اتباعه، وغير مسموح بالبحث عن نموذج آخر، بغض النظر عن وصفه بـ "إسلامي، ما دام غير نموذجهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية