رفح على موعد مع الاجتياح... ولسان حال النازحين إلى أين المفر؟

رفح على موعد مع الاجتياح... ولسان حال النازحين إلى أين المفر؟

رفح على موعد مع الاجتياح... ولسان حال النازحين إلى أين المفر؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/04/2024

 

يعيش النازحون في مدينة رفح أقصى جنوب غزة، المكتظة بأكثر من مليون نازح من مناطق شمال ووسط القطاع، أوضاعاً صعبة، في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية بقرب شن عملية عسكرية برية على المدينة بحجة القضاء على آخر معاقل حماس هناك، والخوف يزداد أكثر من هجوم مفاجئ دون السماح بإعطاء النازحين فرصة للخروج من المدينة نحو أماكن آمنة، وهذا ما يهدد بارتكاب الجيش الإسرائيلي المزيد من مجازر الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزل. 

 

وقد أجبر مئات الآلاف من المواطنين مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على النزوح قسراً من مدينة غزة وشمالها باتجاه مناطق جنوب القطاع، بعد أن دفع الجيش الإسرائيلي المواطنين إلى النزوح بطرق عدة؛ أبرزها إطلاق القذائف المدفعية واستهداف المربعات السكنية لترهيب المواطنين والضغط عليهم للنزوح، وما أن انتهت العملية العسكرية وخفت حدتها في الشمال، حتى بدأ الجيش بعملية وصفت بالأعنف ضد مدن الجنوب المكتظة بالنازحين، وسط حالة من القلق من تصاعد وتيرة عنف الجيش في ظل العجز عن تحقيق أهداف العملية المستمرة للشهر السابع على التوالي.

يعيش النازحون في مدينة رفح أقصى جنوب غزة، المكتظة بأكثر من مليون نازح من مناطق شمال ووسط القطاع، أوضاعاً صعبة

وتتصاعد تصريحات القادة البارزين من السياسيين والعسكريين في إسرائيل بشأن نية الجيش التحضير لعملة برية في مدينة رفح، والتي تفصل غزة عن مصر بحدود طولها تقريباً (14) كيلو متراً، وتكرار هذه التصريحات جاء بالتزامن مع شن الجيش عمليات توغل بري لمناطق واسعة من وسط وجنوب مدينة غزة، وبالتحديد مدينة خان يونس التي شهدت عملية عسكرية امتدت لأكثر من (3) أشهر، وانتهت بشكل مفاجئ تحضيراً لاجتياح رفح، وهذا ما أدى إلى تخوف المواطنين من شن هجوم مباغت يؤدي إلى ارتكاب المزيد من المجازر البشعة والدامية بحق المدنيين العزل. 

استياء كبير

وقد خيّب الفشل المتكرر في جهود التوصل إلى تهدئة بين حماس والجانب الإسرائيلي آمال النازحين بالتحديد المتواجدين في مدينة رفح، بعد أن عقدوا الآمال بأن تفضي المشاورات بالسماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم في شمال قطاع غزة قبل الدخول إلى رفح، لكن مع فشل الجهود للمرة الرابعة على التوالي، يخيّم الخوف على النازحين من قرب العملية، وذلك كضغط على حركة حماس لتقديم المزيد من التنازلات في ملف التفاوض، وعلى ما يبدو فإنّ الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة رفح المكتظة بمئات آلاف الغزيين في مساحة لا تتجاوز (55) كيلو متراً مربعاً بات مسألة وقت، بعد أن صادق الجيش على خطة عملياته، لكنّ المعضلة الكبرى أمام قرار البدء هي اكتظاظ المدينة بالنازحين، وهذا يحتاج إلى ضرورة إيجاد خطة لإجلاء أكثر من مليون نازح، بعد الطلب الأمريكي والدولي من إسرائيل للموافقة على العملية.

 

ووفق صحيفة (إسرائيل اليوم العبرية)، فإنّ الجيش الإسرائيلي يستعد للدخول إلى مدينة رفح بعد مصادقة المستوى السياسي للعملية، ووضع خطط الدخول لرفح رغم الضغوط الدولية التي تمارس على إسرائيل لمنعها، في حين قدمت الحكومة الإسرائيلية للإدارة الأمريكية خطة لإجلاء النازحين قبل البدء بالعملية بعد طلب الأخيرة ذلك، ويعتقد محللون عسكريون إسرائيليون أنّ معركة رفح ستكون الأشرس والأعنف من بين المعارك التي خاضها الجيش في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وذلك لوجود لواء متماسك ومؤهل عسكرياً في المدينة، ويحتاج القضاء على الكتائب الـ (6) في المدينة إلى جهد عسكري كبير، وسيواجه الجيش خسائر محتملة خلال العملية.

ضغوط دولية

وتواصل مصر ممارسة الضغوط على إسرائيل لمنع أيّ تحرك إسرائيلي نحو مدينة رفح، على اعتبار أنّ ذلك يخالف بنود اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، خاصة أنّ الحديث الإسرائيلي يدور عن نية الجيش احتلال محور فيلادلفيا لقطع خطوط الإمداد عن غزة، وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات صحفية: إنّ بلاده التزمت بمعاهدة السلام مدة (40) عاماً، وتتعامل مع المعاهدة بفاعلية، لكنّ التحرك البري من قبل إسرائيل في رفح يهدد بتعليق معاهدة السلام، وتعمل مصر منذ بدء الحديث عن نيّة الجيش الإسرائيلي دخول رفح على تحريك الجيش والآليات العسكرية إلى شمال سيناء، لتعزيز الحدود خشية أيّ اقتحام للحدود.

خيّب الفشل المتكرر في جهود التوصل إلى تهدئة بين حماس والجانب الإسرائيلي آمال النازحين

في أحاديث منفصلة مع (حفريات) عبّر نازحون عن خشيتهم من دخول الجيش الإسرائيلي برياً إلى مدينة رفح التي تعج كل منطقة فيها بخيام النازحين، خاصة ممّن يقيمون بالقرب من السياج الفاصل مع مصر، والخوف يزداد مع عدم تمكنهم من الانتقال إلى أماكن أكثر أمناً، وتعمد استهداف الخيام فوق رؤوس ساكنيها. 

حقن الدماء

المواطن زايد عبدو يتساءل في ظل تأزم أوضاعه المعيشة كبقية مئات آلاف النازحين عن أين المفر الآمن له وللنازحين المتكدسين في مدينة رفح التي باتت على مشارف الاجتياح البري؟ ويزداد قلقه من تجاهل الجيش الإسرائيلي للمطالب الدولية المنادية بضرورة نقل النازحين كخطوة لحقن الدماء، وتفادياً لمحاولة الجيش ارتكاب المجازر بحقنا كمدنيين عزّل.

 

وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "النازحين في  مدينة رفح وغيرها من باقي المناطق باتوا منهكين من حجم المعاناة التي يتعرضون لها مع دخول الحرب شهرها السابع على التوالي، وهم غير قادرين على النزوح مرة أخرى إلى مناطق بعيدة عن سكناهم، ويترافق ذلك مع تفشى الأمراض بين النازحين وانتشار الفقر والجوع بينهم بشكل واسع، حتى أنّ عملية نقل الخيام ونصبها في أماكن أخرى صعبة للغاية، نظراً لأنّ عملية الانتقال تحتاج إلى تكاليف مادية والناس لا يجدون أيّ مصادر دخل".

 

وبيّن أنّ" النازحين فقدوا الأمل في أيّ حلول قريبة لإنهاء الواقع الصعب الذي يمرّون به، نتيجة الفشل المتكرر للوصول إلى هدنة تسمح بعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة وإنهاء الحرب التي طال أمدها، حتى أنّ الناس بحاجة إلى فترة كافية من الهدوء والتخلص من القتل والدمار المستمر، وأصوات الانفجارات التي لم تهدأ سواء خلال النهار أو الليل".

 النازحون فقدوا الأمل في أيّ حلول قريبة لإنهاء الواقع الصعب الذي يمرّون به

وفي خطوة منهم لتفادي أيّ هجوم مفاجئ على مدينة رفح، باعتبار أنّ الجيش الإسرائيلي فوق القانون ولا يهمه حياة المدنيين والحفاظ على أرواحهم، اتجهت أعداد كبيرة من النازحين للخروج من مدينة رفح صوب منطقة الزوايدة وبعض المناطق الأخرى وسط مدينة غزة، تحسباً من حصارهم داخل المدينة وتعرضهم للأذى، وهذا ما حصل مع أعداد كبيرة من النازحين الذين كانوا في مناطق آمنة على حدّ وصف الجيش، لكن تمّت مباغتتهم بالقصف ودخول الدبابات لخيامهم واعتقال وقتل العديد منهم، وانتقال المواطنين لم يكن آمناً، فالقصف المدفعي والجوي ما يزال يلاحق النازحين الذين حاولوا البحث عن مناطق آمنة.   

 

المواطن سعد أبو سلطان يقول في حديثه لـ (حفريات): "حاولت النزوح إلى خارج مدينة رفح خلال الأسابيع الماضية إلى منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، على اعتبار أنّ تلك المنطقة مصنفة بالمنطقة الخضراء بالنسبة إلى الجيش، لكنّ القصف يتواصل على محيط المكان الذي يتواجد فيه منذ أيام، ولا يجد مسلكاً آمناً يتوجه إليه لحماية عائلته من خطر الموت الذي يلاحقهم من منطقة إلى أخرى".

مصالح شخصية

بدوره يقول الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي فتحي يوزيه: إنّ "الاحتلال ماضٍ في عملية برية على مدينة رفح لأهداف عدة يريد أن يحققها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لخدمة مصالحه الشخصية؛ أوّلها أنّ ذلك يزيد من مدة الحرب، وهذا ما يحقق له البقاء مزيداً من الوقت في الحكم، والهدف الثاني محاولة البحث عن صورة انتصار وهمية في أنّه دخل كل مدينة في قطاع غزة".

 

ولفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "الجيش يواجه عجزاً كبيراً في تحقيق أهداف الحرب، رغم مرور كل هذا الوقت من عمر الحرب، ويحاول المستوى السياسي إيهام الجمهور الإسرائيلي الذي ينتفض لإسقاط الحكومة بأنّ النصر بات قريباً، وأنّ ذلك يتحقق مع دخول الجيش رفح لاستكمال النصر، لكنّ نتنياهو والمستوى العسكري على دراية بأنّ هذا النصر لن يتحقق بدخول رفح".

الكاتب والمحلل السياسيّ، فتحي بوزية

ويخشى المختص في الشأن الإسرائيلي من "ارتكاب الجيش المزيد من المجازر البشعة بحق المدنيين واعتبار ذلك انتصاراً، وهذا يزداد مع نيّة الجيش السيطرة على محور صلاح الدين، أو ما يُسمّى فيلادلفيا الفاصل بين غزة ومصر، والذي يريد الجيش احتلاله والسيطرة على طرق إمداد فصائل المقاومة من هذا المحور بالسلاح والعتاد، لكنّ تكدس هذا المحور بآلاف الخيام التي تعج بالنازحين، يهدد بارتكاب مجازر إبادة وتهجير بحق النازحين". 

 

واستنكر استمرار التجاهل الدولي والصمت العربي المستمر للجرائم الإسرائيلية، حيث يوفر الصمت الغطاء للاستمرار في حرب الإبادة التي يستهدف بها المدنيين، في ظل العجز الكبير والواضح من قبل الاحتلال في القضاء على المقاومة، بعد مرور نصف عام على الحرب التي يستخدم خلالها كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً. 

 

يشار إلى أنّ الجيش قد يبدأ عملية الدخول إلى رفح مع انتهاء عيد الفصح اليهودي نهاية نيسان  (أبريل) الجاري، في المقابل تقدّم إسرائيل بين الفينة والأخرى مقترحات لإجلاء النازحين من داخل مدينة رفح، والكثير من الخيارات طرحت وما تزال تطرح، وجميعها لم تكن معقولة بالنسبة إلى النازحين، وتبقى الأيام المقبلة وحدها كفيلة بأن تكشف  نوايا الجيش الحقيقية من الدخول إلى مدينة رفح.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية