ما الذي يفسر صعود التطرف في الغرب؟

ما الذي يفسر صعود التطرف في الغرب؟

ما الذي يفسر صعود التطرف في الغرب؟


20/04/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

يبدو أنّ حرائق التّطرّف نادراً ما تُخمَد حقّاً. فمنذ حوالي عقد من الزّمن، بدا أنّ «الجماعة الإسلاميّة»؛ الجماعة الإرهابيّة المسؤولة عن سلسلة من التّفجيرات المُميتة في إندونيسيا، في أوائل العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، تقلّصت بشدّة بسبب حملة القمع النّاجحة والاعتقالات الّتي طالت العديد من قادتها. لكن في الأعوام الأخيرة، أدّى تكتيكها المتمثّل في التّسلّل إلى المؤسّسات إلى عودة ظهورها، حيث قُبض على 300 إرهابيّ مشتبه به هذا العام واعتقلَت وحدة مكافحة الإرهاب النّخبويّة في البلاد، «دينسوس 88»، عضواً في «مجلس العلماء الإندونيسيّ» - أعلى هيئة لرجال الدّين في البلاد - الشّهر الماضي على خلفيّة صلات مزعومة بـ«الجماعة الإسلاميّة». يُنذِر هذا بالخطر بالنّسبة إلى أولئك الّذين يعيشون في المنطقة، حيث كانت هناك خلايا من «الجماعة الإسلاميّة» في سنغافورة وماليزيا في الماضي، وحيث لا تقتصر مهمّة الجماعة لزعزعة الاستقرار والانقسام على إندونيسيا.

اقرأ أيضاً: تقرير: اليمين المتطرف والإخوان الخطر الذي يهدد بريطانيا والسويد

لكن من بعض النّواحي، فإنّ استمرار ظهور شكل مختلف من التّطرّف في العديد من الدّول الغربيّة يُعدّ أكثر مكراً. ففي المملكة المتّحدة، تُظهر الأرقام الصّادرة مؤخّراً أنّ برنامج الحكومة لمكافحة الإرهاب، «امنع»، تلقّى عدداً أكبر بكثير من الإحالات المتعلّقة بالتّطرّف اليمينيّ مقارنة بالتَطرّف الإسلامويّ في العام، حتّى 21 آذار (مارس) 2021 - بالرّغم من التّصوّر الشّائع بأنّ برنامج «امنع» قد أُسّس خصيصاً لاستهداف الجاليات المسلمة.

في فرنسا، قد يتصدّر الرّئيس الحاليّ إيمانويل ماكرون الاقتراع الأخير بشأن الانتخابات الرئاسيّة المقرّر إجراؤها العام المقبل، بنسبة 25 في المائة؛ لكن ينتمي المرشّحان المحتملان الثّاني والثّالث، مارين لوبان وإريك زمور، الّلذان حصلا على حوالي 20 و15 في المائة، إلى أقصى اليمين.  وهذا أسوأ ممّا كان عليه الوضع في عام 2017، عندما احتلّت لوبان المرتبة الثّانية في الجولة الأولى من الانتخابات الرّئاسيّة، ولَحِق بها بفارق ضئيل المحافظ فرانسوا فيون والاشتراكيّ جان-لوك ميلينشون. صوّت 21 في المائة فقط لمرشّح من أقصى اليمين في الجولة الأولى في عام 2017. وقد تصل النّسبة هذه المرّة إلى 35 في المائة.

قد تبدو "نظريّة الاستبدال العظيم" الّتي تقول إنّ المهاجرين المسلمين من منطقة تُشجّعهم نخبة غامضة عبر وطنيّة على استبدال الأوروبيّين المسيحيّين البيض، سخيفة للغاية وتآمريّة

العالم يعرف لوبان، زعيمة «التّجمّع الوطنيّ» («الجبهة الوطنيّة» سابقاً).  وزمور، الّذي سبق وأُدين بترويج خطاب الكراهية والتّحريض على العنف العنصريّ، ربما معروف بشكل أقلّ من ذلك. لقد قدّم نفسه للتّوّ  إلى العالم النّاطق بالإنجليزيّة في مقابلة مع مجلّة «ذي سبيكتيتور»، حيث قال: «الهجرة حرب.  إنّهم يريدون غزو بلداننا الأوروبيّة». وأضاف: «من خلال تدمير ثقافاتنا وتاريخنا، يقومون بمسحٍ كاملٍ لكلّ ذلك والسّماح لثقافة وتاريخ وحضارة أجنبيّة بالقدوم واستبدال ما لدينا».

اقرأ أيضاً: هل تتجه فرنسا إلى أقصى اليمين؟

قد تبدو «نظريّة الاستبدال العظيم» - الّتي تقول إنّ المهاجرين المسلمين من منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أساسيّ تُشجّعهم نخبة غامضة عبر وطنيّة على استبدال الأوروبيّين المسيحيّين البيض - سخيفة للغاية وتآمريّة بحيث لا يمكن لأيّ شخص أن يأخذها على محمل الجدّ. لكنّ دراسة استقصائيّة أُجريت في فرنسا في تشرين الأوّل (أكتوبر) أظهرت أنّ 67 في المائة من النّاس قلقون من احتمال حدوث مثل هذه الظّاهرة، بينما اعتقد 61 في المائة أنّها ستحدث.

لا تتعلّق الحالة الفرنسيّة بكون هذه النّظريّة الجامحة محصورة في أقصى اليمين، كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبيّة - بالرّغم من أنّ أحزاب أقصى اليمين أصبحت الآن جزءاً من الائتلافات الحاكمة في إيطاليا والنّمسا وإستونيا، وشكّلت المعارضة الرّسميّة في ألمانيا، وكادت أن تربح الانتخابات العامّة الأخيرة في فنلندا، لم يعد من الممكن القول إنّها على الهامش: انتُهِك «الطّوق الصّحّيّ» بشكل فعّال وحقيقيّ. لكن عندما يبدو أنّ أكثر من ثلثي الفرنسيّين يؤمنون بهذا الخبل العنصريّ، يصبح هذا الاتّجاه السّائد.

اقرأ أيضاً: كيف سيتعامل بايدن مع وصول أقصى اليمين الإيراني إلى الحُكم؟

في بعض البلدان، مثل المملكة المتّحدة، يحرص أعضاء ما يمكن أن يسمّيه المرء «اليمين الصّارم ولكن الّذي لا يزال محترماً» بشكل عام على عدم تأييد هذه النّظرية بشكل صريح، مع إعطاء الكثير من الدّلائل على أنّهم يؤيدونها. في حالات أخرى، ليس لدى اليمين مثل هذه الهواجس. أشار تقرير حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ هذه النّظريّة قد تحوّلت «من الهوامش إلى المركز»، وردّدت صداها أو دعمتها بطريقة أو بأخرى شخصيّات من بينها رئيس مجلس النّواب الأمريكيّ السّابق نيوت غينغريتش، والعديد من المسؤولين الجمهوريّين المنتخبين البارزين، ومضيف قناة «فوكس نيوز» تاكر كارلسون.

مرشح للرئاسة الفرنسية: الهجرة حرب.  إنّهم يريدون غزو بلداننا الأوروبيّة.. فمن خلال تدمير ثقافاتنا وتاريخنا، يقومون بمسحٍ كاملٍ لكلّ ذلك والسّماح لثقافة وتاريخ وحضارة أجنبيّة بالقدوم واستبدال ما لدينا

في الولايات المتّحدة، قد يكون ما يسمّى بـ«المستبدِلين» من أمريكا الوسطى والجنوبيّة وليس من منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن كما نُقل عن جوناثان غرينبلات من «رابطة مكافحة التّشهير»: «يُعدّ من المخيف حقّاً رؤية الأشياء تتحرّك على هذا النّحو من أحد أعمدة اليمين التّآمريّ والارتيابيّ إلى نقطة نقاش لتاكر كارلسون وحلفائه».

اقرأ أيضاً: هل يغذّي الإرهاب الإسلامويّ اليمين المتطرّف في فرنسا؟

أوافق على ذلك. قد يقال إنّ الانتماء إلى أقصى اليمين، أو الإيمان بـ«نظريّة الاستبدال العظيم»، لا يعني بالضّرورة الدّعوة إلى العنف. لكن العنف غالباً ما يُصاحب مثل هذه المعتقدات، كما حدث في مسيرة «توحيد اليمين» في عام 2017 في شارلوتسفيل، والّتي تمّ تغريم منظّميها للتّوّ 25 مليون دولار، وفي العديد من حوادث الإرهاب المحلّيّة في الولايات المتّحدة، وتفجيرات مسجد نيوزيلندا في عام 2019، وأعمال القتل الجماعيّ الّتي ارتكبها النّرويجيّ أندرس بيرينغ بريفيك في عام 2011.

يجب محاربة التّطرّف العنيف أينما ظهر، ولا شكّ في أنّ الإرهاب المرتبط بالإسلامويّين بلاء بارز لهذا القرن حتّى الآن. لكن الفارق هو أنّ معظم الدّول ذات الأغلبيّة المسلمة اتّخذت خطوات ضخمة لمكافحة التّطرّف واستئصال وتدمير الشّبكات الإرهابيّة.

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف في أوروبا يزيد وتيرة جرائم الكراهية ضد المسلمين

منظّرو «الاستبدال العظيم» وأقصى اليمين، قد لا يكونون عنيفين ولكنّهم ألهموا الكثير من العنيفين، هؤلاء لا يختبئون، لذا فإنّهم لم يُحظروا.  بدلاً من ذلك، احتلّوا أو يطمحون علناً إلى احتلال بعض أعلى المناصب في أراضيهم.

«في زمن الجنون» هو عنوان كتاب رائع لريتشارد لويد باري عن فترة فوضى مميتة من تاريخ إندونيسيا في أواخر القرن العشرين. بالنّظر إلى أنّ البلدان في الغرب تسمح لخداعٍ خبيثٍ بالتّغلغل والتّطبيع في مجتمعاتها، فيمكنها وصفها جيّداً بأنّها غير قادرة أو غير راغبة، في عصر «الأخبار الكاذبة» و«الحقائق البديلة»، في فضح هذه النّظريّة على أنّها هراء شرير، وهي فعلاً كذلك.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال، 1 كانون الأوّل (ديسمبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية