اللغة العربية في عين العاصفة.. وحرفُ الضّاد يخوض المبارزة وحيداً

اللغة العربية في عين العاصفة.. وحرفُ الضّاد يخوض المبارزة وحيداً

اللغة العربية في عين العاصفة.. وحرفُ الضّاد يخوض المبارزة وحيداً


01/05/2023

زيد قطريب

تتعثّرُ أمة “اقرأ” بتهجئة الحروف، وتمتلئ نصوصُها بالأخطاء النحوية والاملائية، كأنّ حرف الضّاد يخوض المنازلة وحيداً مع جيشٍ كاملٍ من الأعداء المسلحين بالتكنولوجيا ووسائل الإعلام وشركات الاقتصاد. حتى المتحمّسين للغة العربية، يبدون غير قادرين على إتقانها وتعليمها لأبنائهم حسب الأصول، فالجيل الجديد يعتقد أن لغة العصر هي الإنكليزية، وهي باب الحظ لفرص العمل، وكاريزما الحضور والوجاهة.

لم يكن مفاجئاً أن تنشر مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، تقريراً منذ فترة بعنوان “اضمحلال لغة القرآن”، توقّعت فيه أن تتحول العربية إلى لغة ميتة بعد مئة عام، بسبب اكتساحها بالمفردات الإنكليزية وازدياد نسبة الجهل بقواعدها. ويظهر ذلك وارداً نتيجة تخلف مناهج التربية، وعدم تشدد وزارات التعليم في إعطاء العربية صفة اللغة الأولى في كل المراحل التدريسية.

وإذا ما أضفنا، المواجهة التي تخوضها العربية مع لغة التكنولوجيا واللهجات العامية، وكتابة الرموز التي يتواصل بوساطتها الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب أسماء الآلات والمخترعات الحديثة التي تُخاطب بمعجمها الأجنبي، يمكننا أن نتخيل حجم الخذلان الذي مُنيت به حروف “أبجد هوز” وهي تُترك وحيدةً أمام مصيرها المحتوم.

يقول الدكتور الباحث والأكاديمي السوري الدكتور نضال الصالح، لـ”كيوبوست”: “من المؤكّد أنّ لغتنا العربية في خطر. أجل هي في خطر، وليست على حافّته، وأقدّر أنّ سنواتٍ، وليست عقوداً، تفصلها عن قاع الهاوية، إذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه بفعل عوامل كثيرة من أبرزها -كما أتابع منذ عقود مختصاً في مجالها في الجامعات العربية- أنّ المعنيين بأمرها ليسوا أوفياء لها، إنْ لم أقلْ إنّ هؤلاء أوّل خونتها، لأنّهم اكتفوا منها بالشهادات العلمية الدالّة على كونهم أبناء لها، ولأنّ قدراتهم لا تتجاوز ما تمّ تلقينهم إيّاه في الجامعات على نحو نظريّ، ولذلك فهم عاجزون عن استخدام فصيحها لأكثر من خمس دقائق من دون لحن”.

وانتشرت خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة تأليف الكتب الأدبية وطباعتها باللغات المحكية، واعتبر ذلك امتحاناً خطيراً تتعرض له اللغة العربية، وقد سبَّب جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية التي انقسمت بين مؤيد ومعارض. فقال بعضهم بضرورة استخدام اللغة البيضاء التي تمزج الفصحى مع العامية، ورأى آخرون أن ذلك من شأنه تدمير اللغة مع الوقت.

وتؤكد الدكتورة آية القاضي، مدرسة اللغة العربية في جامعة الأفق بالشارقة، لـ”كيوبوست”، أن العربية “تواجه تحدياتٍ كبيرة أمام اللهجات المحكية واللغات الأجنبية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن لغتنا وشخصيتنا الثقافية ستكون أمام أخطار هائلة في ظلِّ التهميش الذي تعاني منه”.

وتعتبر مناهج اللغة في المراحل الدراسية كافة، إحدى العقبات التي تعاني منها العربية في العديد من الدول العربية، فهي إما ضعيفة في بنائها التعليمي، وإما أنها لا تعطى أهمية كبرى لإعطاء الدروس وعدد الحصص، ولا تلزم الطالب بالحصول على أكثر من ستين بالمئة من العلامة كشرط للانتقال إلى الصف الأعلى.

في هذا الشأن يقول الدكتور نضال الصالح: “الكثير من الدول العربية تنظر إلى العربية بوصفها مقرراً في المنهاج الدراسي، شأنه شأن سواه من المقررات الأخرى، بدلاً من النظر إليها بوصفها متناً في المنهاج، بل صراطاً بين متضاديْن في التعليم، النجاح أو الرسوب”.

اختُرقت العربية في العديد من الجوانب، ومنها البرامج التلفزيونية والمسلسلات التي أغرقت في اللهجات المحلية، إلى درجة اعتُبرت فيها الفصحى لغة جامدة لا تواكب العصر، رغم أنها تحوي أكثر من اثني عشر مليون كلمة غير مكررة، أي ما يقارب “25” ضعفاً من عدد الكلمات باللغة الإنكليزية.

تقول الدكتورة آية القاضي: “الوسائل الترفيهية والمسلسلات والأفلام، ومعظم ما تعرضه الشاشات العربية، لم تساهم في نشر اللغات العامية على حساب الفصحى فقط، بل سوّقت اللغات الأجنبية نتيجة استخدام المصطلحات والتعابير غير العربية أثناء الحديث، وبشكلٍ كبير، فوصل الضعف اللغوي إلى البيوت والمدارس، حيث وقع الجميع تحت سطوة ما يعرف بالعولمة”.

ويشير الدكتور نضال الصالح، إلى ضرورة تولي المؤسسات الرسمية مهمة إيقاف تدهور اللغة العربية، واتخاذ قراراتٍ على صعيد التعليم ووسائل الإعلام والمعاملات القانونية حتى تتم حماية لغة الضاد. ويقول: “تشرّفت قبل سنوات في المشاركة في ندوة دعت إليها صحيفة “الخليج” الإماراتية حول واقع اللغة العربية والأخطار التي تتهددها، ولاسيما في منطقة الخليج العربيّ، الذي تشهد هذه اللغة فيه ما يشبه عمليات الحتّ والتعرية لغير سبب، وممّا قلتُ في تلك الندوة إنّ مستقبل اللغة العربية في دول الخليج ملبّد بالغيوم الداكنة إن لم يتم الإسراع إلى اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة توقف تدهور هذه اللغة”.

في جانبٍ منها، لا تبدو حالة القهقرى التي تتعرض لها العربية، بريئة تماماً، فهي تثلج صدور الكثيرين من دعاة الغزو الثقافي ومحاولات السيطرة على الثقافة العربية أو إلباسها عباءة مختلفة عن زيّها الأصلي. تقول الدكتورة آية القاضي:

“مما يقلل من قيمة العربية ويهمّشها بشكلٍ مقصود أو غير مقصود، هو الغزو الثقافي الذي تشهده الساحة العربية منذ زمن، إما عن طريق الحروب أو القوانين التجارية والسياسية، فجميعها تضع الهوية واللغة العربية في مأزق وجودي خطير، لابد أن نعي أبعاده حتى لا تقع الكارثة”.

يحذّر المختصون، من أن تصل أمّة “اقرأ”، إلى مرحلة لا تعرف فيها كيف “تقرأ”! وأن تستبدل الأجيال القادمة، عبارة أجدادنا الكرام التي تقول: “تكلمْ حتى أراك”، بعبارة: تحدَّثْ الأجنبية.. كي أسمعك!

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية