الغنوشي ينتقد وضعاً صنعه بنفسه

الغنوشي ينتقد وضعاً صنعه بنفسه

الغنوشي ينتقد وضعاً صنعه بنفسه


12/11/2022

حكيم المرزوقي

تونس التي أحيا قسم لا بأس بها من أبنائها منذ أيام قليلة “ذكرى تحول السابع من نوفمبر 1987”، لا تُخفي حنينها إلى “صانع التغيير المبارك” الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ترى، ما الذي جعل شعبا كان الأجدر به ألا “ينظر إلى الوراء إلا بغضب”، يوغل في التحسر على الماضي، بدل الثقة في الحاضر والتطلع إلى المستقبل بأمل كبير؟

ما الذي يجعل “الماضوية” شعارا يرفعه التونسيون على الدوام، ويربطهم بوطنهم الذي يكاد يمسي أمجاد تاريخ غابر، غير رُعب الواقع والخوف من المجهول القادم؟

الحقيقة أن التونسيين باتوا ينظرون إلى أن كل تجديد ـ أي تجديد ـ هو بمثابة الكارثة إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، لذلك كان شعارهم، ومنذ دولة الاستقلال سنة 1956 “ألا ليت الاستعمار يعود يوما فأحدثه بما فعل الاستقلال”، وذلك على سبيل التندر لدى بعض الظرفاء، والتذكير بأن ما يأتي ويستجد هو دائما أسوأ مما قد مضى.

وفي هذا الإطار المتشائم دائما، جاء تصريح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، بأن العشرية التي مرت أفضل اقتصاديا من الوضع الراهن.أما كان الأجدر بهذا الذي جثم على صدور التونسيين زهاء عشر سنوات من التفقير والترهيب والفساد والإفساد، أن يقارن عهده بعهد بن علي، الذي اتسم بالنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والأمني، رغم قمع الحريات والتجاوزات القانونية التي مارسها بعض المقربين من زوجته ليلى الطرابلسي.

الأغرب من ذلك كله، هو أن منتقدي نظام بن علي، كانوا يحنون إلى حكم الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي بدوره، كان محل جدل لدى خصومه ممن يعتبرون استقلاله عن فرنسا استقلالا منقوصا، ويهاجمون أسلوبه في تصفية خصومه، على غرار ما فعل مؤيدوه بالزعيم المعارض صالح بن يوسف، في ستينات القرن الماضي.

وتستمر سلسلة انتقاد سلبيات الحاضر عبر استحضار إيجابيات الماضي لدى التونسيين والتونسيات، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مسطرة القياس لدى هؤلاء جميعا، وبمختلف فئاتهم العمرية والاجتماعية، هي الحالة المعيشية، وما أدراك ما الحالة المعيشية.

صحيح أن التونسيين قد انتفضوا وما زالوا ينتفضون ضد قمع الحريات والانتهاكات والتجاوزات القانونية، وكذلك تضامنا مع حركات تحررية وما شابه ذلك مما يدل على وعي قل نظيره في بلدان مجاورة، لكن ثورات الخبز هي المحرك الأساسي في تاريخ تونس الحديث والمعاصر.

وفي هذا الصدد، يردد التونسيون في فترة حكم النهضة وحلفائها، مازحين وبفكاهة مرة، بأن شعارهم الذي رفعوه سنة 2011 “خبز وماء وبن علي لا” قد تحقق فعلا، وأصبحوا يعيشون على الخبز والماء في غياب بن علي، وحضور الغنوشي.

المتتبع لصفحات التواصل الاجتماعي هذه الأيام، يلحظ نوستالجيا من نوع خاص، لدى التونسيين إلى زمن بن علي، عبر تذكيرهم بقائمات الأسعار والمشتريات في تلك المرحلة من الرخاء، على حد زعمهم.

يقارنون أسعار الزيت والحليب والطماطم والبطاطا وغيرها من المواد الغذائية اليومية بأسعار الماضي، ويستشهدون بالصور والوثائق وحتى الأحجام، مما يكرس النقمة على الحاضر ويعزز الحنين إلى الماضي، ولكن ببعض الوعي والتحفط لدى بعضهم، مما يبرئ الرئيس قيس سعيد ويحمل المسؤولية للعشرية المشؤومة التي حكمت فيها الترويكا برئاسة النهضة عقب ثورة 2011.

ليس أسهل من التراشق بالاتهامات لدى السياسيين التونسيين، وتحميل بعضهم بعضا مسؤولية ما تعانيه البلاد من صعوبات اقتصادية وحالات معيشية متردية، لكن الواضح أن الانحدار قد بدأ زمن حكم النهضة بسبب الفساد المالي والإداري واستفحال المحسوبيات، ذلك أن كل ما فعلته “حكومة الثورة” آنذاك، أن جاءت بمعارضي بن علي من أسماء إخوانية، وعينتهم في مناصب حساسة دون اعتبار للكفاءات، وإنما للولاءات وحدها.

الآن، يحصد التونسيون العوسج الذي زرعته حركة النهضة على شكل إخفاقات متتالية، وليس بوسع الرئيس سعيد وحكومته أن يبادرا إلى حل سحري غير المسارعة إلى إيقاف النزيف وبعض المبادرات الإسعافية كطلب القروض والمساعدات المالية، ومن ثم التفكير في خطة علاجية.

المهمة صعبة، الشعب صبور لكنه نزق وقلوق، وقد تنجح العملية ويموت المريض لا سمح الله.

راشد الغنوشي يقدم نفسه اليوم طبيبا مداويا، بعد أن أحاله الرئيس سعيد هو وبرلمانه إلى مقاعد المتفرجين، و”المتفرج فارس” كما يقول المثل الشعبي التونسي.. لذلك بدأ يعلو صياحه هو وحلفاؤه من بين المدارج، وليس من مقاعد الاحتياطيين حتما.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية