اعتقال الغنوشي وإغلاق مقر النهضة.. هل طويت صفحة الإخوان في تونس إلى الأبد؟

اعتقال الغنوشي وإغلاق مقر النهضة.. هل طويت صفحة الإخوان في تونس إلى الأبد؟

اعتقال الغنوشي وإغلاق مقر النهضة.. هل طويت صفحة الإخوان في تونس إلى الأبد؟


19/04/2023

اعتقلت الشرطة التونسية يوم الثلاثاء 18 نيسان (أبريل) الجاري قيادات بارزة بحركة النهضة، بعد ساعات من إيقاف زعيمها راشد الغنوشي.

وألقت الشرطة التونسية القبض على كل من القيادي بالحركة، محمد القوماني، ونائب رئيس المكتب السياسي بلقاسم حسن، ومسؤول العمل الطلابي محمد شنيبة، وقامت باقتيادهم للتحقيق، وذلك بالتزامن مع بدء عمليات تفتيش داخل مقر حركة النهضة، الذي تمّ إغلاقه بأمر قضائي.

القياديون الـ (3) ظهروا بجانب الغنوشي في الندوة التي عقدتها "جبهة الخلاص" المعارضة، وتوعد خلالها الأخير بحرب أهلية في حال تم استبعاد حركة النهضة، وإقصاء الإسلام السياسي، ووصف المساندين للرئيس قيس سعيّد بـ"الإرهابيين والاستئصاليين"، في تصريحات وصفت بالخطيرة والتحريضية.

وكان راشد الغنوشي خلال حديثه في مقطع الفيديو المسرب المنسوب إليه قد وصف الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 تموز (يوليو) العام 2021 "بالانقلاب على الديمقراطية". مضيفاً: "الاحتفال بالانقلاب هو فضيحة فكرية وسياسية". معتبراً من جهة أخرى أنّ "ما حققته جبهة الخلاص يُعدّ نجاحاً، لأنّه تجاوزٌ لإعاقة فكرية وإيديولوجية تؤسس للحرب الأهلية".

جاءت تلك التطورات بينما يواجه الغنوشي عدداً من القضايا؛ أبرزها الفساد المالي، والإرهاب، والاغتيالات، وتسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر، والتخابر على أمن الدولة التونسية. ومنذ أسابيع أوقف القضاء في تونس عدداً من قياديي الحركة بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، ومحاولة تنفيذ انقلاب على الحكم، والفساد المالي.

التآمر على أمن الدولة

من جانبها، تشير عضو مجلس نواب الشعب فاطمة المسدي، في تصريحات خاصّة لـ "حفريات"، إلى أنّها  تبارك للشعب التونسي تطبيق آليات القانون، التي ينبغي تنفيذها على الجميع، وبالتالي فإنّ إيقاف راشد الغنوشي يمثل دليلاً، في رأيها، على أنّ الجميع يمثل أمام القانون، ولا يوجد من هو فوق المحاسبة، وتنفيذ مواد القانون عليه.

وتؤكد المسدي أنّ تداعيات إيقاف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مهمّة ولافتة؛ كون ذلك الإيقاف جرى صحبة مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يتآمرون على أمن الدولة، في اجتماع ما يُسمّى بـ"جبهة الخلاص"، وهذه الجبهة أغلب قياداتها من الشخصيات المتورطة ضد استقرار الدولة. ولفتت عضو مجلس النواب إلى أنّ برهان ذلك واضح، مع متابعة حديث تلك الشخصيات في مقطع الفيديو، حيث  ذكر راشد الغنوشي في هذا الاجتماع العديد من الإشارات والرسائل المشفرة التي تدعو إلى التقاتل، وإلى الحرب الأهلية، وذلك بطبيعة الحال أمر مُجرّم في القانون التونسي.

فاطمة المسدي: تداعيات إيقاف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مهمّة ولافتة؛ كون ذلك الإيقاف جرى صحبة مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يتآمرون على أمن الدولة

وتختتم فاطمة المسدي تصريحاتها بالقول: إنّها تعتقد، بيقين، أنّ وجود العديد من قيادات حركة النهضة وزعيمها  في ملفات تتعلق بالتآمر على أمن الدولة؛ سيفضي لا محالة إلى تجميد حركة النهضة وحلّها؛ لأنّها حركة أثبتت كل الملفات أنّها تجاوزت القانون التونسي، وحرية التنظيم، كما أنّها صرحت وعملت كل ما يفضي إلى الدعوة الصريحة للعنف والعديد من الجرائم.

عدالة متأخرة

يذهب الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقرة نحو القول بضرورة تفعيل القانون ضد زعيم حركة النهضة، وأنّ ذلك يأتي استكمالاً لكافة الإجراءات القانونية التي استهدفت استجواب الغنوشي في كافة التهم المنسوبة إليه، اذ يحوم العديد من الشبهات حول ضلوعه في أفعال يجرّمها القانون التونسي، والقوانين الدولية، وهذا ما أكده فريق من المحامين التونسيين المكلفين بالدفاع عن حقوق ورثة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي؛ مثل: تكوين جهاز سرّي مكلف بالاغتيالات، وممارسة عمليات تبييض الأموال، وتسفير الشبان التونسيين إلى بؤر التوتر، خاصّة نحو سوريا، وذلك بغية الانخراط في تنظيمات إرهابية هناك.

عبد الجليل بوقرة: الشعب التونسي يعتبر أنّ هذا الإجراء جاء متأخراً، ويصفه بالبطيء، فقد كان ينبغي وقوعه في أوقات سابقة

ويتابع بوقرة تصريحاته لـ "حفريات" مؤكداً أنّ راشد الغنوشي مسؤول بشكل مباشر عن إضعاف الدولة التونسية، وعن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية؛ بحكم رئاسته لحزب النهضة الإخواني الحاكم، والمشارك الرئيسي في الحكم طيلة أعوام العقد الفائت.

ويشير أستاذ التاريخ إلى أنّ كل ذلك يفسر حالة الارتياح التي سادت لدى الرأي العام التونسي، عندما بلغه خبر إيقاف راشد الغنوشي، بل إنّ الشعب التونسي يعتبر أنّ هذا الإجراء جاء متأخراً، ويصفه بالبطيء، فقد كان ينبغي وقوعه في أوقات سابقة. لافتاً إلى أنّ مجريات القانون والمحاكمة العادلة لراشد الغنوشي تسمح بأن تكشف لكافة المتابعين كل الجرائم التي قام بها في حق الدولة التونسية، وحق الشعب التونسي.

فاطمة المسدي: إيقاف راشد الغنوشي يمثل دليلاً على أنّ الجميع يمثل أمام القانون

أمّا بخصوص حديث راشد الغنوشي في الفيديو المنسوب إليه، فيشير عبد الجليل بوقرة إلى أنّه لم يستغرب كلامه، فمواقفه المعادية للفكر الوطني وللوطن معلومة؛ على اعتبار أنّ ولاءه هو وكافة المنتسبين لتنظيمات الإسلام السياسي، وكذا التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لا يرتبط باستقرار الدولة الوطنية، وأنّ مزاعم خطابه عن الديمقراطية وعن الوطن؛ ما هي إلّا مخاتلة لا تنطلي إلّا على السذج.

القشة الأخيرة

في الوقت الذي أصدرت فيه جماعة الإخوان المسلمين بياناً استنكرت فيه إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وطالبت بسرعة الإفراج عنه، أشارت وكالة الأناضول، في خبر عاجل، إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب  أردوغان أعرب عن قلقه حيال التطورات في تونس، إثر توقيف رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.

بدوره، يذهب المتحدث الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي إلى التأكيد على أنّ إيقاف راشد الغنوشي حدث مهم ولافت، بيد أنّه كان منتظراً منذ مدة، قياساً على حجم الملفات التي يتم بحثها والتحقيق فيها مع زعيم النهضة، سواء ما تعلق منها بالأمن القومي، أو بقضايا التمويلات، وكذا الدعم الخارجي، وغيرها من الملفات الخطيرة التي تمس الأمن القومي لتونس.

ويتابع النابتي تصريحاته لـ "حفريات" مؤكداً أنّ راشد الغنوشي يتم التحقيق معه في أكثر من قضية منذ عدة أشهر طويلة مضت، وكلها قضايا ثقيلة بالمعنى القانوني.

محسن النابتي: اليوم هذه الملفات باتت بيد القضاء، وما هذه الإيقافات سوى دليل تطور كبير جداً في مسار المحاسبة

لا شكّ أنّ التصريحات التي أدلى بها الغنوشي مؤخراً، في ندوة جبهة الخلاص، والتي هدّد فيها بحدوث الحرب الأهلية على خلفية إقصاء الإسلام السياسي، قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير، ولكن ليست وحدها بالتأكيد، والحديث للنابتي، حيث ستتم محاكمته على كل القضايا المفتوحة ضدّه منذ أشهر طويلة، وربما هناك قضايا أخرى، وبالتالي نحن أمام تطور مهم في مسار المحاسبة.

وعن الرسائل التي ينبغي أن تصل إلى الجميع جراء إيقاف راشد الغنوشي ورفاقه، يقول النابتي: إنّ الدولة التونسية تعلن بشكل مباشر أنّه لا أحد فوق القانون، وهذا في حدّ ذاته أمر مهم؛ فهو طلب طال انتظاره من جميع القوى السياسية لإقامة العدالة على كل شخص وأيّ شخص.

أمّا الرسالة الثانية؛ فهي أنّ الدولة غير خاضعة للابتزاز، وكثير من القوى الإقليمية والدولية المرتبطة بهذا الرجل وبتنظيمه ربما حاولت في الأشهر والأيام الماضية ابتزاز الدولة التونسية بوضعها الاقتصادي كثيراً، ولكنّ هذا الإيقاف وهذا التمشي أثبت أنّ الدولة التونسية غير قابلة للإخضاع، وبالتالي فإنّ إرادتها وإرادة القضاء تتماهى مع الشأن التونسي، الذي يقضي بمحاسبة كل من أجرم .

هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي، وشكري بلعيد، كانت في قلب الحدث خلال الأعوام الأخيرة

 وبحسب القيادي في حزب التيار الشعبي محسن النابتي، فإنّه على المسار الميداني، ليس بإمكان الإخوان فعل الكثير، ولكن ربما تربك ارتباطاتهم بجيوب الاقتصاد الأسود، وتبييض الأموال والمهربين، وكذا منظومة الفساد الاقتصادي والمالي، الوضع بشكل ما، ولكنّه لا يعتقد أنّ ذلك سيكون له تأثير كبير في المدى المتوسط، مضيفاً: "هناك مرحلة تطوى الآن".

وبالنسبة إلى حزب  التيار الشعبي، يؤكد النابتي أنّ الحزب يولي الأولوية لهذا الملف بشكل مباشر، باعتبار أنّ هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي، وشكري بلعيد، كانت في قلب الحدث خلال الأعوام الأخيرة؛ ولهذا كان الكفاح طويلاً من أجل فتح كل ملفات الأمن القومي، وقضايا الاغتيال والتسفير، فضلاً عن ملفات الفساد المالي والسياسي وغيرها.

اليوم هذه الملفات باتت بيد القضاء، وما هذه الإيقافات سوى دليل تطور كبير جداً في مسار المحاسبة، الذي نعتبره دائماً في التيار الشعبي الممر الإجباري لبناء الجمهورية الجديدة، جمهورية مجتمع القانون، وجمهورية العدل الخالية من الفساد ومن المفسدين ومن الإرهابيين أيضاً. ويختتم النابتي تصريحاته لـ "حفريات" بقوله: إنّ إيقاف راشد الغنوشي جاء متزامناً مع زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الأمر الذي يراه، حتى وإن كان محض مصادفة، هو رسالة واضحة على أنّ مرحلة من تاريخ تونس، ومن تاريخ المنطقة العربية بشكل عام، قد طويت إلى الأبد.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية