هل يمكن أن تتطور الحرب في غزة إلى صراع إقليمي؟

هل يمكن أن تتطور الحرب في غزة إلى صراع إقليمي؟

هل يمكن أن تتطور الحرب في غزة إلى صراع إقليمي؟


22/10/2023

آراء كنت أتحفظ على نشرها طوال الأيام الماضية تجنبًا للجدل ومراعاة للاندفاعة العاطفية للناس، والتي انطلقت فرحًا بالنصر حينًا، وغضبًا من النتائج الكارثية للحرب الانتقامية حينًا آخر.

ما سأطرحه هو نتائج تحليل موضوعي بما أمتلك من معرفة وخبرة متواضعتين. ولا شأن له بأية اصطفافات أو استقطابات سياسية؛ فالمحلل السياسي ليس خطيبًا مهمته شحذ معنويات الناس، وليس ناشطًا سياسيًا مهمته تبني المواقف، وإصدار البيانات، وتوزيع الاتهامات؛ بل هو مجرد مختص، كما الطبيب يشخص الحالة، وأحيانًا يقترح الحلول:

أولًا؛ حماس حركة مقاومة، وهذا لا ينكره عاقل. لكنها مقاومة غير ذاتية الدفع، بمعنى أنّها تتطلع دائمًا إلى الدعم الخارجي، حالها في ذلك حال كل المقاومات الفلسطينية السابقة.

والدعم الخارجي لا يمكن أن يكون بلا ثمن. وهذا أيضًا لا ينكره عاقل. وهناك من يجادل بأنّ إسرائيل المدعومة من الغرب لا يمكن مقاومتها من دون دعم خارجي، وهذا باطل، فلو أراد الفلسطينيون أن يقاوموا من غير دعم خارجي لأمكنهم ذلك بالتأكيد، لكنهم حينها سيضطرون إلى اختيار أسلوب مقاومة يتناسب مع ما هو متوافر بين أيديهم من عوامل القوة الذاتية؛ الكامنة أو الفعلية.

ولا ننسى أنّ زيادة الدعم الخارجي لفلسطين سيقابله قطعًا زيادة في الدعم الخارجي لإسرائيل. وأنّ فلسطين في النهاية جزء من حلقة ضعيفة في مقابل إسرائيل التي هي جزء من حلقة قوية ومتفوقة؛ علميًا وتكنولوجيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. 

من غير المحتمل أن تخاطر طهران بمستقبل "حزب الله" من أجل الحفاظ على "حماس". وإذا اضطرت إيران إلى الاختيار فإنها ستقبل بالقضاء على "حماس"، في مقابل حماية "حزب الله"

 

وطبعًا لا بأس أن يأتي الدعم الخارجي كقيمة مضافة على أن يكون دعمًا معنويًا وسياسيًا، ومقتصرًا فقط على من يؤمن بالقضية موضع النقاش، وأن يكون غير مشروط.

ثانياً: لقد كان هجوم السابع من أكتوبر عملًا مقاوماً قوياً، وفارقا بالتأكيد، وهذا لا جدال فيه، لكنه بلا شك خدم مصالح إيران؛ الداعم الرئيس للمقاومة اليوم، ولا أستبعد أبدًا أن تكون إيران جزءًا من تخطيط هذا الهجوم، والتحضير له، وحتى أن تكون طهران هي من اختار التوقيت.

مع ذلك، لا يمكن القول إنّ الهجوم لم يكن في صالح قضية فلسطين، فمثل هذا الاستنتاج من المبكر الحديث عنه الآن؛ فالهجوم يحتاج إلى زمن طويل لتتضح تداعياته، ونتائجه النهائية على مجمل الصراع.

ما يمكن قوله الآن، إنّ الهجوم كان بلا شك نقطة تحول، لكن بأي اتجاه لا أعرف.

ثالثاً: في الإجابة على التساؤل الملحّ حول فرص توسع الحرب.

منذ تأسيس (حماس) عام 1987 خاضت الحركة 8 حروب مختلفة مع إسرائيل. لكن أياً من هذه الحروب لم يتطور إلى النطاق الإقليمي. ولا يوجد اليوم ما يشير إلى إمكانية تطور هذه الحرب الأخيرة إلى حرب إقليمية، من دون نفي إمكانية استمرار المشاغلة على الجبهات غير المشتعلة. ولذلك أسباب يطول شرحها، لكن خلاصتها أنّ قواعد الاشتباك أصبحت واضحة للجميع، ولا أحد من اللاعبين الرئيسيين يريد خرقها، أو لديه مصلحة في ذلك.

رابعاً؛ تنطلق حسابات إيران التي أظن أنني أعرفها جيداً، من محددين: الأول؛ ضرورة الحفاظ على "حزب الله الحليف العربي الاستراتيجي الأساسي لها. ولذلك ستعمل على حماية الحزب من تبعات الحرب الراهنة بين إسرائيل و"حماس".

والثاني؛ محاولة منع (القضاء على حماس كلياً) من خلال مشاغلة "حزب الله" المحدودة لإسرائيل، على أمل إعادة تشكيل حسابات تل أبيب.حإذ تسعى طهران للإبقاء على "حماس" ضمن استراتيجيتها لمحاصرة إسرائيل على المدى البعيد.

ولكن فيما دون ذلك، يمكن لطهران القبول باستمرار الضربات الإسرائيلية القوية في غزة، وحتى القبول بتغيير ديموغرافي في القطاع.

ومن غير المحتمل أن تخاطر طهران بمستقبل "حزب الله" من أجل الحفاظ على "حماس". وإذا اضطرت إيران إلى الاختيار فإنها ستقبل بالقضاء على "حماس"، في مقابل حماية "حزب الله".

وقد بدأنا نشهد بالفعل بوادر تململ قيادات حماس من تلكؤ طهران و"حزب الله" في تقديم المساعدة المرجوة، وربما الموعودة.

خامساً؛ غالباً ما تنتهي الحروب في مكان بعيد جداً عما يخطط له من يشعلونها؛ فمن جهة تؤدي الانتصارات، خاصة السريعة والسهلة منها غالباً إلى توسيع أهداف الحرب. فيما تؤدي المقاومة الصلبة حتى في حال الخسارة إلى تقليص أهداف المنتصرين، والرضا بالأقل، ويتقلص تبعاً لذلك نطاق الحرب زمانياً ومكانياً. لكن أخطر ما يمكن أن يحدث للمهزومين هو فقدان إرادة المقاومة بشكل مفاجئ، فهو يؤدي إلى انهيارات متسارعة تشبه سقوط أحجار الدومينوز.

في حدود خبرتي هدف الحرب في غزة (عدا عن الانتقام وتفريغ الأحقاد الصهيونية) هو تفريغ الثلث الشمالي من غزة، والذي يحقق للعمق الإسرائيلي حماية من الصواريخ الميدانية للمقاومة. وأثناء وبعد التفريغ سيتواصل تدمير البنية العسكرية لحماس والجهاد.

لكن العدو الصهيوني قد يبادر إلى توسيع أهداف الحرب في حال حقق هذين الهدفين إلى ما هو أبعد من ذلك. وهنا يمكن تخيل سيناريوهين: إما الذهاب شمالاً للقضاء على حزب الله (وأنا أستبعد ذلك خلال هذه الجولة من الصراع) أو المضي في خطة التغيير الديموغرافي في غزة. وفيما تبدو اليوم طريق الترانسفير إلى مصر والأردن مغلقة، لكن انتصارات سريعة للصهاينة في غزة (لا سمح الله) قد تغير قواعد اللعبة جذرياً، وتفتح شهية العدو لتسقط أحجار الدومينوز أمامه تباعاً.

والخلاصة، أننا في مصر والأردن ولبنان أولاً، وفي العمق العربي والإسلامي ثانياً، وبغض النظر عن موقفنا من حماس، أو من صوابية ما فعلته، لكننا معنيون تماماً، دولاً ومؤسسات قبل الشعوب، بعدم تقديم انتصار سهل لنتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني في هذه الجولة من الصراع.

سادساً؛ هل "حماس" هي "الإخوان المسلمين"؟ وهل ينبغي أن يتشكل موقفنا منها، انطلاقاً من مرجعيتها الفكرية الإخوانية؟ أم يتعين علينا النظر إليها كحركة مقاومة وتحرر وطني؟

هناك خلط مقصود أو غير مقصود جرى ويجري بين الإسلام السياسي بفرعيه السنّي والشيعي، وبين حركات التحرر والمقاومة التي تأسلم معظمها أو اصطبغت قليلاً أو كثيراً بالإسلام السياسي بعد انطلاقها ابتداء بمنطلقات تحرر وطني مثل الثورة السورية، والمقاومة الفلسطينية، وغيرها.

وهنا لا بد من الإيضاح بأن "حماس" حركة مقاومة أولاً، وأنها من أجل هذه الغاية تأسست. وأن تبنيها للإسلام السياسي جاء في سياق استمداد طاقة دفع للعمل المقاوم من الدين، والثقافة السائدة للمجتمع، وانسجاماً مع معتقدات الغالبية العظمى من الفلسطينيين، والعرب الذين يشكل الإسلام بالنسبة لهم منهج حياة كامل، وليس مجرد حالة إيمانية فردية خالصة. سواء اتفقنا مهم في ذلك أم لم نتفق.

إننا في مصر والأردن ولبنان أولاً، وفي العمق العربي والإسلامي ثانياً، وبغض النظر عن موقفنا من حماس، معنيون تماماً، دولاً ومؤسسات قبل الشعوب، بعدم تقديم انتصار سهل لنتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني في هذه الجولة من الصراع

 

وعلينا ألا ننسى أنّ انزياح المقاومة الفسلطينية نحو الأسلمة، إنما جاء بعد فشل محاولات سابقة لاستمداد طاقة العمل المقاوم من الفكر القومي العربي، وحتى من مختلف المدارس الفكرية العالمية الأخرى، بما فيها الاشتراكية، والديموقراطية. ولا أظن أنّ هناك مدرسة فكرية ليس لها صدى في التشكيلات والتنظيمات الفلسطينية المقاومة التي نشطت طوال العقود الماضية من عمر الصراع.

وعلينا ألا ننسى أيضاً، أنّ الناس في فلسطين وفي سوريا لاحقاً، إنما كانوا يطلبون التحرر قبل كل شيء، وأنه لم يكن محسوماً لديهم شكل الدولة التي يريدونها بعد التحرر، إذ لم يصل تفكيرهم إلى هذا الحد، لكنهم مؤقتاً، وإلى حين التحرير، يستمدون عزيمة المقاومة، والصبر على الموت، وتحمل المعاناة، والنزوح ممّا يتوافر لهم من مصادر معنوية.

أما الإسلام السياسي في باقي الدول العربية والإسلامية، وبفرعيه السنّي والشيعي، فهو حزب سياسي يطلب السلطة، وينازع باقي القوى الوطنية على الثروة والموارد والنفوذ. وهو كذلك حزب انتهازي يوظف الدين كأداة في سبيل تحقيق هذه الغاية، ويستغل المشاعر الدينية للناس. وليس من شك في أنه سعى ويسعى إلى التحكم بالقرار المقاوم لحماس فيما تصر الحركة على فرض خصوصيتها كحركة مقاومة، وتنجح في ذلك قليلاً أو كثيراً.

والخلاصة، إنّ النظر إلى "حماس" كحركة مقاومة وطنية محضة فيه مجافاة للحقيقة بالتأكيد؛ فالحركة لها امتداد إخواني واضح، ولا يمكن تجاهله. أما النظر إليها كفرع من فروع الإخوان المسلمين، وكجزء من لعبتهم السياسية الإقليمية، واتخاذ الموقف من عملها المقاوم على هذا الأساس، فهذا فيه ظلم للفلسطينيين بعامة، وتجاهل لحقهم الإنساني في مقاومة الاحتلال. ومثل هذا الظلم وقع، ويقع على السوريين.

مواضيع ذات صلة:

تقارير: أمريكا قد تتورط في حرب إقليمية في الشرق الأوسط.. ما التفاصيل؟

وكالات أممية: المساعدات المرسلة إلى غزة محدودة وغير كافية... تفاصيل




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية