هل يؤثر "الجنرال مطر" على مسار الحرب في غزة؟

هل يؤثر "الجنرال مطر" على مسار الحرب في غزة؟

هل يؤثر "الجنرال مطر" على مسار الحرب في غزة؟


15/11/2023

ظل الطقس عاملاً أساسياً في الحروب، لا سيما إذا طال أمدها. وقد شاع في العلم السياسي والعسكري مصطلح "الجنرال ثلج" للإشارة إلى تأثير الأحوال المناخية في حسم المواجهات الميدانية في أرض المعركة، كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت جيوش هتلر الاتحاد السوفييتي، إذ قال السوفييت حينها سننتظر الجنرال الأبيض؛ أي الثلج، حتى يهلك جيش هتلر في صقيع روسيا، وهذا ما حصل. وكانت تلك اللحظة فاصلة في مسار الحرب التي انهزمت فيها النازية، وتخلّص العالم من شرورها.

بيْد أن بعض المراقبين لمسار العدوان الإسرائيلي في غزة، يعتقدون أنّ النازية عادت، منذ السابع من أكتوبر الماضي، بهيئة جديدة تجسدت في الهمجية الإسرائيلية التي مارست وما زالت حرب إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، منذ ما يقارب الأربعين يوماً.

الجنرال مطر

أولئك المراقبون يقدرون أنّ الحرب قد تستمر، مشيرين إلى عوائق موضوعية قد تتدخل في اتجاهاتها، وأبرز تلك العوائق الطقس أو "الجنرال مطر"، حيث تدخل المنطقة (فلسطين، الأردن، لبنان، سورية) منذ يوم أمس الثلاثاء، في أجواء شتائية تنذر بأمطار وعواصف وتقلبات قد تؤثر على حركة الآليات والطائرات في غزة. ويرى بعض المراقبين أنّ تغيرات الطقس قد تؤثر على المقاومة في غزة فتعيق عملها، وقد تُغرق الأنفاق، وتزيد من العبء العسكري واللوجستي.

هطول الأمطار لا يعني الحد من عمليات القوات الجوية وحسب، بل يعيق أيضاً تحرك القوات البرية، التي تناور على أي حال في غابة حضرية وتتعرض هي نفسها للمخاطر المتمثلة في الفيضانات، ومياه الصرف الصحي، وتفشي الأمراض، وفقاً لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

التغيير الأكثر إلحاحا في الطقس سيكون المطر الذي سيخلق طيناً وتضاريس يصعب على بعض المركبات مثل المدرعات اجتيازها

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت إنّ الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة تأجل لأسباب من بينها حالة الطقس. وذكرت الصحيفة في تقرير أعده، منتصف الشهر الماضي، اثنان من صحفييها، بينهم رونين بيرغمان المتخصص بالشؤون الاستخبارية أنّ المخطط الأولي للهجوم على غزة كان في وقت مبكر بعد عملية "طوفان الأقصى".

لكنّ الأمر، وفق الصحيفة الأمريكية، تأجل لعدة أيام بسبب ظروف الطقس جزئياً، حيث يؤدي تراكم الغيوم إلى جعل المهمة أصعب على الطيارين الحربيين ومشغلي الطائرات المسيّرة، فلا يتمكنون من تقديم الغطاء الجوي للقوات الأرضية.

الحرب خلال فصل الشتاء

أما صحيفة "جيروسالم بوست" العبرية، فتوقعت أن تستمر الحرب خلال فصل الشتاء وسط تغير الظروف الجوية.

التغيير الأكثر إلحاحا في الطقس سيكون المطر الذي سيخلق طيناً وتضاريس يصعب على بعض المركبات مثل المدرعات اجتيازها، مما يؤدي إلى إبطاء حركتها، ويمكن أن تتعطل بعض المركبات، مما يجعلها أهدافاً معرضة للخطر، ويؤخر تسليم الإمدادات الحيوية.

 

يديعوت أحرنوت: هطول الأمطار لا يعني الحد من عمليات القوات الجوية وحسب، بل يعيق تحرك القوات البرية التي تناور في غابة حضرية

 

وقد تتوقف بعض المركبات الجوية عن العمل بسبب الأمطار الغزيرة، وسوف يشكل الطيران تحت المطر تحدياً للطائرات بدون طيار، حيث ستواجه صعوبة في الطيران تحت الأمطار الغزيرة، وقد تتعرض لأضرار في الأجهزة الإلكترونية، وانخفاض الرؤية، ويتأثر عمل الكاميرات والبصريات، وقد تشهد أيضاً انخفاضاً في الرؤية أثناء هطول الأمطار.

وترى صحيفة "المصري اليوم" أنّ زي المشاة ومعداتهم ستكون مبللة بالمطر، مما يجعل أحمالهم أكثر ثقلاً، ويمكن أن يكون الطين عائقاً للجنود، كما هو الحال بالنسبة للمركبات، حيث يثقل كاهل الأحذية ويوقفها مؤقتاً، فضلاً عن الاستلقاء في الوحل، والذي قد يكون ضرورياً في عمليات المراقبة والقتال، وإذا دخل الطين إلى الأسلحة فقد يؤدي إلى حدوث انحشار وعدم القدرة على التفريغ.

وفي حالة هطول أمطار كافية، فقد يتسبب ذلك في حدوث فيضانات فوق الأرض، مما يهدد المدنيين في غزة، وإذا تُركت هذه المياه كما هي، فقد تتكاثر الأمراض المنقولة بالمياه، فلقد ساهمت الأمراض في تشكيل مسار الحرب مثلها مثل أي عاصفة أخرى، ويعتبر الجنود والنازحون داخلياً من النواقل الرئيسية لانتقال العدوى.

انخفاض حرارة أجساد الجنود

وبدون حماية من البرد والمطر، يتعرض الجنود والمدنيون على حد سواء لخطر انخفاض حرارة الجسم، في فترات البرد، وقد يجد الجنود أنفسهم أيضاً لا يشعرون بالحاجة إلى شرب المياه بشكل طبيعي، ليكتشفوا في وقت متأخر أنهم يعانون من الجفاف.

قد تتوقف بعض المركبات الجوية عن العمل بسبب الأمطار الغزيرة،

وبحسب الصحيفة المصرية، فإنه خلال الليالي الباردة والأيام الحارة، قد يمثل الضباب مشكلة في الصباح، حيث إنّ الضباب عبارة عن ستارة دخان طبيعية يمكنها إخفاء الحركة ليس فقط للجنود الموجودين في وسطها، ولكن أيضاً للكاميرات والطائرات التي تحلق فوقها، وهذا يقلل من قدرة المروحيات والطائرات الحربية والطائرات بدون طيار على توفير الدعم الجوي للمشاة والمدرعات خلال ساعات الفجر المحفوفة بالمخاطر والتي تتسم بانخفاض الرؤية بالفعل.

وفي "روز اليوسف" المصرية، كتب المحلل عادل عبدالمحسن أنّ تأمين الخدمات اللوجستية يصبح خلال الأمطار أكثر صعوبة؛ إذ تؤدي إلى عدم قدرة بعض أنواع الطائرات على العمل، بما في ذلك الطائرات بدون طيار القتالية، وستواجه هذه الأنواع من الطائرات بدون طيار، المستخدمة في الاستطلاع وتوجيه نيران الهاون والقصف، صعوبة في الطيران تحت الأمطار الغزيرة، ويمكن أن تتعرض لأضرار في الأجهزة الإلكترونية ومحدودية الرؤية. 

وبحسب المحلل المصري، "لا يؤثر ذلك على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فحسب، بل على مقاتلي المقاومة الفلسطينية بشكل أقل، نظراً للإلمام الكامل بتضاريس قطاع غزة، رغم خطورة الأمطار والسيول على نظام الأنفاق العملاق الموجود أسفل مدينة غزة".

الشتاء وخطر الموت

كما يؤثر طقس الشتاء البارد بشكل كبير على معنويات الجنود، ويمكن للجيوش أن تسير بمعدة فارغة، ولكنها تحتاج إلى روح القتال، وبدون معدات الحماية ضد الطقس الممطر والبارد، يتعرض الجنود والمدنيون لخطر انخفاض حرارة الجسم وحتى الموت. 

 

المحلل المصري عادل عبدالمحسن: تأمين الخدمات اللوجستية يصبح خلال الأمطار أكثر صعوبة؛ إذ تؤدي إلى عدم قدرة بعض أنواع الطائرات على العمل

 

ويورد عبدالمحسن بأنه على العكس من ذلك، "قد يواجه جنود جيش الاحتلال خطراً آخر يتمثل في ارتفاع درجة الحرارة، قد يبدو هذا متناقضاً في البداية في ظل الظروف الجوية المتغيرة، لكنه يمكن أن يحدث في الواقع". والسبب، بحسبه، هو أنّ بعض الجنود مزودون بملابس دافئة مثل الجوارب والملابس الداخلية الحرارية، ولكنهم في مواقف لا يمكنهم خلعها في الوقت المناسب للتصرف، وهذا سوف يسبب لهم المعاناة من الإرهاق الحراري.

 وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطقس البارد يجعل الجنود لا يشعرون بالعطش ويحتاجون إلى تجديد المياه بانتظام، ولا يلاحظون ذلك إلا عندما يمارسون الرياضة بشكل مفرط، مما يؤثر على صحتهم بشكل كبير. 

ويؤكد عبدالمحسن على أنّ هذه العوامل الجوية "ستلعب دوراً كبيراً في الحرب ضد العدو الإسرائيلي"، ولكنه في الوقت نفسه يدعو المنظمات غير الحكومية التي تسعى لمساعدة اللاجئين في قطاع غزة أن تأخذها بعين الاعتبار في الأيام القليلة المقبلة، مع اقتراب فصل الشتاء.  

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية