هل تتحمّل حكومة الإسلاميين بالمغرب فشل التعليم؟

يعود ملف الأساتذة المتعاقدين للواجهة من جديد بالمغرب، بعد احتجاجاتهم المتواصلة الأسابيع الماضية، مطالبين الحكومة بالتراجع عمّا يصفونه بمهزلة التوظيف بالتعاقد، مُعتبرين أنّ "اللجوء إلى الإضراب لا يتمّ إلا بعد استفحال ظلم الحكومة، وجور المسؤولين في القطاع الذين أوكِلت إليهم مهمة تمرير القرارات الجائرة والهادفة إلى تصفية التعليم العمومي".
بن كيران وأزمة التعليم
ومع انتهاء الولاية التشريعية لحكومة بن كيران، طالب الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية بتعجيل فتح نقاش وإقرار صيغة جديدة للتوظيف بالقطاع العمومي، معتبراً أنّ التوظيف بالتعاقد، سيُساهم في سدّ الخصام المسجَّل ببعض الإدارات في مجال الموارد البشرية.

اقرأ أيضاً: هل ينتمي حزب العدالة والتنمية المغربي لتنظيم الإخوان المسلمين؟
وقد أثار نظام التعاقد في الوظيفة احتجاجات في صفوف الأساتذة المتعاقدين، ورفعوا شعارات تطالب بإدماجهم في الوظيفة العمومية وإلغاء نظام التعاقد.
وفي غضون هذا الاحتقان الاجتماعي، يُنتظر من حكومة سعد الدين العثماني، أن تجد حلولاً لهذه الأزمة التي تُهدّد نظام التعليم بالمغرب.

"يمكن أن نطرد في أية لحظة"
يرى (حمزة ف)، أستاذ متعاقد يدرّس في السلك الثانوي شعبة الفيزياء، أنّ خريجي الجامعة المغربية، يعانون بعد التخرج من البطالة، والأفق المسدودة، مشيراً إلى أنّ هذا ما يجعل من الوظيفة العمومية فرصتهم الوحيدة للاندماج في سوق الشغل.

أثار نظام التعاقد في الوظيفة احتجاجات في صفوف الأساتذة المتعاقدين، ورفعوا شعارات تطالب بإدماجهم في الوظيفة العمومية وإلغاء النظام

ويُضيف حمزة في تصريحه لـ "حفريات": "بمجرد ما حصلت على شهادة الماجستير في الفيزياء، كُنت أطمح بالعمل في مجال تخصصي الفيزياء، لكن لم أجد فرصة حتى للتدريب، وكان ولوج التدريس خياري الوحيد لضمان لقمة العيش".
ويضيف: "في السابق كان المدرس لديه امتيازات، ويُؤدي وظيفته وهو مرتاح، اليوم نحن خائفون لأنّنا نعمل بعقد، ويُمكن أن نطرد في أيّة لحظة".
يتساءل أستاذ شعبة الفيزياء: "ماذا تنتظرون من أستاذ خائف من الطرد؟ من أستاذ خائف من التشرد والعودة إلى شارع؟ لكن علينا تأدية وظائفنا بتفانٍ وحبّ، ونأمل أن يعيش الجيل الصاعد أفضل منا، وألّا تبقى مهنة التدريس هي الفرصة الوحيدة لخريجي الجامعات الحكومية للاندماج بسوق الشغل".
معاناة الأستاذ المتعاقد، ستكون لها تداعيات على التلميذ، خاصة أبناء الطبقة الفقيرة، حيث يقول حمزة في هذا الصدد: "ضحايا نظام التعاقد هما الأستاذ والتلميذ الذي ينحدر من الطبقة الفقيرة؛ لأنّ عائلته لا تمتلك المال لإرساله إلى المدرسة الخاصة، والمدرسة العمومية كانت في السابق فرصة لأبناء الطبقة الفقيرة للارتقاء اجتماعياً، لكنها تموت تدريجياً".

70 ألف أستاذ يحتجّون
وصلت نسبة إضراب الأساتذة المتعاقدين، البالغ عددهم 70 ألف أستاذ، بسيدي إفني 86%، و90% في الحسيمة، و91% بجرسيف، وفي تطوان وخريبكة 76%، و89% بخنيفرة.
وتجدر الإشارة إلى أنّه جرى توظيفهم في أعوام (2016 و2017 و2018 و2019)، وخاضوا احتجاجات متواصلة للمطالبة بإدماجهم الكلي في أسلاك الوظيفة العمومية، وإلغاء "نظام التعاقد".

اقرأ أيضاً: هل يسعى إخوان المغرب فعلاً لفصل الدين عن السياسية؟
وفي سياق متصل؛ يقول محمد أيت حمد، أستاذ يمثل التنسيقية الإقليمية للأساتذة المتعاقدين في شيشاوة: "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ما يزالون مُتمسكين بمطالبهم التي سطروها بالمجالس الوطنية، وأبرزها مطلب إسقاط التعاقد وإدماج كافة الأساتذة والأستاذات بالنظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية".
الأساتذة المتعاقدون يرفضون حلول الحكومة
وصرّح الحسن عبيابة، وزير الثقافة والشباب والرياضة، والناطق الرسمي باسم الحكومة: بأنّ "باب الحوار مفتوح أمام الأساتذة المتعاقدين لتجويد التوظيف، والتوظيف الجهوي اختيار دستوري للمملكة في إطار تنزيل ورش الجهوية الموسعة".
وينتقد أحمد أيت حمد، في حديثه لـ "حفريات"، تصريحات الحكومة، ويرى أنّها "تحاول تحويل النقاش إلى محض نقاش مفاهيمي، وعزله عن سياقه العام المتمثل في تهديد المدرسة العمومية وتفكيك الوظيفة العمومية، كما أنّها لم تأتِ بأيّ جديد".

اقرأ أيضاً: هل يهدد التدخل التركي في ليبيا أمن المغرب العربي؟
ويُتابع المتحدث ذاته: "التنسيقية لا تُناضل فقط من أجل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بل من أجل مجمل العاملين في الوظيفة العمومية".
ومن المرتقب أن يخوض الأساتذة المتعاقدون، في 20 من الشهر الجاري، إضراباً وطنياً لمدة أربعة أيام، مُعربين عن رفضهم لكلّ الحلول التي قدمتها الحكومة.

شتات العديد من الأسر
ويُشير يوسف الموساوي، ممثل التنسيقية الإقليمية للأساتذة المتعاقدين في الرحامنة، في حواره مع "حفريات"، إلى أنّ "نظام التعاقد سيساهم في شتات العديد من الأسر والهشاشة في المعاشات".
ويؤكد الموساوي؛ أنّ تنسيقية الأساتذة المتعاقدين ستستمر هذا الموسم في خوض احتجاجاتها، رغم الاقتطاع والتهديد.

رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران وجّه هجوماً شديد اللهجة للأساتذة المتعاقدين، بسبب استمرار احتجاجاتهم ومقاطعتهم للتدريس

عبد الإله بن كيران، الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية، كان من أبرز المدافعين عن التوظيف بالتعاقد في التدريس، في الوقت الذي لم تجرؤ الحكومات السابقة على سنّه؛ بسبب تداعياته الاجتماعية.
وكان عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، قد وجّه هجوماً شديد اللهجة للأساتذة المتعاقدين، بسبب استمرار احتجاجاتهم ومقاطعتهم للتدريس.
وقال بن كيران: "الله سيسائلهم بسبب ما يقومون به من إضراب عن العمل".
وأضاف الزعيم الإسلامي، في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي: "الأموال تضيع بسبب هذه الأشياء".
ويُشار إلى أنّ أحزاب الأغلبية في الحكومة المغربية شدّدت على أنّه "لا تراجع عن قضية الخيارات التي اتخذتها الحكومة حيال قضية الأساتذة المتعاقدين".
وكانت أحزاب الأغلبية الحكومية قد أكّدت في بيان لها: "خيار التوظيف الجهوي هو خيار إستراتيجي لبلادنا، يندرج في إطار إرساء الجهوية المُتقدمة، وتجويد العرض المدرسي العمومي، وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في تقديم الخدمة العمومية بمختلف جهات المملكة".
وأشارت أحزاب الحكومة إلى "ضرورة الحرص على إتاحة الموارد البشرية ذات الكفاءة، وشروط تجويد التعليم في العالم القروي والمناطق النائية تحقيقاً للعدالة المجالية".