لماذا على الدول المحيطة بأفغانستان توخي الحذر؟

لماذا على الدول المحيطة بأفغانستان توخي الحذر؟


24/08/2021

تحت عنوان: "طالبان عادت وجهاديو العالم قادمون"، نشر الباحث والمحلل السياسي روي غوتمان قراءة موسعة للزلزال الذي عصف بأفغانستان أخيراً. وتوقع التحليل الذي نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، نقلاً عن "ديلي بيست" بأنّ عودة محتملة لـ تنظيم "القاعدة" صارت مؤكدة، لكنّ عودة حركة "طالبان" قد تؤدي أيضاً إلى تدفق المتمردين واللاجئين نحو الصين وروسيا وإيران وباكستان وأوزبكستان.

ويعتقد غوتمان، صاحب الكتاب الذي صدر عام 2013 "كيف فوّتنا القصة: أسامة بن لادن وطالبان واختطاف أفغانستان"، بأنّ انتصار "طالبان" في أفغانستان أعطى أملاً جديداً بالحياة للمتطرفين الإسلاميين في العالم، لذلك على الدول المجاورة القريبة والبعيدة، بما فيها روسيا والصين، توخي الحذر.

وفي نظر الباحث الأمريكي، فإنّ أسامة بن لادن، لم يكن الجهادي الوحيد الذي وجد ملاذاً له في أفغانستان واستخدمها كقاعدة لشن هجمات خلال الفترة الأخيرة التي استولت فيها "طالبان" على الحكم بين عامَي 1996 و2001. فقد تهافت الجهاديون من الصين إلى الشيشان ومختلف أنحاء العالم العربي، للمشاركة في التدريبات العسكرية والقتال حين كانت "طالبان" تقاتل خصومها في الداخل.

الخيارات المظلمة

الأوضاع المتدحرجة في أفغانستان، جعلت المراقبين يتريثون في الحكم على مآلات الأمور التي يصبّ مجملها في خانة الخيارات المظلمة؛ فالعديد من التطورات تستحق مزيداً من الاهتمام، ومن بينها، كما يلفت الباحث هارون زيلين في معهد واشنطن، هروب عناصر من الجماعات الإرهابية من السجون، بعد استيلاء "طالبان" على البلاد على أفغانستان.

العملية أسفرت عن إطلاق سراح عناصر من تنظيم "القاعدة" (ومن المحتمل أن تكون عناصر في جماعات أخرى أيضاً). وكان لسقوط "قاعدة باغرام الجوية" أهمية خاصة في هذا الصدد، لأنها كانت تحتجز أهم سجناء تنظيم "القاعدة".

العالم، وإن يبدو منقسماً إزاء ما يجري في أفغانستان، فإنّه يتخوف من التسليم بالأمر الواقع، لكنّ الخيارات لتغيير ما جرى تبدو صعبة وكأنّ زمناً جديداً يتخلّق

وفي بيانٍ لها لوكالة "رويترز" في السادس عشر من الشهر الجاري، قالت حركة "طالبان باكستان" إنه تم إطلاق سراح 780 من عناصرها من السجون الأفغانية، وشق هؤلاء طريقهم إلى معاقل الحركة في ولايات كونر وباكتيكا وخوست. وجدّدت "طالبان باكستان" ولاءها لحركة "طالبان" الأفغانية والتزامها بمحاربة الدولة الباكستانية.

ومن المرجح أن يؤدي هذا التدفق من قدامى المحاربين الجهاديين، بحسب الباحث، إلى تحفيز جهود "القاعدة" لإعادة بناء بنيته التحتية المحلية. وفي غياب أي معلومات عن هوية الفارّين، من الصعب معرفة ما إذا كانت الشخصيات المعروفة السابقة لا تزال تعمل ضمن شبكة "القاعدة" في أفغانستان وباكستان أم لا، أو ما إذا كانت تتكون أساساً من شخصيات أحدث هذه الأيام، سواء كان أعضاؤها مقاتلين محليين أو إقليميين.

رفع السرية

ولسد هذه الفجوة وتمكين تقييمات أفضل لمستقبل تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، يقترح زيلين على الحكومة الأمريكية "رفع السرية" عن أسماء الشخصيات الرئيسية المسجونة في "باغرام" والمنشآت الأخرى.

والسؤال هو كم عدد عناصر تنظيم "القاعدة" خارج أفغانستان التي ستحاول العودة الآن، بعد أن أصبحت "طالبان" في السلطة؟

 يجيب الباحث بأنّ سيف العدل يحظى بأهمية خاصة، حيث يقيم في إيران منذ الغزو الذي أعقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ويُعتبر وريثاً محتملاً لزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري. وقد تَعتبر طهران سيف العدل ورقة مساومة مع مسؤولي "طالبان"، لتأمين مصالحها في أفغانستان وضمان رفاهية الهزارة الشيعة المحليين.

وتشكل إثنية الهزارة، التي يُعتقد أنّ لها أصولاً بين شعوب آسيا الوسطى والشعوب التركية، حوالي 10 في المئة من السكان، وهي متمركزة أساساً في وسط أفغانستان، وتتحدث لهجة الداري، وغالبيتها من المسلمين الشيعة.

واجهت هذه المجموعة اضطهاداً وتمييزاً عنيفين في أفغانستان على أساس الدين والإثنية لأكثر من قرن. ونفذت مذابح بحقها في ظل مختلف الحكومات الأفغانية في العقود الأخيرة، وخصوصاً في ظل حكم طالبان.

كما استهدف متشددون آخرون في أفغانستان، مثل "داعش"، الهزارة بهجمات قاتلة بالقنابل، ولم يوفروا حتى مدارسهم ومستشفياتهم، وفق وكالات أنباء.

ومن الممكن أيضاً لعناصر "طالبان"، الذين هم من البشتون، أن يشنوا قريباً هجوماً ضد الهزارة في مقاطعة باميان أو الأوزبك والطاجيك، حيث من المعروف أن "طالبان" تحمل ضغينة عميقة لتلك الجماعات بسبب معاركها السابقة معها، وسجلّها في مجال حقوق الإنسان سيئ للغاية.

من أفغانستان إلى سوريا

ومن بين العائدين المحتملين الآخرين أعضاء تنظيم "القاعدة" الذين انتقلوا من أفغانستان إلى سوريا على مدار العقد الماضي للمساعدة في الفروع المحلية للتنظيم - أولاً "جبهة النصرة"، ولاحقاً جماعة "حرّاس الدين" بعد أن قررت "هيئة تحرير الشام" التي كانت تدور في فلكها سابقاً التخلي عن تنظيمها الأم والتركيز على أن تصبح سلطة محلية مستقلة.

 وقامت "هيئة تحرير الشام" بشكل أساسي بتعزيز سيطرتها بإلحاقها الهزيمة بجماعة "حرّاس الدين" في حزيران (يونيو) 2020، لذلك يشاع أنّ أفراد الجماعة الأخيرة الذين لديهم روابط تاريخية بالشبكة الأفغانية لتنظيم "القاعدة" في أفغانستان يسعون للعودة إلى هناك.

التقديرات تتفق على أنّ خطر الهجمات الإرهابية يتنامى على طول الخط. فقد صرّح البنتاغون أنّ "طالبان" حافظت على علاقتها بتنظيم "القاعدة"، بالرغم من تعهّدها عكس ذلك خلال محادثات السلام التي قادتها الولايات المتحدة. كما أنّ الفرع المحلي لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" يواصل نشاطه في المناطق تسيطر عليها حركة "طالبان". وفي حين ضربه الجيشان الأمريكي والأفغاني قبل عامين، من الممكن اليوم، في بيئة أكثر تساهلاً، أن يعاود التنظيم نشاطه ويجذب المناصرين من الذين حاربوا على الأرض في سوريا والعراق، في تقدير المحلل السياسي روي غوتمان.

كان لسقوط "قاعدة باغرام الجوية" أثر كبير، لأنها كانت تحتجز أهم سجناء "القاعدة". ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تحفيز جهود "القاعدة" لإعادة بناء بنيته التحتية المحلية

ويتذكر غوتمان بأنه عندما استولت "طالبان" على كابول في عام 1996، كانت إحدى خطواتها الأولى هي الاعتراف باستقلال الشيشان (التي كانت آنذاك ولا تزال جزءاً من "الاتحاد الروسي"). وفي وقت لاحق فتحت سفارة شيشانية في كابول وأرسلت قواتٍ للقتال في الشيشان.

كذلك، كانت دولة أوزبكستان المجاورة من الأهداف العرضية الأخرى التي سنحت أمام الحركة. ففي عام 1997، أعلنت "طالبان" بصورة مشتركة مع زعيم انفصالي أوزبكي عن تشكيل "الحركة الإسلامية لأوزبكستان" بالإضافة إلى الجهاد المقدس لإطاحة رئيس أوزبكستان آنذاك. وبعد عام واحد، زوّدت "الحركة الإسلامية لأوزبكستان" حركة "طالبان" بنحو 600 مقاتل من أوزبكستان ودول أخرى في آسيا الوسطى. وسمحت "طالبان" لزعيم إسلامي أوزبكي بقيادة جميع المتطوعين من آسيا الوسطى، وحتى الأويغور من منطقة سنجان الصينية.

وبحسب غواتمان، فقد عُرض على الأويغور، الذين يتعرضون حالياً لقمع شديد وتهديد بالإبادة الجماعية في الصين، اللجوء تحت حكم "طالبان"، واستقرّت مجموعات منهم في كابول. وتم نشرهم أيضاً في كتيبة الأجانب التي تقاتل الأعداء الداخليين لـ "طالبان".

وثمة أيضاً باكستان، التي وفّرت ملاذاً لقيادة "طالبان" بعد التدخل الأمريكي في عام 2003، ووفقاً لبعض التقارير أنها درّبت قوات "طالبان".

أما إيران، فمن المرجَّح أن تواجه تهديداً مختلفاً؛ فهناك حوالي ثلاثة ملايين شيعي من غرب العراق ومقاطعة باميان الذين فرّوا من أفغانستان خلال حكم "طالبان"، وثمة احتمال بأن يتوجّه عددٌ أكبر بكثير غرباً إلى إيران؛ لأن "طالبان" تعتبر شيعة باميان كفرة. وكانت إيران على وشك الدخول في حرب مع المتطرفين السُّنة في أواخر عام 1998 بعد أن اجتاحت ميليشيا متحالفة مع "طالبان" القنصلية الإيرانية في مزار شريف وقتلت تسعة دبلوماسيين.

ما العمل الآن؟

العالم، وإن يبدو منقسماً إزاء ما يجري في أفغانستان، فإنّ غالبية الدول تتخوف من التسليم بالأمر الواقع، لكنّ الخيارات لتغيير ما جرى على الأرض ووصول "طالبان" إلى القصر الرئاسي في كابول، تبدو صعبة وكأنّ زمناً جديداً يتخلّق.

وفي ظل هذه الحيرة التي بلا نوافذ، حضت منظمة التعاون الإسلامي أول من أمس، الأحد،  حركة "طالبان" والمجتمع الدولي على ضمان عدم استخدام أفغانستان مجدداً "كمنصة وملاذ آمن للإرهاب والتطرف"، في إشارة لايوائها تنظيم "القاعدة" خلال فترة حكمها السابقة.

وعقدت المنظمة اجتماعاً استثنائياً على مستوى المندوبين الدائمين في جدة بطلب من السعودية لمناقشة الأوضاع المتدهورة في جمهورية أفغانستان الإسلامية، العضو في المنظمة. ودعت المنظمة في بيانها الختامي "القيادة الأفغانية المستقبلية والمجتمع الدولي إلى العمل معاً على ضمان عدم استخدام أفغانستان مرة أخرى كمنصة أو ملاذ آمن للإرهابيين وعدم السماح بوجود موطئ قدم للتنظيمات الإرهابية"، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ودعت المنظمة إلى إيفاد وفد رفيع المستوى من الأمانة العامة للمنظمة لزيارة أفغانستان "لإيصال رسالة المنظمة تجاه دعم استقرار السلام والمصالحة الوطنية في أفغانستان". وشددت المنظمة على "ضرورة إجراء حوار شامل بين جميع الأطراف الأفغانية الممثلة للشعب الأفغاني من أجل مستقبل بلادهم".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية