رمضان شهر الإحسان

صالح محمد أحمد المشعري

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله تعالى أن نتأسى به أجود الناس بالخير في كل وقت، ولكنه كان في رمضان أكثر عطاءً، بل إنه كان يجود بالخير أكثر من الريح المرسلة، وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة).

في رمضان يشعر المسلم بإخوانه الجائعين؛ ويتفكر كيف لو لم يكن لي ولأبنائي ما نفطر عليه؟! فليس الخبر كالمعاينة، وليس من ذاق كمن سمع، فيكون ذلك حافزاً للإنفاق على المساكين، وكذلك؛ لأن الله تعالى قد جعل أجر من فطَّر صائماً كأجر الصائم كما في الحديث، عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً).

رمضان شهر تُصفَّد فيه الشياطين التي تكون سبباً في شح النفس بالمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يخرج رجل صدقته حتى يفك بها لِحْيي سبعين شيطاناً)، فإذا تحررت النفوس من أغلال الشياطين التي لا تترك الإنسان يفعل خيراً، كبذل المال للفقراء والمحتاجين، زادت الرغبة في الإنفاق والطمع في الثواب، ولتطهر النفوس من أدران البخل والحرص على الدنيا بسبب الصيام وإحساس الإنسان ببساطة الحياة وسهولتها، وأنه بإمكانه أن يعيش بالقليل من الزاد فتجود نفسه بالإنفاق على الفقراء.

اعلم رعاك الله أن مالك الذي تستفيد منه على الحقيقة، هو ما أنفقته في سبيل الله، هذا الذي يبقى لك وتؤجر عليه، قال تعالى: ﴿وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً... (20)﴾ [المزمل: 20] وغير ذلك هو مال أفنيته في الدنيا أو مال تركته للورثة يتقاسمونه وأنت في أول ليلة في القبر، قال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم مالي، مالي، قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت؟ أو لبست فأبليت؟ أو تصدقت فأمضيت؟) وفي البخاري: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر).

ما لم تفعله أنت لنفسك التي أنت أحرص الناس عليها، فلا تلم غيرك إن لم يفعله، فإذا بخلت على نفسك بوقف، أو بناء مسجد، أو حفر بئر، أو إنفاق على يتيم، أو غيرها من أوجه الإنفاق على الضعفاء والمساكين، فلا تلم الورثة على عدم فعلهم لك.

عن "البيان" الإماراتية