المغرب: الإخوان يتصدّرون المشهد السياسي على أكتاف العزوف الانتخابي

المغرب: الإخوان يتصدّرون المشهد السياسي على أكتاف العزوف الانتخابي


29/10/2020

يشهد المغرب أزمة سياسية نتيجة ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات النيابية؛ حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2016، حوالي 42.5 %، وتصدّر حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسيّة لإخوان المغرب، نتائج الانتخابات، بحصوله على 125 مقعداً، وعدد أصوات بلغ 1.6 مليون صوت، من أصل 15.7 مليون ناخب.

اقرأ أيضاً: المغرب لا تنوي تغيير موقفها من إيران... ما الجديد؟

ووفق الدستور؛ شكّل الحزب الحكومة، ورئيسها الحالي، سعد الدين العثماني، لكنّ ضعف المشاركة فتح سجالاً في الساحة السياسية حول شرعية تقسيم مقاعد البرلمان، وفق عدد الأصوات الصحيحة فقط، وإهمال الرسالة السياسية التي تحملها الأصوات الباطلة، والبالغة 821 ألف صوت، وغير المصوّتين وعددهم 9 ملايين ناخب.

وفتح ذلك الباب أمام الملك والأحزاب للتساؤل حول شرعية النظام البرلماني، وقدّمت الأحزاب مقترحاً باحتساب القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين، لا بحسب الأصوات الصحيحة المعبَّر عنها فقط.

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، وقيادات الحزب

وتزامن ذلك مع شقاق داخلي يعيشه حزب العدالة والتنمية، على خلفية طرح قيادات حزبية مقترحاً بتقليص مشاركة الحزب في الانتخابات، تلافياً لصدام مع الملك، بسبب الوضع المأزوم ككل على الساحة الانتخابية.

وانقسم الحزب بين تيارين؛ الأول: تيار الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، والثاني: تيار الأمين العام السابق، ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران.

تتمثّل المشكلة الحقيقية في عجز الأحزاب السياسية المغربية، عدا حزب العدالة والتنمية الإخواني، عن تكوين قواعد انتخابية، في ظلّ جاهزية قواعد الإخوان لدعم العدالة والتنمية

ويميل العثماني وقيادات في الحزب إلى تقليص المشاركة، بينما يرفض ذلك بنكيران، المدعوم من منظمة "شبيبة العدالة والتنمية"، التي تضمّ الشباب في الحزب.

وانسحب الخلاف على قضية القاسم الانتخابي، التي طُرحت في المشهد السياسي المغربي، وتطالب باستبدال القاسم القديم المعتبر بعدد الأصوات الصحيحة، بقاسم جديد يأخذ بعدد الأصوات المسجلة. ويُتهم العثماني من قبل بنكيران بالتنازل أمام الأحزاب المغربية، رغم رفض العثماني الصريح للقاسم الجديد.

اقرأ أيضاً: التبادل الحر مع أنقرة.. المغرب يحمي أسواقه من "الغزو التركي"

ويرى مراقبون أنّ حزب العدالة والتنمية يعيش أزمة داخلية كبيرة، وربما يلجأ إلى القبول بالقاسم الجديد، على مضض، ليظهر في دور الضحية، بينما يحقق هدفه في تقليص عدد مقاعده، تجنباً للخلاف السياسي، وتماشياً مع متغيرات إقليمية تلفظ هيمنة الإخوان على الحكومات.

جدل القاسم الانتخابي

واندلع الجدل عقب إعلان وزارة الداخلية، قبول مناقشة مطلب عدد واسع من الأحزاب، باعتماد قاسم انتخابي جديد، يقوم بتحديد القاسم الانتخابي، بناء على قسمة عدد الأصوات المسجلة على مقاعد الدائرة، لتحديد القاسم الانتخابي، الذي يحدّد الأصوات المطلوبة لنيل أحد المقاعد، وفق نظام التمثيل النسبي الانتخابي، وذلك ضمن الاجتماعات التشاورية التي بدأت وزارة الداخلية في عقدها مع الأحزاب السياسية، الممثلة وغير الممثلة، في مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، والذي يختار الملك، رئيس الحزب المتصدر فيه لتشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: الأمن المغربي يعثر على عربة متفجرات... لمن تعود؟

وتجري انتخابات مجلس النواب العام المقبل، وكذلك انتخاب المجالس الجماعية والمجالس الإقليمية والمجالس الجهوية والغرف المهنية، إضافة إلى ممثّلي المأجورين، ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان).

وفي الانتخابات الأخيرة (2016) جرى اعتماد القاسم الانتخابي القديم، وذلك بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد مقاعد الدائرة، وبناءً على ذلك جرى تحديد القاسم الانتخابي، مما يتيح لأحد الأحزاب أن يحصل على أكثر من مقعد في دائرة واحدة، بينما يمنع القاسم الجديد ذلك، ويعطي الفرصة بشكل مؤكد لفوز الأحزاب التي حصلت على أقل نسبة من الأصوات، كي تنال مقعداً.

اقرأ أيضاً: "داعش" ما بعد الجائحة.. المغرب "يبطل" فيروس الإرهاب

 وحول ذلك، تقول النائبة بالبرلمان المغربي عن حزب "الأصالة والمعاصرة"، ابتسام عزاوي: "العام المقبل هو عام انتخابي بامتياز، دائماً تجري مراجعة للقوانين قبل الانتخابات، وبحث المقترحات، وأكثر مسألة مثيرة للجدل، هي القاسم الانتخابي. ويدافع حزب العدالة والتنمية عن القاسم المعمول به، بينما تتبنّى أغلب الأحزاب القاسم الجديد، استناداً إلى أنّ عدم التصويت هو رسالة سياسية، وهذا القاسم يسمح لمكونات سياسية صغيرة أن تدخل البرلمان".

النائبة البرلمانية ابتسام عزاوي

وتردف عزاوي، لـ "حفريات": "الخاسران من القاسم المقترح هم حزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يقود المعارضة، وإذ لم يحدث توافق على مشروع القانون، أعتقد أننا سنذهب إلى البرلمان، ويكون التصويت هو الحسم".

وتضيف: "جوهر الخلاف هو: هل سنغلب الهمّ العددي الانتخابي، أم نغلب الهمّ السياسي، ونرتقي كفرقاء سياسيين للسماح للأحزاب الصغيرة بدخول البرلمان، وهي لن تغيّر كثيراً في الخريطة البرلمانية، وستثري النقاش السياسي، وتغني عمل البرلمان، ولا أرى في الأمر بلقنة، كما وصفه البعض".

انقسام داخل العدالة والتنمية

ويقول الباحث والكاتب الصحفي المغربي، نور الدين اليزيد: "حتى الآن لم يصدر عن الأمين العام السابق للحزب (العدالة والتنمية)، عبد الإله بنكيران، أي موقف إزاء النقاش السياسي الذي يجري حالياً على الساحة حول مسألة "القاسم الانتخابي"، وكلّ ما تنقله بعض التقارير مجرّد تكهّنات باحتمال عودة الرجل إلى الأضواء، مستغلاً هذا النقاش، الذي فهم منه الحزب أنّه يستهدفه".

البرلمانية المغربية ابتسام غزاوي لـ"حفريات": جوهر الخلاف هو هل سنغلب الهمّ العددي الانتخابي، أم نغلب الهمّ السياسي، ونرتقي كفرقاء سياسيين للسماح للأحزاب الصغيرة بدخول البرلمان؟

ويردف اليزيد، لـ "حفريات": "في الواقع وجد الحزب نفسه معزولاً، وسط غالبية أحزاب المشهد السياسي، بسبب تمسّكه بالقاسم القديم، بل حتى الأحزاب التي تشكّل مكوّنات التحالف الحكومي، مع تعديل القاسم، وهذا وحده مؤشر دال على مدى الإحراج الذي بات عليه الحزب، الذي بدا وكأنّه يخرج عن إجماع حزبي وسياسي، ويفضل مصالحه الحزبية الضيقة، على "مصلحة عامة" تتفق عليها غالبية الأحزاب، كما تبدو الصورة على الأقل من الناحية الظاهرية، ولو أنّ المسألة في عمقها فيها نقاش، وتتعلّق بصراع خفي يدور حول الحزب والنظام السياسي".

وسبق طرح القاسم الجديد، خلافات داخل العدالة والتنمية بسبب قضية تقليص مشاركة الحزب في انتخابات 2021، مراعاةً لعدم الصدام مع الملك، ووجود نفور إقليمي من الإسلام السياسي.

اقرأ أيضاً: كيف شكل المغرب عقدة تاريخية للعثمانيين؟

ويبدو أنّ العثماني أميل إلى تقليص المشاركة، بينما يعارض بنكيران ذلك. وفي مقال للباحث المغربي، خالد فتحي، نشره موقع "هيسبريس"، أشار الكاتب إلى وجود نية داخل قيادة العدالة والتنمية للقبول بالقاسم الانتخابي، كحلّ لإشكالية تقليص المشاركة الانتخابية، دون صدام مع قواعدهم، وذلك لأنّ القاسم الجديد سيقلص نتائج الحزب، وفي الوقت نفسه سيظهره في دور المظلوم، وهي مظلومية يكسب منها الإسلام السياسي بشكل عام.

بنكيران، الأمين العام السابق للعدالة والتنمية

ولا يرجّح الباحث، نور الدين اليزيد، عودة بنكيران، ويقول: "عودته باتت مستبعدة جداً، أمام كلّ الإشارات التي صدرت عن القصر، الرافضة لعودته من جديد، سواء تلك الإشارات التي وجّهت إليه مباشرة، بعد إعفائه، عام 2017، من مهمّة رئاسة الحكومة، واستبداله بزميله، سعد الدين العثماني، أو عندما نهج معه الملك أسلوباً ناعماً ومغرياً عندما أغدق عليه بمعاش دسم وصل إلى 70 ألف درهم شهريا، إضافة إلى تمتّعه بسيارة فاخرة، على عكس كلّ سابقيه من المسؤولين".

الحالة الفريدة

ولا تعتمد أيّة دولة في العالم مسألة القاسم الانتخابي المقترح في المغرب في نظام التمثيل النسبي الانتخابي.

ويبرّر مقترحو القاسم الجديد موقفهم، بأنّ عدم التصويت هو رسالة سياسية، وهي كذلك بالفعل، لكنّها تعني عدم الرضا عن الحياة السياسية عامةً، ولا تعني منح الحقّ للأحزاب في تفسير هذه الرسالة.

وتتمثّل المشكلة الحقيقية في عجز الأحزاب السياسية، عدا حزب العدالة والتنمية الإخواني، عن تكوين قواعد انتخابية، في ظلّ جاهزية قواعد الإخوان لدعم العدالة والتنمية.

ويقول الباحث نور الدين اليزيد: "كلّ المؤشرات تشير إلى أنّ حزب العدالة والتنمية سيحصد المركز الأول في انتخابات 2021، ما لم يتغير القاسم الانتخابي، لا سيما في ظلّ تزايد العزوف السياسي بسبب عوامل مختلفة، اجتماعية واقتصادية، آخرها تداعيات أزمة كورونا، وأمام استمرار الحزب الإسلامي في امتلاكه قاعدة انتخابية ملتزمة، تنتظر يوم الاقتراع فقط لتؤدّي دورها أحسن أداء".

اقرأ أيضاً: مخاوف ليبية من تراجع الإخوان عن تفاهمات "بوزنيقة" المغربية

ولا تعكس نتائج الانتخابات، في ظلّ العزوف الكبير عن المشاركة، هيمنة الإخوان على المغرب، بل تشير إلى فاعلية قواعدهم الانتخابية، مقابل عدم وجود تمثيلات سياسية معبرة عن القطاع الأعظم من الشعب، الذي خرج في مظاهرات حاشدة عام 2011، أجرى إثرها الملك تعديلات دستورية، تخلّى بموجبها عن تعيينه لرئيس الحكومة، وبات يختار رئيس الحزب الأكثر حصولاً على المقاعد في البرلمان.

وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، عام 2016، بلغت نسبة المشاركة 42.5%، بحسب بيانات وزارة الداخلية، ولم تتجاوز 30% في مناطق حضرية كبيرة.

اقرأ أيضاً: المغرب يكشف أهداف وخفايا الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها... تطورات خطيرة

وأشار تقرير صادر عن المنتدى المدني الديمقراطي المغربي، بالتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث، حول انتخابات 2016؛ إلى اقتراب نسبة المشاركة من مربع مخاطر العزوف، وهي النسبة التي تقلّ عن 40%.

وتعليقاً على هذه النسبة، قالَ عبد الله ساعف، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في ندوة صحفية عُقدت بالرباط، وفق ما نقله موقع "هيسبريس": "نسبة المشاركة المسجّلة، وإنْ كان الفاعلون السياسيون يرونها "عادية"، ما دامت لا تطرح مشكلاً كبيراً إلا إذا نزلتْ تحت 40%، إلا أنّه ينبغي أنْ يُفتحَ نقاش حولها"، مشيراً إلى أنَّه؛ "لا يمكنُ القولُ إنّ المجتمع في صحّة جيّدة إلا إذا لامست النسبة سقف 60%".

ويضمّ البرلمان المغربي (الغرفة الأولى) 395 مقعداً، وتُنتخب 305 منها عبر قوائم حزبية في 92 دائرة انتخابية، موزّعة على تراب المملكة، و90 مقعداً إضافياً من لائحة وطنية، ثلثاها مخصصة للنساء، والثلث الباقي للرجال الذين تقلّ أعمارهم عن 40 عاماً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية