هل سينجح إخوان تونس في العودة إلى المشهد بتعيين أمين عام جديد؟

هل سينجح إخوان تونس في العودة إلى المشهد بتعيين أمين عام جديد؟

هل سينجح إخوان تونس في العودة إلى المشهد بتعيين أمين عام جديد؟


24/12/2023

دخلت حركة النهضة الإخوانية منذ 25 تموز (يوليو) 2021 في دوّامة من التيه والضياع بعثرت أوراقها وأفقدتها الحماية والغطاء الذي كانت تتمتع به طيلة سيطرتها على السلطة في تونس، محتمية بقياداتها الذين تمكنوا من مختلف الوزارات وأمسكوا بزمام السلطة بقبضة من حديد. غير أنّ إزاحتها عن السلطة بدفع من الشارع التونسي الذي ثار ضدها وتوجه نحو مقراتها محتجاً على سياساتها زعزع ثقتها وأفقدها التوازن فظلت تتخبط في الرأي ونقيضه، وتضاربت تصريحات زعيمها، راشد الغنوشي، المودع في السجن حالياً، إذ اعتبرت ما حصل انقلاباً ثم عدلت عن ذلك لفترة من الزمن واعتمدت خطاباً ليّناً لمهادنة السلطة فلم تجد الآذان الصاغية، وعادت لتبنّي نظرية الانقلاب مجدداً.

عرّت إجراءات 25 تموز (يوليو) وهن الإخوان في تونس، وكشفت زيف جميع الشعارات التي كانوا يرفعونها. وبعد ملاحقة العديد من قياداتها من الصف الأول وإيداعهم السجن على خلفية قضايا متعددة، منها ما يتعلق بأمن الدولة والتآمر والإرهاب وتبييض الأموال والفساد، وإغلاق مقرها في العاصمة تونس، تسعى الحركة اليوم إلى لملمة جراحها، بعد الصدع الحاصل فيها والانشقاقات التي عصفت بها احتجاجاً على دكتاتورية زعيمها وتجاوزه لوائحها الداخلية في التعيينات والتسميات الحزبية.

تسعى حركة النهضة الإخوانية اليوم إلى لملمة جراحها، بعد الصدع الحاصل فيها والانشقاقات التي عصفت بها احتجاجاً على دكتاتورية زعيمها وتجاوزه لوائحها الداخلية في التعيينات والتسميات الحزبية

في هذا الإطار تأتي تزكية العجمي الوريمي أميناً عاماً لها لسد شغور هذا المنصب الذي تُرك فارغاً منذ استقالة القيادي السابق زياد العذاري من المنصب في 2019. والعجمي الوريمي (61 عاماً) خريج الجامعة التونسية من شعبة الفلسفة، عرف بنشاطه في الاتجاه الإسلامي بالحركة الطلابية (فصيل طلابي يتبع حركة النهضة نشط بالجامعة التونسية منذ أواخر السبعينيات إلى 1991، وعاد إلى النشاط بعد الثورة، وهو الذراع الطلّابي للإخوان)، قبل أن يصبح في 1991 قيادياً في النهضة خلال صراعها مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي (1987-2011)، الأمر الذي أدى إلى سجنه (16) عاماً، وشغل الوريمي منذ 2011، مناصب قيادية في حركة النهضة لينتخب في 2014 نائباً بمجلس النواب عن حزبه، إلى حدود 2019.

راشد الغنوشي

والمعروف عن شخصية الوريمي أنّه هادئ ومتزن اتصالياً، وقليل الظهور الإعلامي مقارنة ببقية القيادات، وأكثرهم قابلية للحوار والنقاش، وبعيد عن الصدام الذي عرفت به أغلب قيادات الإخوان.

وبالتالي فإنّ اختياره لمنصب الأمانة العامة هو خطوة نحو تليين الخطاب مع السلطة والمعارضة، حسب مراقبين، كما أنّه رسالة تهدئة للصراع بين الإخوان والرئيس سعيّد، خصوصاً أنّ الوريمي عُرف بقربه وصداقته لرضا شهاب المكي الذي يصفه بعضهم بأنّه "عقل" قيس سعيّد.

ويرى محللون أنّ تعيين الوريمي هو محاولة للملمة الصدع الداخلي للنهضة؛ لأنّه عنصر محايد لا ينتمي إلى أيّ شق في النهضة، كما أنّه منفتح على تيارات سياسية عديدة، بما فيها اليسار، ثم إنّه من القياديين القلائل الذين لم يهاجموا الرئيس قيس سعيّد بعد إجراءات 25 تموز (يوليو)، وبالتالي فإنّ تزكيته لمنصب الأمانة العامة محاولة لتضميد جراح الحركة ومدّ جسور التواصل مع السلطة.

اختيار الوريمي لمنصب الأمانة العامة هو خطوة نحو تليين الخطاب مع السلطة والمعارضة، حسب مراقبين، كما أنّه رسالة تهدئة للصراع بين الإخوان والرئيس سعيّد، خصوصاً أنّ الوريمي عُرف بقربه وصداقته لرضا شهاب المكي الذي يصفه بعضهم بأنّه "عقل" قيس سعيّد

غير أنّ صعود الوريمي إلى منصب الأمانة العامة يأتي في وقت صعب تواجه فيه الحركة تضييقاً في الداخل والخارج. ففي الداخل لا يمكن إخفاء الانشقاقات التي عصفت بها رداً على التأجيل المتكرر لمؤتمرها الـ (11)، بإصرار من زعيمها راشد الغنوشي، وتمسكه بالسلطة داخلها، ورفضه فكرة مغادرة الكرسي كما تنص على ذلك لوائح الحركة الداخلية. ولهاثه خلف السلطة متنكراً لوعوده في 2011 لمّا أعلن من لندن أنّه لن يترشح إلى أيّ انتخابات مهما كان نوعها، وأنّ غايته الوحيدة هي العودة إلى تونس فحسب. غير أنّه سرعان ما تنكر لذلك، ودخل في صراع محموم من أجل السلطة حتى بلغ رئاسة مجلس النواب، الذي تحول في عهده إلى "مسخرة" كما يصفه التونسيون، رافضاً الاستقالة.

كما أنّ الحركة الآن فاقدة لكل سند في الداخل رغم محاولاتها التحشيد بكل الطرق والوسائل، إذ تنفق أموالاً خيالية على التظاهرات الاحتجاجية ضد الرئيس وتجمع المتظاهرين من كل محافظات البلاد. وليس أدلّ على فقد الدعم هذا من تخلي قواعد الحركة أنفسهم عن رئيسهم ليلة 25 تموز (يوليو) عندما طلب منهم الاعتصام أمام باب مجلس النواب في باردو، فتركوه في العراء وحيداً، ولم يلبّ نداءه أحد تقريباً.

كما تواجه قيادات عديدة تهماً متعددة ومتنوعة، وكثير منهم مودعون في السجون بعد أن فقدوا الغطاء القضائي والسياسي على خلفية قضايا، منها ما يتعلق بالإرهاب والتلاعب والفساد وتبييض الأموال وأمن الدولة وغيرها.

يرى مراقبون أنّ الخطوة التي قطعها الإخوان حالياً جاءت متأخرة، لأنّ القطار تقدم بعيداً جداً، وكل التنازلات التي تقدمها الحركة الآن لعقد صفقة سياسية مع السلطة ستبوء بالفشل

ومن جهة أخرى، يبدو أنّ حلفاء الحركة الإقليميين والدوليين قد نفضوا أيديهم منها نهائياً، إذ تواصلت العلاقات التركية والقطرية مع ما بعد 25 تموز (يوليو)، وفقدت الحركة بذلك الغطاء الإقليمي الذي كانت تتمتع به خاصة عبر التمويل المقنع بالعمل الجمعياتي والمدني.

في ظل هذه الظروف التي تمر بها الحركة يعلن الوريمي أنّ "حركة النهضة ستقدم عرضاً سياسياً جديداً للتونسيين".

وأكد الوريمي خلال حواره لإذاعة (شمس إف إم) أنّه "على المستوى الداخلي الحركة في مرحلة إصلاحية عنوانها حوكمة الموارد البشرية والمادية للنهضة بغاية جعلها حزباً ريادياً قادراً على تحمل المسؤولية في البلاد ولإنجاح العيش المشترك ورفض الإقصاء والتأسيس لديمقراطية سليمة خالية من العاهات".

هذا، وأقرّ الوريمي أنّ العرض السياسي الجديد للحركة سيواصل مسار التطبيع مع الدولة، وسيكون من مهام النخبة السياسية في المرحلة القادمة، خاصة ممّن سيفوزون في الانتخابات، إصلاح الدولة لتكون دولة القانون والمؤسسات ودولة مواطنية".

وتابع الوريمي القول: إنّه "خلال الفترة القادمة ستقدم الحركة هذا العرض للتونسيين، وأيّ طرف آخر يرى فيه شيئاً مشتركاً له إمكانية الانخراط فيه حتى السلطة القائمة".

وأوضح الوريمي أنّ "لجنة إدارة الأزمة من بين أهدافها البحث عن مساحة مشتركة مع كافة الأطراف".

وبالتالي فإنّ مهمة الوريمي هي رأب الصدع الداخلي للحركة، ومدّ يد الحوار للسلطة للعودة إلى المشهد مجدداً.

غير أنّ مراقبين يرون أنّ الخطوة التي قطعها الإخوان حالياً جاءت متأخرة، لأنّ القطار تقدم بعيداً جداً، وكل التنازلات التي تقدمها الحركة الآن لعقد صفقة سياسية مع السلطة ستبوء بالفشل. وقد لخص القيادي السابق في الحركة المنشق عنها عبد اللطيف المكي الوضعية في جملة تختزل الوضع.

إذ علق عبد اللطيف المكي الأمين العام لحزب العمل والإنجاز على اختيار مجلس شورى حركة النهضة لعجمي الوريمي القيادي بالحركة في خطة الأمين العام الجديد للحزب، بالقول: "إنّ أزمات حركة النهضة أكبر من العجمي الوريمي رغم قدراته".

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية