هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟


19/12/2023

أعلنت رئاسة الحكومة التونسية تشكيل لجنة عبر قطاعية مكلفة بإعداد مشروع قانون جديد للجمعيات بدلاً من المرسوم (88) المؤرخ في 2011.

وجاء في بلاغ نشر على الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة أنّ رئيس الحكومة أشرف الإثنين 11 كانون الأول (ديسمبر) 2023 على جلسة عمل وزارية بقصر الحكومة بالقصبة بحضور وزيرة المالية سهام نمصية البوغديري وممثل عن وزارة العدل.

وأضاف البلاغ أنّه "بعد التداول حول وضعية الجمعيات وطرق تمويلها تقرر إحداث لجنة عبر قطاعية لتشتغل على مشروع قانون جديد، مع إمكانية النظر في تنقيح قوانين أخرى متعلقة بتمويل الجمعيات وتبييض الأموال.

وشدّد رئيس الحكومة بهذه المناسبة على ضرورة أن يساهم هذا القانون الجديد للجمعيات في تدعيم دور المجتمع المدني، وذلك في كنف احترام المبادئ والحقوق والضمانات المنصوص عليها في الدستور، في إطار دولة القانون.

كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أشار مراراً إلى حجم الفساد الذي مورس تحت غطاء جمعياتي

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أشار مراراً إلى حجم الفساد الذي مورس تحت غطاء جمعياتي، وأكد أنّ كثيراً من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني تحولت إلى واجهات للأحزاب، تتلقى تمويلات خيالية من الخارج دون إعلام بمصدرها ودون إشعار رئاسة الحكومة كما ينص على ذلك المرسوم (88). ودعا أكثر من مرة إلى ضرورة مراجعة قانون الجمعيات الذي استغلته أطراف سياسية عديدة لتبييض الأموال وتمويل الأحزاب بطريقة غير مباشرة وتمويل الإرهاب، ومن أبرز المعنيين بهذه التهم حركة النهضة الإخوانية.

أشد المحتجين على قانون الجمعيات الجديد هم الإخوان، ذلك أنّه، بحسب بعض المحللين، سيحرم حركة النهضة من مصادر الأموال الطائلة التي كانت تتلقاها بطريقة غير مباشرة وبوسائل خارجة عن القانون عبر التهريب وتبييض الأموال لتوظيفها لأغراض حزبية

ودعا الرئيس التونسي في شباط (فبراير) 2022 خلال الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء إلى ضرورة منع تلقي الجمعيات والمنظمات تمويلات من الخارج، معتبراً عمل بعض الجمعيات والمنظمات امتداداً لأطراف خارجية أو أحزاب سياسية، في إشارة ضمنية إلى حركة النهضة، مؤكداً أنّه "لن يسمح لهم بالعبث بالدولة التونسية وإرادة الناخبين".

وقد أثارت تقارير دائرة المحاسبات كثيراً من الشبهات حول عدد من الجمعيات المتورطة في تمويل أجنبي بالمناولة لصالح عدد من الأحزاب، أبرزها حركة النهضة المستفيدة الأبرز من العمل الجمعياتي. وقد أثبتت لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي بوضوح تورط جمعيات إخوانية في تمويل الإرهاب وقد تم حلّ عدد كبير منها مثل جمعية (مرحمة) الخيرية.

وإثر سقوط النظام السابق مباشرة سارعت حركة النهضة الإخوانية إلى تكوين آلاف الجمعيات التي تنشط تحت عنوانين بارزين، هما العمل الخيري والعمل التنموي، ولتسهيل بعث الجمعيات أصدرت مرسوماً يسهل عملية بعث الجمعيات وتأسيس المنظمات.

ولئن ساهم هذا القانون في إثراء العمل المدني وتشجيعه، فإنّ مراقبين لاحظوا بسرعة أنّ حركة النهضة الإخوانية تستعمل تقنية التمويل المقنّع للحزب، إذ تتلقى تمويلات هائلة بأرقام خيالية، ولكنّها تستغلها في الدعاية الحزبية وشراء الذمم، وانتشرت بفضل نسيجها الجمعياتي المعقد في كل شبر من تونس، فتغلغلت في الأرياف بسرعة، وتمكنت في ظرف وجيز من حشد الدعم الانتخابي.

أثارت تقارير دائرة المحاسبات كثيراً من الشبهات حول عدد من الجمعيات المتورطة في تمويل أجنبي

فقد أشارت تقارير محكمة المحاسبات إلى أنّ مصالح البنك المركزي ووزارة الخارجية ورئاسة الحكومة لم تكن تقوم بدورها في مراقبة الأموال المشبوهة التي تتلقاها الجمعيات وبعض منظمات المجتمع المدني، فإذا كان المرسوم (88) يسمح بتلقي تمويلات، فإنّه يشترط أن تكون من دولة تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية، كما يشترط الإعلام عن تلك الأموال ونشر مصدرها، وإبلاغ مصالح رئاسة الحكومة بذلك على الفور. غير أنّ سيطرة حركة النهضة الإخوانية على كل مفاصل الدولة مكّنها من التحرك بسهولة بغطاء حزبي وتشريعي وتنفيذي وقضائي يجنبها الملاحقة، فتلقت تمويلات رهيبة حسب ما أثبتته تقارير الرقابة وخاصة تقارير محكمة المحاسبات السنوية. وهو ما يؤكد أنّ جمعيات عديدة كانت مجرد واجهات للحزب تتلقى عبره التمويلات من أطراف إقليمية ودولية، إلى درجة أنّها بنت المدارس والمستوصفات ورممت عدداً من المؤسسات وساعدت مئات الآلاف من "الحالات الاجتماعية" التي تتحول في الانتخابات إلى أصوات لحركة النهضة.

ولئن كان القانون الجديد يحظى بنقد بعض المنظمات الدولية والأصوات الإخوانية أو المقربة منها، فإنّ أشد المحتجين عليه هم إخوان تونس، ذلك أنّه، بحسب بعض المحللين، سيحرم حركة النهضة من مصادر الأموال الطائلة التي كانت تتلقاها بطريقة غير مباشرة وبوسائل خارجة عن القانون عبر التهريب وتبييض الأموال لتوظيفها لأغراض حزبية، خدمة للحركة في الداخل والمساهمة في قوتها المادية والمعنوية وشراء الذمم في الحملات الانتخابية، وفي الخارج بتبييض صورتها في العالم وحشد التأييد لها عبر الإعلام وشركات الضغط والدعاية، وهو مجال تنفق من أجله حركة النهضة ملايين الدولارات خصوصاً في المواعيد الانتخابية.

استغلت حركة النهضة الإخوانية العمل الجمعياتي استغلالاً كبيراً، مكّنها من التغلغل في كل مفاصل الدولة والحياة العامة، ومكّنها من تحشيد الدعم، فسيطرت على الحياة السياسية بشراء الذمم عبر ديمقراطية شكلية  عرجاء

ولإبراز هذا التداخل بين العمل الحزبي والعمل الخيري في حركة النهضة ما أكده تقرير نشرته أسبوعية الشارع المغاربي في عدد 21 آب (أغسطس) 2021 جاء فيه ما يلي: "شهر فقط قبل فوز حركة النهضة بأغلبية نسبية في انتخابات المجلس التأسيسي في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 وتكوين حكومة برئاسة حمادي الجبالي، أي في 24 أيلول (سبتمبر) 2011، أسس القيادي النهضاوي محسن الجندوبي جمعية سمّاها (مرحمة)، واختار لها من الأهداف مساعدة الفقراء والمعوزين والأرامل والأيتام والأطفال الجانحين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وبينما كان الصمت الانتخابي يخيّم على المشهد السياسي لأوّل انتخابات بعد ثورة 2011، حصل الجندوبي على تأشيرة عمل لجمعية ثانية تدعى (الأمانة العامة للعمل الخيري) لها الأهداف نفسها، ولكن بتركيبة جديدة آلت فيها رئاستها إلى الجندوبي والكتابة العامة لمعاذ بن راشد الخريجي الغنوشي، وبالتزامن مع ذلك أسس مقداد العرباوي، المكلف بالشباب والطلبة بالمكتب التنفيذي الجديد للحركة، جمعية (أنصار فلسطين)، وذلك في مخالفة واضحة للقانون الذي يمنع الجمع بين الصفتين.

ويتابع التقرير أنّه "بعد (4) أشهر فقط، أي في شباط (فبراير) 2012، تم تكليف محسن الجندوبي بالعلاقة مع الجمعيات الإغاثية والتنموية في المكتب التنفيذي الجديد للحركة، أمّا زميلهما في المكتب التنفيذي رضا البوكادي الذي تم تكليفه بالتنسيق مع الفريق الحكومي، فقد أسس في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2012 جمعية الصداقة التونسية التركية، ليشغل في الوقت نفسه خطة أمين المال لها. وانتظر زميلهما في المكتب التنفيذي الجديد محمد عون، المكلف بالهيكلة والتنظيم والتأهيل القيادي، عاماً فقط ليؤسس ويترأس جمعية (أهل السنّة والجماعة) بالقلعة في 25 شباط (فبراير) 2013. وأسس عضو المكتب التنفيذي المكلف بالتعبئة كمال الحجام جمعيتين؛ الأولى تدعى مبادرة المواطنة في 5 كانون الثاني (يناير) 2011 والثانية في 12 حزيران (يونيو) 2012. كما ساهمت ليلى الوسلاتي المكلفة بالعلاقة مع حركات التحرر صلب المكتب التنفيذي لعام 2012، في تأسيس جمعية للعمل التنموي في آب (أغسطس) 2019، بالتوازي مع عملها كعضو بمجلس نواب الشعب".

وانتهى التقرير إلى أنّ العديد من القيادات الإخوانية التونسية يجمعون "بين نشاطهم الحزبي والبرلماني ومسؤولياتهم في العشرات، إن لم نقل المئات، من الجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية، مستغلين تواطؤ بعض الأجهزة الرقابية واستشراء سياسة الإفلات من العقاب، رغم النتائج الوخيمة لهذا الملف الذي يمس الأمن القومي في مقتل، ويؤثر على المشهد السياسي، ويضمن تغلغلاً أكثر في أجهزة الدولة، ويحكم قبضته على المجتمع".

لقد استغلت حركة النهضة الإخوانية العمل الجمعياتي استغلالاً كبيراً، مكّنها من التغلغل في كل مفاصل الدولة والحياة العامة، ومكّنها من تحشيد الدعم، فسيطرت على الحياة السياسية بشراء الذمم عبر ديمقراطية شكلية يراها كثيرون ديمقراطية "عرجاء مغشوشة"، مستغلة في ذلك مرسوم الجمعيات المعروف بالمرسوم (88)، فهل يستطيع القانون الجديد تجفيف منابع حركة النهضة المالية؟

مواضيع ذات صلة:

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات

خطوة أخرى لتجاوز مخلفات حكم الإخوان... تونس تتحرك للحد من نفوذ الاقتصاد التركي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية