ليبيا: هل يكمن الحل في نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج؟

ليبيا: هل يكمن الحل في نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج؟

ليبيا: هل يكمن الحل في نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج؟


20/02/2024

يتألف المشهد الأمني الليبي من مئات الجهات الفاعلة المسلحة ذات السمات الفردية. وعادة ما يكون للجماعات خلفيات وتسلسلات هرمية متنوعة ومختلفة من حيث الحجم والتنظيم، كما يوضح ذلك بالتفصيل كتاب "استكشاف الجماعات المسلحة في ليبيا: رؤى حول إصلاح القطاع الأمني في بيئة هجينة"، الذي أصدره مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، بقلم الكاتب عماد الدين بادي.

 وللبيئة الهجينة التي تحكم تفاعل هذه الجماعات مع المجتمعات المحلية وسلطات الدولة تأثيرٌ على هيكلها التنظيمي الداخلي وأنماط الحشد الخاصة بها. كما نجد أنّ قيادة هذه الجماعات - إلى جانب خلفية جنودها وميولهم الأيديولوجية - تؤثر على علاقتها بالمجتمعات المحلية.

وبالرغم من أنّ سياسات الدولة كان لها بلا شك تأثير كبير على مناورات الجماعات المسلحة، ووسائل إدرار الدخل لديها، فمن المهم التأكيد، بحسب الكتاب، على أنّ المشهد الأمني الليبي وجماعاته المسلحة قد تطورا، في الأساس، بسبب عوامل مجتمعية كان لها تأثير كبير على الهيكل الداخلي للجماعات المسلحة، وتسلسلها الهرمي، وتسلسل قيادتها. وغالباً ما تشكل هذه الجوانب بالفعل تاريخ الجماعة وأفرادها وتطورهم وأيديولوجيتهم وقيادتهم والأراضي الخاضعة لسيطرتهم وطموحاتهم. كما تؤثر هذه العوامل - إن لم تحدد - أنماط تعاون الجماعات المسلحة مع الجهات الفاعلة المحلية والدولية، فضلاً عن الآليات التي تستخدمها لإدرار الدخل وتوزيع رأس المال الاقتصادي داخلياً. 

تعددت الأسباب

وتعددت الأسباب الكامنة وراء نهوض وتمدد الجماعات المسلحة في ليبيا، وهو ما يعزوه الكاتب بين فيشمان، في مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى تنازل الحكومة الليبية عن الكثير من السلطة للميليشيات المحلية والوسطاء القبليين، بحيث لا يستطيع أحد تفكيك هذه الميليشيات دون المخاطرة بحياته.

سياسات الدولة كان لها بلا شك تأثير كبير على مناورات الجماعات المسلحة

ينبع الجمود المتوطن في ليبيا من ثلاثة عوامل مترابطة؛ العامل الأول هو القيادة السياسية التي تفضل امتيازات السلطة على احتياجات السكان. العامل الثاني هو النظام المالي الذي يحافظ على تدفق الأموال من خلال عائدات النفط، مما يتيح شبكة توزيع سرية تستفيد منها الجهات الفاعلة السياسية والمسلحة. والعامل الثالث هو عبارة عن شبكة من الجماعات المسلحة "الهجينة" أو شبه الرسمية، التي غالباً ما تمولها الدولة، وتتمتع بامتيازات الدولة وسيطرة أشبه بالمافيا على الأراضي والموارد والتهريب، كما يذهب فيشمان، الذي يعبّر عن أسفه من أنّ ليبيا لم تحقق الآمال التي كانت سائدة في السنوات الأولى ما بعد القذافي في عامي 2011 و 2012.

أصول المشكلة

تنبع جذور التحدي الذي تواجهه ليبيا مع الجماعات المسلحة من الانتفاضات المتباينة ضد القذافي، والتي لم تكن منسقة بشكل جيد. وكما يصف الباحث في شؤون ليبيا ولفرام لاشر، "تنظم الجماعات المسلحة في الغالب على أساس مدن أو أحياء أو قبائل فردية، وغالباً ما تحدد نفسها من خلال انتماءاتها المحلية". وأشارت الممثلة السابقة للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، إلى أنّ "عدد الجماعات المسلحة الهجينة في غرب ليبيا، قد ارتفع بشكل كبير بعد أن وصل عددهم إلى حوالي 30 ألفا" منذ عام 2011.

 

إذا حدث أي تقدم في الانتخابات، فيجب أن تكون الجماعات المسلحة جزءاً من الاتفاق على إجراء التصويت. وسيتطلب ذلك ضغطاً كبيراً من الجهات الفاعلة

 

ولم تكن الأمم المتحدة مستعدة، أو مخولة، أو مجهزة بالموظفين لمتابعة أو تنفيذ برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. كما لم يصر حلف "الناتو" أو القوات المتحالفة معه على إعطاء الحكومة الانتقالية الأولى في ليبيا الأولوية لمحاولة إجراء عملية من نوع ما لإصلاح القطاع الأمني، أو عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، عندما كانت الجماعات المسلحة أقل رسوخاً.

وجرت إحدى المحاولات الأولية التي قادها الليبيون في أوائل عام 2012، والتي أُطلق عليها اسم "هيئة شؤون المحاربين"، والتي حاولت تسجيل أي مقاتل أو مشارك في الثورة وتحديد مدى اهتمامهم بالتعليم أو العمل أو الاندماج رسمياً في الهيكل العسكري الرسمي. وفي حين نحجت هذه المبادرة في تسجيل أكثر من 250,000  فرد (يُقدر أنّ المشاركين الفعليين في المعارك أقل بكثير)، إلا أنّ البرنامج فقد مصداقيته، وتم تعليقه في النهاية.

وحث عبد الله باثيلي، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، الفصائل المتناحرة في البلاد على اختيار ممثلين لحضور اجتماع يهدف إلى التوصل إلى تسوية لإجراء الانتخابات.

تعددت الأسباب الكامنة وراء نهوض وتمدد الجماعات المسلحة في ليبيا

وفي ظل تعثر جهود إجراء الانتخابات، يركز بعض المحللين على البرامج التي من شأنها أن تشجع عناصر الجماعات المسلحة إلى إلقاء أسلحتهم والعودة إلى رحاب المجتمع المدني. وتُعرف هذه العملية بمصطلح التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج، وتسعى أيضاً إلى مساندة المقاتلين السابقين، ويكون ذلك أحياناً بإعادة إدماجهم في الحياة المدنية. وكانت هذه الجهود متوقفة في ليبيا في الغالب منذ عام 2015.

وقالت منى يعقوبيان، نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد الولايات المتحدة للسلام، في نقاش عُقد في كانون الأول (ديسمبر): "تعتبر عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المثمرة حجر الزاوية لنشر السلام والاستقرار الاقتصادي اللذين لا تستغني عنهما عملية السلام".

 

الباحث تيم إيتون: من دون الأمن تظل معايير ومتطلبات برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الوطني في ليبيا غير واضحة

 

ويعول مراقبون على أنّ الوقت الراهن هو المناسب لبدء عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، فقد كُلفت وزارة العمل بوضع برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، في حين يستكشف المجتمع الدولي خيارات "ما قبل نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج." وتُعرف الأمم المتحدة عملية ما قبل نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على أنها "إجراء انتقالي على المستوى المحلي لنشر الاستقرار، يستهدف من يستحقون المشاركة في برنامج وطني لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج."

إصلاح الأمن

ويطالب مراقبون باتباع نهج أكثر تنوعاً وأشد قوة من "الجيل التالي من نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج." والجيل التالي من عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج عبارة عن عملية سياسية تتوقف على الظروف والأوضاع المحلية، وتبدأ عادة قبل إبرام اتفاقيات السلام.

ولكن ليس في ليبيا برنامج لإصلاح قطاع الأمن، وهذا يحد من التدابير التي يمكن اتخاذها من حيث نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

يطالب مراقبون باتباع نهج أكثر تنوعاً وأشد قوة

ويقول تيم إيتون، زميل الأبحاث الأول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد "تشاتام هاوس": "من دون الأمن تظل معايير ومتطلبات برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الوطني غير واضحة".

وإذا حدث أي تقدم في الانتخابات، فيجب أن تكون الجماعات المسلحة جزءاً من الاتفاق على إجراء التصويت. وسيتطلب ذلك ضغطاً كبيراً من الجهات الفاعلة الخارجية التي لها تأثير على الأحزاب المحلية لضمان عدم انخراطها في أعمال العنف قبل الانتخابات أو بعدها.

وستكون هذه العملية أكثر صعوبة نظراً للتركيز الساحق في المنطقة على الأحداث في غزة والتوترات المتزايدة في لبنان والبحر الأحمر. وعلى باثيلي، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، أن يولي اهتماماً أكبر بالظاهرة المتناقضة للميليشيات، بدلاً من إعطائه الأولوية للاتفاقات السياسية، بحسب الباحث الأمريكي بين فيشمان.

مواضيع ذات صلة:

ليبيا وتحركات مكوكية للوصول إلى أفق سياسي عبر الانتخابات... ما الجديد؟

هل يستفيد إخوان ليبيا من تعيين "الصلابي" أميناً عاماً لاتحاد علماء المسلمين؟

هكذا عبثت قوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية في ليبيا خلال العقد الماضي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية